أسماء السحيـري العبيـدي وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ: لهذه الأسباب اخترت هذه الوزارة؟
منذ أن شرع إلياس الفخفاخ في تشكيل فريقه الحكومي، ظلّ اسمها يتردّد في الكواليس ضمن أسماء الموزّرين الجدد. حسب التسريبات الأولى كانت مبوّبة لوزارة العدل بحكم تكوينها القانوني واستقلاليتها وسعة تجربتها الإدارية لكنّها أرست في نهاية الأمر بنهج عاصمة الجزائر وزيرةً للمرأة والأسرة والطفولة وكبار المسنّين، باختيار منها.
وشاءت الصدفة أن تكون ثالث إمرأة تحمل لقب العبيدي تتبوّأ هذا المنصب منذ جانفي 2011 بعد ليليا العبيدي (من 17 جانفي إلى 24 ديسمبر 2011 في حكومتي محمّد الغنّوشي والباحي قايد السبسي) ونزيهة العبيدي (من 27 أوت 2016 إلى 28 فيفري 2020). أسماء السحيري العبيدي لم يرشّحها أيّ حزب لهذه الحقيبة وإنّما إلياس الفخفاخ نفسه هو الذي اختارها لأن تكون من بين أعضاء حكومته بعد أن خبر كفاءتها العالية عند تعامله معها من موقعه وزيرا للسياحة ثمّ وزيرا للمالية في حكومة الترويكا حينما كانت المستشار القانوني والتشريعي للحكومة.
في هذا الحديث الذي خصّت به ليدرز العربية، تكشف أسماء السحيري العبيدي عن جوانب من حياتها العائلية ومسيرتها المهنية الناجحة، وتوضّح بالخصوص سبب اختيارها وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ، فضلا عن رؤيتها لأبرز الملفّات الحارقة التي ستتولّى معالجتها في قادم الأيّام.
بداية حدّثينا عن تجربتك كمستشار قانوني وتشريعي للحكومة والتي دامت 8 سنوات...؟
أنا أوّل امرأة تشغل منصب المستشار القانوني والتشريعي للحكومة وهو مستشار رئيس الحكومة في الشؤون القانونية وكذلك مستشار كلّ أعضاء الحكومة، من 2012 إلى ديسمبر 2018. وقد عملت في هذا المنصب مع سبع حكومات بعد الثورة. وهذه الخطّة مهمّة جدّا لأنّ المستشار القانوني والتشريعي للحكومة يقوم بالاستشارات ويجمع في الآن نفسه كلّ النصوص القانونية والأوامر والقرارات التي تصدر في الرائد الرسمي ويعيد تهيئتها وصياغتها. وبالتالي، فهو يشتغل مع كلّ الوزراء، بالإضافة إلى رئيس الحكومة. كما أنه يعمل في الكواليس ويتحمل عبء كل العمل الحكومي، سواء في المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الذي يُترجم بعد ذلك في نصوص قانونية. والعمل في هذه الخطّة يتطلّب مواكبة الأوضاع ومتابعة المعلومة حتّى تكون للمستشار قدرة على استباق الأحداث والتفاعل معها لتنقيح النصوص وتجاوز الأزمات. لا أخفي أنّه كان هناك الكثير من الضغط النفسي لممارسة هذا العمل ولكنّها كانت تجربة ثرية استفدت منها وجعلتني أتابع الشأن العام.
