أخبار - 2019.12.21

«كـفـى… لم نعـد نحتمل» إنّها المـوجة الثانية مـن »ثـورات الربـيـع العـربي«

«كـفـى… لم نعـد نحتمل» إنّها المـوجة الثانية مـن »ثـورات الربـيـع العـربي«

لعلّني لا أخطئ إن قلت إنّ سنة 2019 التي سنودّعها بعد أيام معدودة، كانت، بامتياز، سنة الموجة الثانية من »ثورات« الربيع العربي، فهي، على غرار سنة 2011 التي تعاقبت فيها »ثورات« تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، شهدت، على التوالي، «ثورات» أو حــــــركات احتجاج ثورية في كلّ من السودان (ديسمبر 2018/ أفريل 2019) والجزائر (فيفري 2019/ ...) ولبنان والعراق (أكتوبر 2019/...).

بالرّغم ممّا آلت إليه «ثورات» ليبيا وسوريا واليمن من اضطراب واحتراب دمويّين ومدمّرين ما يزالان متواصلين حتى الآن، وهو ما زرع بعض مشاعر الخوف عند الشعوب العربية من شيء اسمه «الثورة»، فإنّ الموجة الثانية من «الثّورات» ظلّت متوقَّعة بل منتظرة، لأن الدول العربيّة، عموما، تعاني، وإن بدرجات مختلفة ومتفاوتة، من نفس الأزمات المركّبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يبدو أنّها مستعصية على العلاج إلاّ بحراكات شعبية حاشدة... ولعلّ ما ينبغي الانتباه والتنبيه إليه، في هذه المرحلة، هو أنّ هذه الموجة الثانية من «ثورات» الربيع العربي تختلف في بعض خصائصها عن «ثورات» الموجة الأولى التي هبّت رياحها على خمس دول وتراوحت مآلاتها بين نشوب حروب أهلية في ثلاث منها، وبين الارتداد في إحداها، وبين العجز عن تحقيق التطلّعات في الأخرى...

وفي رأيي فإنّ هذا الاختلاف راجع، أساسا، إلى أنّ «ثورات» الموجة الثانية استخلصت من «ثورات» الموجة الأولى جملة من الدروس والعبر «الثمينة» التي يمكن أن نجملها فيما يلي:

1 - أنّ «ثورات» الموجة الثانية، كما تدلّ على ذلك بعض الشعارات التي رفعتها («يتنحّاو قاع» في الجزائر، و«كنّ يعني كلّن» في لبنان) لا تقنع بالإطاحة برؤوس الأنظمة، وإنّما تريد الإطاحة بكافة مكوّناتها ورموزها، فلقد تعلّمت أن هذه الأنظمة، إن لم تفكّك، تستطيع، بالاعتماد على أجهزة الدولة العميقة وهياكلها، أن تعيد انتاج نفسها ربّما بصورة أسوأ ممّا كانت عليه. ومعنى ذلك أنّها تريد تغييراً جذريا يضمن لها التخلّص من الطبقة السياسية، الحاكمة منها والمعارضة في آن واحد، كما يضمن لها محاكمة الذين نهبوا المال العام واسترداد ما نهبوه.

2 - أنّ هذه «الثورات» حرصت على استبعاد أيّ إيماء إلى الانتماءات الدينية والطائفية أو العرقية والقبلية حتّى تتجنّب الانقسام، وحتّى لا تمنح الأنظمة فرصة لاتّهامها بتهديد الوحدة الوطنية وذريعة لضربها وتشتيت صفوفها.

3 - أنّ هذه الثورات انطلقت سلميّة، وظلّت حريصة كلّ الحرص على الحفاظ على سلميّتها، وعلى تجنب العنف والتخريب حتى تتمكن من استقطاب أكبر قدر من التعاطف الداخلي والخارجي، وحتّى تتفادى الصدام مع السلطات والأجهزة الأمنية، ولا تتيح للأنظمة فرصة استخدام أساليبها القمعية المعهودة ضدّها.

