فرح شندول: تـونس علـى وقـع المأسـاة اللّيبـيّة
تخوّفات تتمازج السياقات الميدانية والأمنية والسياسية والإعلامية هذه الأيام لتجعل من ليبيا وأوضاعها الداخلية منبرا مفتوحا على الفضاء العام التونسي سواء بالتحليل والنقاش أو بوضع خطط التدخّل والتحرّك.
وينبع هذا الاهتمام المتزايد من الفضاء العام التونسي بالشأن الليبي من عدّة عوامل أبرزها تخوّف قد يبدو مبالغا فيه من هزّات ارتدادية قوية لما يحدث هناك تطال أراضينا يتخلّله استحضار لما حدث سنة 2011 حين كانت بلادنا المنشغلة آنذاك بثورتها الوليدة حاضنة لمئات الآلاف من الفارّين من أتون صراع الراحل معمر القذافي ومناوئيه.
تبقى مشـروعة لكنّ الوقائع المسجّلة وخــــاصة التحرّكات المتسارعة بين عـــواصم جنوب أوروبا والمنطقة تؤشر إلى تهدئة مرتقبة وإنهاء للصراع بالطرق السلمية انطلاقا من أنّ التصعيد لن يكون في صالح أحد وأنّ ارتداداته ستكون وخيمة على كامل المنطقة المتوسطية خاصّة في ملفّي الهجرة السرية والإرهاب.
وفي ربوع جنوبنا التونسي تنضمّ إلى سلسلة الأسباب حلقة القرب الجغرافي وعلاقات الجوار والقرابة العائلية مع الأشقاء الليبيين، بالإضافة إلى حركة التبادل والأنشطة التجارية الدؤوبة على جانبي الحدود.
ومن المفارقات أن تكون فصول المشهد الليبي بواقعه وآفاقه في آخر ترتيب اهتمامات الشارع في مدن الجنوب التونسي وقراه ربّما لدراية أهل هذه الربوع بالواقع الفعلي للأشقاء الليبيين وبلدهم ولطبيعة هذا الشعب الشقيق الميّال أكثر إلى الهدوء ورفضه الانخراط في أعمال عنف أو حرب قد تهدّد أمنه وسلامة جيرانه، تجاهل لا يخفي تخوّفا من مآلات الوضع هناك خاصة في ظلّ التدخّّلات الخارجية.
وقد رصدت «ليدرز العربية» آراء الشارع في مدينة تطاوين وتحدّث أغلب المواطنين عن تخوّفهم من نتائج التدخلات الخارجية في ليبيا ووصفوها بأنّها ترجمة لأطماع الخارج في ثروات ليبيا ومقدّراتها وطالب عدد منهم تونس بالتخلّي عمّا وصفوه بالحياد السلبي واتخاذ موقف ضمن أحد محوري النزاع في ليبيا لأنّ الوضع العالمي يفرض اليوم التخندق والتحالف ضمن محاور كبرى.
وشدّد من تحدثنا إليهم على أنّ الحلّ في ليبيا لا يمكن أن يكون إلّا ليبيا بحتا ولم يخفوا تخوّفاتهم من الارتدادات السلبية لأيّ تصعيد ميداني للأوضاع في ليبيا على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية سواء عبر انتقال النزاع إلى الشريط التونسي المتاخم للحدود أو عبر توافد اللاجئين بأعداد وافرة على البلاد، كما كان الحال سنة 2011.
حركة عبور مستقرّة
من خلال اتصالات «ليدرز العربية» تأكّدنا أنّه ، إلى حدّ كتابة هذه السطور، لم تؤثّر الأحداث في ليبيا على نسق الحركة بالمعبرين الحدوديين في ذهيبة ورأس جدير، ممّا لا يستدعي إلى حدّ الآن تفعيل خطّة الطوارئ الموضوعة منذ فترة تحسّبا لتوافد مهاجرين أوطالبي لجوء أو فارين من النزاع من ليبيين وغيرهم نحو تونس. وقـــد أُعلنت خطّة الطوارئ من قبل جهات تونسية ودوليّة منذ نحو ثلاث سنوات إبّان اندلاع النزاع الداخلي في ليبيا.
ووفقا لإحصائيات حصلنا عليها فإنّ المعبر الحدودي براس جدير القريب من مناطق النزاع في ليبيا شهد يوم الثلاثاء 7 جانفي 2020 توافد ما بين 650 و700 سيارة ليبية دخلت تونس بغرض السياحة أو العلاج وهو تقريبا نفس العدد المسجّل في هذا التاريخ خلال السنوات الثلاث الماضية وسجّل هذا المعبر في نفس التاريخ حركة مغادرة نحو ليبيا بنفس الحجم مقارنة بالسنوات الماضية.