وماذا عن تجربتك كمديرة للمدرسة الوطنية للإدارة؟
كان فخرا كبيرا لي أن أعود إلى المدرسة الوطنية للإدارة التي لها عندي حنين خاصّ لأنّني درست فيها وتعلّمت فيها الكثير. جاء تعييني على رأس هذه المؤسّسة الجليلة بعد أن قضيت 23 سنة في مصالح المستشار القانوني والتشريعي للحكومة، تدرّجت خلالها في مختلف المناصب. فمنذ تخرّجي من المدرسة الوطنية للإدارة، سنة 1997، عيّنت في هذه المصالح. عملت مباشرة في الوزارة الأولى وتدرّجت من رئيسة مصلحة إلى مديرة عامّة ثمّ تمّ تعييني سنة 2012 على رأس مصالح المستشار القانوني والتشريعي للحكومة. وبعد ثمان سنوات في هذه المهمّة، وصلت إلى مرحلة كان لابدّ فيها من تغيير مساري المهني والقيام بتجربة جديدة. تمّ تخييري بين مواقع عديدة واخترت المدرسة الوطنية للإدارة لأنّني كنت أحلم بمزيد تطويرها بما يتلاءم مع الوضع الجديد للبلاد والإدارة بعد صدور دستور 2014 الذي تمّ التنصيص فيه على أنّ الإدارة في خدمة المواطن وأنّها تعمل على ترسيخ مبادئ المساواة والشفافية والحياد والمساءلة، وهي مبادئ مهمّة جدّا. فبعد 2011، وجدت الإدارة التونسية نفسها أمام تحديات كبرى، رغم أنّها هي التي حافظت على استقرار الدولة واستمرار المرفق العام، وتتابعت هذه التحديات فيما بعد، لذلك لابدّ لها اليوم من أن تتطوّر وتتجدّد. وعندما تقلّدت منصب مديرة المدرسة الوطنية للإدارة، كان لدي مشروع ورؤية في هذا الاتجاه.
وكان هدفي الأوّل هو تطوير جودة التكوين، حيث يجب أن تكون للإداريين اليوم أكثر مهارات ذاتية في القيادة والعمل تحت ضغط كبير ووضع متّسم بالأزمات، حتّى يكونوا عنصرا فاعلا في التغيير والتأقلم مع الأوضاع الجديدة. صحيح أنّه من الضروري أن تحافظ الإدارة على دورها كحامية للمصلحة العامّة ولجملة من المبادئ التي تقوم عليها الدولة، ولكن يجب أيضا أن تكون محرّكا للتغيير. لذلك عملت أثناء مهامي على رأس المدرسة الوطنية للإدارة على تطوير التكوين بإدخال مواد جديدة، كما عملت على تدعيم المهارات فيما يتعلّق بالقيادة النسائية، فلو نظرنا إلى نسبة النساء اللواتي ينجحن في مناظرة الدخول إلى المرحلة العليا في المدرسة الوطنية للإدارة، لوجدنا أنّها تتجاوز 50 % وتبلغ أحيانا 70 %. ولكن هذه النسبة تتقلّص بشكل كبير عندما يتعلّق الأمر بالنساء اللواتي يدخلن بعد ذلك معترك الحياة المهنية الإدارية لتتراوح ما بين 20 % و25 %. ويفسّر ذلك بعديد العوامل منها قلّة التكوين ونقص في تطوير المهارات الذاتية وضعف الثقة في النفس. لذلك قمت بإدراج تكوين بين السنة الأولى والسنة الثانية لتدعيم القدرات في مجال القيادة النسائية. اشتغلت أيضا على تنشئة الإطارات على روح العمل الجماعي صلب الإدارة، لأنّني مقتنعة بضرورة أن يتعلّموا كيف يعملون معا وأن تكون لهم نفس الأهداف لتتكامل جهودهم في تحقيقها. اشتغلنا على هذه المسألة منذ سنتين وإلى تاريخ تعييني وزيرة. وأعتبر أنّنا نجحنا في خلق لحمة بين المتعلّمين وفي تدريبهم على كيفية العمل مع بعضهم البعض، حتّى لا يكون بينهم تنافــس ويدركــــوا أن لا أحد يستطيع النجاح لوحده وإنّما يكون ذلك في كنف فريق. وأرجو أن يتواصل التكوين على هذا النهج في المدرسة الوطنية للإدارة.
هل كنت تودّين البقاء أكثر لتواصلي مشروعك على رأس المدرسة الوطنية للإدارة؟
في الحقيقة نعم. كانت هناك العديد من المشاريع التي شرعت فيها وودت أن أكملها ومنها مشروع وضع منصّة وطنية للتعليم عن بعد e-learning لفائدة الإدارة حتى تستطيع تحقيق النقلة النوعية في تطوير كفاءاتها لأننا لم نعد نستطيع أن نواصل العمل بنفس منظومة التكوين السابقة. كما قمت بإرساء المجلس التوجيهي للمدرسة الذي لم يكن مُفعّلا وعيّنت أعضاءه، دائما في إطار التوجّه. وإن شاء الله سيتواصل هذا الجهد من بعدي.