4 - أنّ بعض هذه «الثورات» على غرار «الثورة» في السودان تمكّن من الإطاحة بنظام «إخواني»، وهو ما يشكل اختلافا بيّنا بينها وبين «ثورات» الموجة الأولى التي مهّدت الطريق لصعود ما يسمّى «الإسلام السياسي» إلى سدّة الحكم، وكانت، بشكل من الأشكال، سببا في انتشار الجماعات المتطرّفة والتنظيمات الإرهابية التي عاثت في دول المنطقة فسادا.

5 - أنّ هذه «الثورات» برهنت مرّة أخرى على أنّ نفس الأسباب تؤدي، حتما، إلى نفس النتائج، وهي تؤكّد لنا أنّ ما حدث خلال سنة 2011، وتكرّر خلال سنة 2019، لا يستبعد أن يتجدّد مرّة أخرى، لأنّ استمرار الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية، وتفاقم تداعياتها الاجتماعية المحبطة، وتواصل عجز الطبقات الحاكمة عن إيجاد الحلول الناجعة لها، تظل تشكّل صواعق قابلة للتفجّر والتفجير في أي حين...

ولذلك لا ينبغي أن يذهب في ظنّ البعض أنّ فترة الهدوء النسبي التي امتدّت بين سنتي 2011 و2019 والتي أتاحت للثورات المضادّة أن تستعيد قوّاها خلالها، قد قضت على روح التمرّد عند الشعوب العربية...

ومهما يكن من أمر وبقطع النظر عما تمكّنت «الثورة» في السودان من تحقيقه (اتفاق تقاسم للسلطة بين الحركة الثورية المدنية وبين المجلس العسكري) وعمّا يمكن لـ«ثورات» الجزائر ولبنان والعراق أن تحقّقه مستقبلا، فإنّ الأمر المؤكد أنّ صيرورات هذه «الثورات» ستكون لها انعكاساتها على سيرورة الأحداث في بلادنا. وأنا هنا أريد أن أدقّ جرس إنذار لكلّ من يتوهّم أنّ «الثورة المضادّة» استطاعت أن تجهض «ثورة» الرابع عشر من جانفي 2011 وان تنتصر عليها، وأن تقضي على إرادة التغيير عند الشعب التونسي قد انتهت.
إنّ من يتوهّم ذلك ينبغي أن يسارع الى مراجعة حساباته لأنّ الحراك الثوري الذي تجدّد هذه السنة في عدد من الدول العربية، يؤكّد أنّ إرادة الشعوب قد تسكن ولكنّها لا تستكين، وأنّ «الثورات» قد تحدث على مراحل، وموجات متتابعة...

إنّ الإصلاحات الشكلية والجزئية التي تمّ القيام بها حتّى الآن وعلى امتداد السنوات التسع الماضية لا يمكن أن تعالج القضايا الملحّة التي تعيشها البلاد، وهي أنتجت نظاما هجينا يقوم على ديمقراطية غير حقيقية لأنّها ديمقراطية توافقية ترتكز على أجسام حزبية واهنة متناثرة في السلطة ممّا يجعلها سلطة مهتزّة مشلولة عاجزة عن الحلّ والعقد لأنّها تفتقد إلى الاتزان والتوازن، وتحتاج باستمرار إلى اللجوء إلى تفاهمات فوقية عادة ما تكون على حساب مصالح الشعب...

إنّ تونس، فيما أرى، بحاجة أكيدة وعاجلة إلى الانخراط في مسار إصلاحي فعلي وصادق يمكّن من تحقيق انتقال سياسي واقتصادي عميق وشامل يستجيب لتطلعات الشعب التونسي وانتظاراته، وما لم يحدث ذلك، فإنّنا سنكون على موعد مع مزيد من التوتّرات السياسية والاجتماعية، ومزيد من الاحتجاجات، وربّما مع «حراك ثوري جديد» أخطر من حراك سنة 2011، لأنّ محرّكه الأساسي، هذه المرّة، لن يكون التوق الى الحرية والكرامة، وانّما غريزة حبّ البقاء بالتخلّص من براثن الجوع والفقر والحرمان.

محمد إبراهيم الحصايري

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.