والملاحظ وفقا لنفس الإحصائيات أنّ كلّ الوافدين على تونس من الليبيين خلال هذه الفترة يعودون إلى بلادهم في ظرف 48 ساعة إلى أسبوع، ما يعني أنّهم يقضون شؤونهم في تونس سواء أكانت طبية أو سياحية أو لأي غرض آخر في فترات محدّدة ويقفلون راجعين إلى وطنهم.
استعدادات
هذه المعطيات لم تمنع بعض الجهات سواء منها الحكومية أو الجمعياتية من اتخاذ إجراءات وقائية لما قد ينجرّ عن الصراع في ليبيا من انعكاسات تمسّ أمن التراب التونسي حيث عزّزت الوحدات الأمنية والعسكرية التونسية انتشارها على كامل الشريط الحدودي وقرب المعابر وكثّفت دورياتها هناك وفق ما أعلنته وزارتا الداخلية والدفاع.
كما عقدت الجهات الإدارية المختصّة في ولايتي مدنين وتطاوين عدّة لقاءات للنظر في الخطوات الواجب اتخاذها لمجابهة انعكاسات الأوضاع في ليبيا على المنطقة وتمّ الاتفاق بين الولايتين وبالتعأون مع الهلال الأحمر التونسي على تخصيص موقع في منطقة الفطناسية من ولاية تطاوين لتركيز مخيّم لاستقبال اللاجئين في صورة توافدهم من القطر الليبي.
وقد استبعد السيد منجي سليم رئيس اللجنة الجهوية للهلال الأحمر بولاية مدنين إمكانية تدفّق لاجئين من ليبيا جرّاء النزاع هناك، مشدّدا في الوقت نفسه في تصريح «لليدرز العربية» على أنّ الهلال الأحمر وبقيّة الجمعيات المهتمّة بالشأن الإنساني سواء منها الوطنية أو الأجنبية تتعاون في ما بينها ومع الجهات الإدارية للتعاطي مع أيّةتداعيات إنسانية للأوضاع في ليبيا.
تحذيرات
ومن الجهات المهتمّة بالأوضاع في ليبيا وانعكاساتها الإنسانية المرصد التونسي لحقوق الإنسان الذي أصدر بيانا حذّر فيه من الارتدادات الإنسانية للوضع في ليبيا وطالب الدولة التونسية بحماية التونسيين داخل ليبيا وخاصّة منهم الموجودين في السجون الليبية. وقال رئيس المرصد مصطفي عبد الكبير في اتصال مع «ليدرز العربية» إنّ المرصد يحمّل الدولة التونسية مسؤولية حماية من سمّاهم بالفئات الهشّة والمعرّضة أكثر من غيرها للعنف أثناء النزاعات وهم المساجين التونسيون في ليبيا من تبعات أيّ تطوّر خطير للأوضاع هناك.
وقال عبد الكبير إنّ نحو 20 ألف تونسي يعيشون الآن في ليبيا ويعملون هناك مقابل نحو 300 ألف قبل سنة 2011، مشيرا إلى وجود أكثر من مائة تونسي في السجون الليبية بين موقوفين ومحكومين في قضايا حق عام ونحو 39 طفلا من أبناء مسجونين في تهم تتّصل بالإرهاب ونحو 21 امرأة تونسية مسجونات بتهم تتعلّق بالإرهاب.
وأكّد بيان المرصد التونسي لحقوق الإنسان أنّ الدولة التونسية مطالبة بالحرص على سلامة مواطنيها المسجونين في ليبيا باعتبارهم فئات مستهدفة أثناء الانفلاتات الأمنية.
المأساة الليبية حاضرة بقوّة في أذهان أهالي الجنوب بحكم صلات القربى وتشابك المصالح الاقتصادية ..شعورهم مزيج من التوّجس والأمل.. توجّس من وقوع المحظور باشتعال نار الحرب في طرابلس وفي سائر أرجاء الغرب الليبي القريب من الحدود التونسية..وأمل في تغلّب منطق التعقّل والحكمة في نهاية الأمر على منطق القوّة والاحتراب في نزاع محتدم أخذ طابعا إقليميا وحتّى دوليّا بتنامي التدخّلات الخارجية فيه وتدخّلات تحرّكها أجندات جيواستراتيجية ومطامع اقتصادية مدارها ثروات ليبيا البترولية والغازية الضخمة لهذا البلد والتي تقدّر بمئات المليارات من الدولارات، فضلا عن التموقع في شرق البحر الابيض المتوسط بعد اكتشاف حقول الغاز فيه بكميات هائلة..
ف.ش.
- اكتب تعليق
- تعليق