كيف تمّ اقتراحك لمنصب وزيرة المرأة؟
بداية، يجب أن أوضّح أنّه لم يقترحني أيّ حزب لأنّه ليس لديّ أيّ انتماء حزبي أو سياسي، وإنّما اقترحني رئيس الحكومة الذي كنت أعرفه عندما كان وزيرا للسياحة ثم وزيرا للمالية، حيث كنت لا أزال وقتئذ أشغل خطّة مستشار قانوني وتشريعي للحكومة. طلب السيد إلياس الفخفاخ لقائي وتحدّثنا في العديد من المواضيع تتعلّق بالشأن العام وشعرت أنّه كان مصرّا على أن أكون ضمن تشكيلته الحكومية. شرح لي رؤيته للعمل الحكومي وسألني عن رؤيتي. وكان هناك تجاوب كبير بيننا، ثمّ اقترح عليّ المنصب فقبلته.
ألم تخافي من قبول هذا المنصب وأنت تعلمين أنّ هذه الحكومة ليس لها حزام سياسي قويّ وأنّ البعض سيعمل على تعطيل تمرير القوانين، خاصّة وأنّها لا تمتلك أغلبية مريحة في البرلمان؟
هناك أمران شجّعاني على قبول هذه المهمّة. أوّلهما ما عاينته لدى رئيس الحكومة من حماس كبير جعلني أحسّ بالمسؤولية لأنّ هناك وعيا مشتركا اليوم بأنّه لم يعد لدينا أيّ خيار سوى النجاح، ومن لديه القدرة على البذل والعطاء لفائدة تونس فلا بد أن لا يبخل عليها بذلك وهذا ليس منّة. كما يجب عاينا أن لا نخاف من الفشل، لأنّنا إذا خفنا خسرنا. وبالتالي، لم أشعر بالخوف وإنّما بثقل المسؤولية. ولكن عندما تحدثّت مع السيد إلياس الفخفاخ، أحسست بالثقة والأمان لأنّني رأيت فيه الشخص الذي يتحمّل المسؤولية وعنده استعداد للذّهاب إلى نهاية المطاف لتحقيق أهدافه. لقد وصلت البلاد اليوم إلى مرحلة اللاعودة ولا يمكن للطبقة السياسية مواصلة ارتكاب الأخطاء. يجب أن نبني على ما تمّ إنجازه ونحقّق النجاح. وأنا متأكدة من أنّ كلّ المجموعة الحكومية لديها هذا الوعي. الأمر الثاني الذي شجّعني على قبول المنصب هو الرغبة في الإصلاح، وخاصّة الإصلاح الهيكلي للدولة أي الوزارات ومهامها، لأنّنا بقينا نشتغل في الإدارة بشكلها السابق أي قبل التحديات الجديدة التي فرضها دستور 2014.
لماذا وزارة المرأة؟
لقد خيّرني رئيس الحكومة بين عدّة وزارات منها وزارات سيادية غير أنّي اخترت وزارة المرأة لأنّني مقتنعة بأنّه يجب اعتبارها وزارة سيادة، حتّى وإن كانت لا تُصنّف كذلك دوليا، بما أنّ وزارات السيادة مرتبطة بمفهوم الأمن القومي. أنا اعتبرها وزارة سيادة لأنّها تبني للمستقبل. ومشروعي بالنسبة إلى هذه الوزارة هو إعادة هيكلتها، خاصّة وأنّ قـطاع الطفولة والمرأة والأسرة أصبح تتهدّده مخاطر حقيقيـــــة. فإذا ما نظرنا إلى قطاع الطفولة، نجد أنّ الطفل مهدّد اليوم في مستوى التكوين النفسي داخل العائلة، فعندما تعيش الأم تحت الضغط النفسي المستمرّ، سينتقل ذلك حتما إلى أطفالها. وعندما تترك الأمّ ابنها كلّ الوقت أمام التلفزيون ينجرّ عن ذلك مرض التوحّد، حيث أنّ هذه الظاهرة بصدد التفاقم ليصبح الأولاد المتوحّدون عبئا على الدولة ومسؤولية إضافية على عاتقها لحمايتهم والحدّ من هذا المشكل. فأيّ جيل سيكبر غدا وسيبني الدولة إذا لم نفكّر فيه حاليا؟ هناك أيضا خطر المخدّرات التي انتشرت بشكل كبير ودخلت الوسط المدرسي، حيث تضاعفت نسبة المتعاطين من التلاميذ ثلاث مرّات بعد الثورة. لا يمكننا أن نتساهل مع هذه الظواهر التي تهدّد مستقبلنا وأمننا. وكنت فسّرت للسيد رئيس الحكومة عند لقائي به أنّ هذه المسائل ترتقي إلى مسائل تمسّ من الأمن القومي. ولا يجب أن ننسى ملفّ كبار السنّ الذين نحصر الاهتمام بهم في خلق دور رعاية لاحتضانهم، في حين يجب اعتبارهم كفاءات لابد من الاستفادة منها كي تتمّ عملية نقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة. وفي هذا المجال، يمكننا الاستئناس بالتجارب المقارنة التي تمّت فيها إعادة إدماج المسنين في الدورة الاقتصادية وتكوين حلقات تفكير يشاركون فيها ويطرحون فيها خبراتهم ورؤاهم. لقد طرحت هذه الرؤية على رئيس الحكومة ووجدت منه تفاعلا كبيرا وإيمانا بنفس المبادئ وذلك ما شجّعني على قبول المنصب.
كنت في معزل، إلى حدّ ما في الوظائف المختلفة التي مررت بها كمستشار قانوني وتشريعي للحكومة ثمّ كمديرة للمدرسة الوطنية للإدارة، عن التجاذبات السياسية، أمّا اليوم فأنت في قلب العمل السياسي، وقد يؤثّر ذلك في عملك واختياراتك، ألا يخيفك ذلك؟
أنا واعية بذلك وأعرف أنّ طبيعة العمل ستختلف، ولكنّني أعرف أيضا، وهذا ما لاحظته في تجارب لوزراء مستقلّين سابقين، أنّه مادام الشخص صادقا في عمله ويُسخّر نفسه لخدمة المصلحة العليا للبلاد وليس للمصالح الشخصية أو الحزبية، فلا يمكن للآخرين إلاّ أن يساندوه حتّى لو لم يقم بتطبيق توجّهاتهم. أرجو أن يوفّقنا الله ولديّ ثقـة في رصانة الطبقـة السياسية وشعورها بالمسؤولية.
سيّدتي، وأنت قد اشتغلت كثيرا على التكافؤ في الفرص ومأسسة النوع الاجتماعي، كيف ترين ضعف تمثيلية المرأة في هذه الحكومة من وجود أربع نساء وزيرات وكاتبتي دولة فقط؟
رغم التقدّم الذي حقّقته تونس على المستوى التشريعي، تبقى مساهمة المرأة في الشأن العام والحياة السياسية ضعيفة، حيث نلاحظ اليوم تراجع نسبة النساء في التركيبة الحالية لمجلس نواب الشعب مقارنة بتركيبة المجلس السابق. لذلك أعتبر أن هناك الكثير من العمل الذي ينتظرنا فيما يتعلّق بحضور المرأة داخل هياكل القرار في القطاع العمومي والقطاع الخاص وكذلك في الشأن السياسي. وكان رئيس الحكومة قد أشار إلى هذه المسألة في خطابه، مؤكّدا أنّ المشكل موجود على مستوى الأحزاب. والجدير بالذكر أنّ النساء اللواتي دخلن الحكومة تمّ اقتراحهن من قبل الفخفاخ نفسه وليس من الأحزاب التي لم تُقدّم كفاءات نسائية. شخصيا، لديّ اقتناع بأنّ المرأة تستثمر فيما تقوم به أكثر من الرجل وهذا مثبت علميا. كما أنّ المؤسّسات أو الإدارات التي تمسكها النساء هي الأقلّ فسادا وهذا على المستوى العالمي، وفي تونس أيضا، حسبما أعلنت عنه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. كلّ هذه العوامل يجب أن تساعد المرأة على الحصول ما تستحقّه من حقوق.
مالذي يجب فعله حسب رأيك لتحسين هذا الوضع؟
صحيح أنّ تطور الجانب التشريعي في مجال التناصف وتكافؤ الفرص في المجال السياسي مهمّ لتحسين تمثيلية المرأة في مواقع القرار ولكنّه ليس كافيا، لذلك يجب أن ينضاف إليه عمل كبير على مستوى تحسين الوعي عند المرأة والرجل. وهذا يبدأ منذ الطفولة، لأنّ الوعي ينبني منذ الروضة ومن طريقة تربية الولد والبنت داخل الأسرة. وهنا أضرب مثالا بسيطا: عندما يتمّ تعيين امرأة على رأس وزارة أو مؤسّسة عليا في الدولة، يقول لها الجميع: كان الله في عونك، كيف ستوفّقين بين مهامك في البيت وفي العمل؟ في حين عندما يحصل ذلك مع رجل، يستبشر الجميع ولا يطرحون هذا السؤال. وهذا عشته، حيث كنت دائما أسأل: ماذا ستفعلين للعناية ببناتك الثلاث؟ بالتالي، هناك عمل كبير يجب أن يتمّ على مستوى العقليات ويجب أن تكون عند النساء اقتناع بكفاءتهنّ ولا يخفن من الوصول إلى مواقع القرار. وأمثلة النجاح عديدة في هذا المجال.
هل سيتمّ الاشتغال صلب الوزارة على هذه المسالة؟
دعم تمثيلية المرأة في مراكز القرار هي مسألة سنشتغل عليها ورؤيتنا ستسند إلى التكامل بين الملفّات التي ترجع بالنظر إلى وزارة والتي لا يمكن الفصل بينها وهي المرأة والطفولة والأسرة والمسنين. فمثلا سنشتغل على هذه المسألة في مستوى الطفولة، فيما يخصّ التنشئة، وكذلك على مستوى كبار السنّ، حيث لدينا الكثير من الكفاءات النسائية التي يجب أن نستفيد منها في مجهودنا في مجال التحسيس والتوعية والتكوين الذي هو مهمّ جدّا لتطوير قدرات النساء. سنعمل أيضا على هذا الملف في مستوى الأسرة، حيث يجب أن تتمّ مساندة المرأة داخل أسرتها كي تنجح، لأنّ في نجاحها نجاح لكامل العائلة وللرجل أيضا. وهنا أغتنم الفرصة لأحيّي زوجي الذي كان دائما سندا لي وهو يساهم بذلك في إعطاء المثال لبناتنا. وأشكر أيضا والدي رحمه الله الذي كان يؤمن بقدراتي ويدفعني نحو الأفضل ويقول لي دائما: «أنا متأكّد من أنّني سأراك في أعلى المراتب». بالتالي، فأنا أعتبر أنّ ملفّ تمثيلية المرأة في مراكز القرار ملفّ شامل ويجب أن يكون العمل عليه داخليا على مستوى مختلف الإدارات، داخل وزارة المرأة وخارجيا على مستوى مختلف الوزارت مثل التربية والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية والصحة وغيرها من الوزارات الأخرى.
على المستوى الشخصي، كيف تقبّلت عائلتك تعيينك على رأس وزارة المرأة؟
زوجي الذي درس معي في المدرسة الوطنية للإدارة، كان دائما ولا يزال يدعمني ويقول لي إنّك تستحقّين المنصب الذي تحصّلت عليه ولك الرؤية المناسبة لذلك وأنت قادرة على تحمّل المسؤولية. وعندما كنت أشغل خطة مستشار قانوني وتشريعي للحكومة وهي مهمّة فيها الكثير من الضغط النفسي، كان متفهّما وكان يعينني كثيرا في تربية البنات. كان دائما يمثّل سندا بالنسبة إليّ. وأنا كنت دائما كذلك بالنسبة إليه. وفي الأخير، الرابحات في كلّ هذا هنّ بناتي لأنّنا نعطيهنّ مثالا جيّدا للتعاون داخل الأسرة وأنّه عندما ينجح أحد منّا فهو نجاح للجميع.
وبناتك كيف تقبّلن هذا المنصب الجديد؟
بناتي تعوّدن على أن يأخذني شغلي منهنّ ولكنّ وقتي خارج العمل، أحاول أن أكرّسه لهنّ. أتذكّر أن ابنتي الكبرى قالت لي ذات يوم عندما توليت مهامي على رأس المدرسة الوطنية للإدارة: «أمي، أخيرا سيقلّ ضغط الشغل بالنسبة إليك وستعودين باكرا إلى البيت». ولكنّي بقيت أعود متأخّرة. فقالت لي: «أظنّ أنّ المشكل ليس في الوظيفة التي تشغلينها، وإنّما فيك أنت، لأنّك تعشقين العمل». بالتالي، فهي لا تتوقع أن يتغيّر الوضع كثيرا هذه المرّة. ولكنّها سعيدة بأن تراني في هذا المنصب وكذلك بقيّة بناتي. وهنّ يقلن لي: نحن فخورات بك وأنا أجيبهن: «أتمنّى غدا أن أكون أنا أيضا فخورة بكنّ عندما تصبحن رئيسات حكومة». مهمّ جدّا أن يتمّ تمرير هذه الفكرة إلى الأجيال القادمة.
هل تظنّين أنّنا نذهب في اتجاه تغيير العقليات؟
أعتقد أنّنا نذهب نحو ذلك.
هل يمكن أن نرى قريبا امرأة رئيسة حكومة؟
أتصور أنّ ذلك سيحصل قريبا وسنرى أيضا امرأة رئيسة دولة. فعندنا كفاءات نسائية عديدة قادرات على تحمّل المسؤولية. وكما رأينا اليوم، فقد أصبح في تونس امراة على رأس وزارة العدل. وهذا حاجز كسرناه ومكسب للمرأة التونسية. ونتمنّى أن نرى عن قريب وزيرة للخارجية ووزيرة للداخلية ورئيسة حكومة . لقد نجحنا أن نكسر السقف الزجاجي الذي كان على مستوى قيادة النساء لوزارات السيادة وهذا يُحسب لهذه الحكومة وأتمنّى أن يتواصل ذلك في الحكومات القادمة.
نأتي الآن إلى الملفّات الساخنة ومنها ملفّ رياض الأطفال وهو قطاع مهمّش وغير مهيكل ويتداخل فيه الطابع الإيديولوجي، خاصّة فيما يخصّ رياض الأطفال القرآنية. اليوم هناك كرّاس شروط جديد منظم للقطاع تمّ إرجاعه من البرلمان إلى الحكومة نتيجة التجاذب الإيديولوجي، فكيف ستواجهين هذه المشكلة؟
بطبيعة الحال، سيكون قطاع الطفولة من أولويات الوزارة وأنا أعتقد أنّه من التعسّف القول إنّ قطاع رياض الأطفال غير مهيكل، فهناك كرّاس شروط ينظّم هذا القطاع. ولكن صحيح أنّ هناك تجاوزات تستوجب أكثر حزم للتصدي لها. وقد تمّت مواجهة البعض منها ولكن يجب مواصلة العمل. وغايتنا هي المصلحة الفضلى للطفل وهو مبدأ موجود في القوانين وكذلك في الدستور. نحن لن ننطلق من الصفر وكما قلت سابقا، هو قطاع مهيكل ولكن فيه نقائص. كما أنّ الواقع الذي فرضته الثورة وضعنا أمام تحديات جديدة، وحصل تسيّب وعدم متابعة في بعض الوضعيات. ولكن كيف سنتصدّى لها ونحن لنا رؤى مختلفة حول المسألة، وخاصّة فيما يتعلّق برياض الأطفال القرآنية؟ الحلّ بالنسبة إليّ يكمن في العودة إلى القانون، فقد تختلف الرؤى ولكن ما يجمعنا هو الدستور وهو أعلى نصّ يحكم الدولة التونسية. الدستور يؤكّد على هويّتنا العربية الإسلامية ولكنّه في الوقت نفسه، يشدّد على أنّها هوية منفتحة ومعتدلة وضدّ التشدّد. كما يؤكّد أيضا على مدنية الدولة وعلى علوية القانون. وبالتالي، فكلّ من يخالف القانون يجب ردعه. وهذا يستوجب منّا كإدارة، عملا كبيرا على مستوى الرقابة والمساءلة والمحاسبة والردع، وكذلك على مستوى تحسين مستوى تكوين إطارات الطفولة وهيكلة المؤسّسات في هذا القطاع. أعتقد أنّنا إذا تمسّكنا بهذه المبادئ، لا يمكن لأحد أن يختلف معنا. وإذا فعل فهو يختلف مع مبدأ دستوري وهو علوية القانون.
ولكن، كما تعلمين، جدّت حوادث كانت فيها الطفولة مهدّدة وذلك باسم الدين، مثلما حصل في حادثة مدرسة الرقاب. ورأينا ممثّلين عن بعض الأحزاب وحتّى نواب في البرلمان يدافعون عن وجود هذه المدرسة ما شابهها..ولكنّ الدولة تحرّكت وأغلقت مدرسة الرقاب ومدارس أخرى مثلها، بصرف النظر عمّا قيل.
ولكن حصل نقاش قسّم المجتمع التونسي؟
أعتبر أنّه من الجيّد أن يحصل نقاش و يجب ألاّ نخاف من ذلك. فنحن نعيش اليوم في ظلّ الديمقراطية وتلك أصولها. ولكن لا يجب أن يكون النقاش في قطيعة مع المصلحة العليا للدولة وعلوية القانون. ومن لا يحترم القانون يجب أن يتمّ التصدّي له. من المؤكّد أنّ النقاش سيتواصل ولكنّنا نريده أن يتمّ في أطر مؤسّساتية كالبرلمان، لأنّه يصبح مخيفا عندما ينزل إلى الشارع.
وكيف ستمرّرون مشروع كراس الشروط الجديد المنظّم لقطاع رياض الأطفال في البرلمان في ظلّ انقسام المجلس حول مسألة رياض الأطفال القرآنية؟
قبل أن يمرّ كرّاس الشروط للتصويت، هناك عمل يقوم على الإقناع وسيتمّ من خلاله تناول محتواه نقطة نقطة. كرّاس الشروط هو عبارة عن عمل تشريعي يحمل رؤية الدولة. سنجلس مع الكلّ ونستمع إلى التوجّهات المختلفة ونناقش الملفّ بكلّ انفتاح وأريحية. هدفنا في الأخير هو عدم التعارض مع الدستور. وعندما نتّفق على الرؤية، يمكن أن تمرّ النصوص.
ملفّ آخر ساخن سيواجهكم وهي قضية العنف ضدّ المرأة وقد تمّ تسجيل 40 ألف حالة عنف ضدّ النساء منذ دخول قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة حيّز النفاذ في فيفري 2018. ما هو برنامجكم في هذا المجال؟
العنف أصبح ظاهرة مجتمعية في تونس ولا يمسّ المرأة فقط، فالأسرة برمّتها تعاني من العنف: الطفل مسلّط عليه العنف وكذلك المسنّ وأيضا المرأة داخل الأسرة وخارجها، في الشارع وفي العمـــل. ولابدّ أن لا ننسى العنف السياسي في حدّ ذاته الذي تعيشه النساء، وبالتالي، فإنّ هذه الظاهرة يجب معالجتها في إطار شامل وهي تُمثّل تحدّيا كبيرا أمام الحكومة الجديدة. وشخصيا، أعتبر أنّ التصدّي للعنف داخل المجتمع بكل مكوّناته هو من المسائل المتعلّقة بالأمن القومي. لذلك، سنشتغل على هذا الملف بطريقة شمولية بين جميع الوزارات. فيما يتعلّق بالعنف المسلّط على المرأة، صدر مؤخّرا الأمر الحكومي لإحداث المرصد الوطني لمناهضة العنف ضدّ المرأة، وسنقوم سريعا بإرسائه وتعيين من يديره. وسنضع على ذمّته كلّ الإمكانيات للقيام بعمله، حيث سيكون له دور فيما يتعلّق بالدراسات والندوات والتكوين والإحاطة، خاصة عن طريق مراكز الاستماع والإيواء التي أنشئت وعددها ثمانية في كامل تراب الجمهورية. وهنا أودّ التأكيد على الطابع التشاركي بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، سواء الحكومية وغير الحكومية لمعالجة الظاهرة. المجتمع المدني هو سند كبير للدولة. نريد أن نقضي على هذه الظاهرة من جذورها وذلك بالعمل على التثقيف والتوعية. وهنا يأتي دور الإعلام. نحن واعون بأنّ تغيير العقليات يحتاج لبعض الوقت وأنّنا لن نرى نتائج ذلك في الوقت الحالي. ولكن يجب العمل على ذلك الآن. ومن المؤكّد أننا سنشتغل كفريق حكومي متكامل ونعوّل كثيرا على مساندة المجتمع المدني من الداخل والخارج..
مـــســـيـرة بــاهـــرة
تنتمي أسماء السحيري العبيدي المولودة سنة 1972 بمكثر من ولاية سليانة إلى عائلة تتألّف من ثلاثة أشقّاء يكبرونها سنّا ومن شقيقة هي الصغرى.
زاولت تعليمها الابتدائي والثانوي بتفوّق في مسقط رأسها، قبل أن تلتحق بكلية العلوم السياسية والقانونية والاجتماعية بتونس، ثمّ بالمدرسة الوطنية للإدارة لإتمام المرحلة الثالثة من التعليم العالي.
منذ طفولتها، تأثّرت كثيرا بشخصية والدها وهو إطار من إطارات الطفولة زرع فيها حبّ الوطن والإخلاص في العمل.
تعتبر أسماء السحيري العبيدي والدها العامل الأوّل في نجاحها في مسيرتها، إذ كان دوما يشجّعها على العمل والمثابرة، مؤكّدا لها قدرتها على بلوغ أعلى المراتب. كان يريدها أن تصبح قاضية وكان ذلك حلمها هي أيضا. ولكن منعتها الأقدار في سنة تخرّجها في 1997 من الدخول إلى المعهد الأعلى للقضاء بيد أنّها نجحت في مناظرة الدخول إلى المدرسة الوطنية للإدارة. فكان ذلك منعطفا حاسما في مسيرتها. وبعد ثلاث سنوات من الدراسة، تمّ تعيينها في مصالح المستشار القانوني والتشريعي للحكومة في الوزارة الأولى لتتدرّج في السلّم الوظيفي وتترأّس هذه المصالح فتصبح أوّل إمراة تشغل هذه الخطّة في سنة 2012.
وفي 2018، أصبحت أوّل إمرأة على رأس المدرسة الوطنية للإدارة. وهي عضو أيضا بمجلس النظراء للمساواة وتكافؤ الفرص وعضو باللجنة القانونية لإعداد الاستراتيجية الوطنية لمأسسة النوع الاجتماعي.
جاء اقتراح انضمامها إلى الفريق الحكومي في منصب وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ مباشرة من رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ الذي لمست فيه روح المسؤولية والتفاني في خدمة الوطن، ممّا جعلها تقبل المنصب وهي تدرك تماما حساسيته، خاصّة وأنّ أمام الوزارة اليوم ملفّات حارقة كحماية الطفولة من المخاطر التي تتهدّدها وإصدار كراس الشروط الجديد المنظّم لقطاع رياض الأطفال ومقاومة كلّ أشكال العنف المسلّط على المرأة. ولكنّها تحمل رؤية لحلّ هذه القضايا وغيرها، معتمدة على احترام مبادئ الدستور وعلوية القانون.
ولا تخفي أسماء السحيري العبيدي أنّها حظيت دوما في مختلف الخطط التي تولّتها بمساندة عائلتها وخاصّة زوجها الذي كان زميلها في المدرسة الوطنية للإدارة وبناتها الثلاث اللاتي يبلغن من العمر10 و15 و17 سنة، وهي تعتبر ذلك مكسبا مهمّا، لأنّها تؤمن بأهميّة التضامن داخل الأسرة الواحدة وتعتقد أنّ نجاح المرأة هو نجاح للعائلة بأكملها، وتلك رؤية تريد العمل على ترسيخها في إطار عملها في الوزارة.
أجرت الحوار حنان زبيس
قراءة المزيد:
كــفــاءات نــسـائــيـة فـي حكومة الفخـفـاخ
ثريّا الجريبي الخمـيري وزيرة العـدل: ضمـان استـقـلالـية القضاء أولى أولوياتي
- اكتب تعليق
- تعليق