عادل الأحمر: »يـا بـــابــا نــــوّال...اجعلنــي مـن الجهّال«
اليوم طلع لي العياش، بطلعة ما ثماش، قال لي: «نحب نولّي جاهل مع الجهال، ولو كنت في سنّ الطفولة لطلبت ذلك من «بابا نوال»، هدية في عيد ميلاد المسيح، لعلّني من هموم الدنيا أستريح».
أدهشتني «طلعة» صديقي، فقلت له : «أفق يا رفيقي! تحب تولّي جاهل؟! أهذا كلام عاقل ؟»، فأجابني: «نعم، جاهل، أمّي، جهلوت، من يوم أولد إلى يوم أموت، ولا تسأل عن الأسباب، فالمهمّ أن أسكّر ع القراية باب، لأحيا حياة سعيدة، لا فيها كتاب ولا جريدة، حياة بعيدة عن المكتبات، ودور الثقافة والمنتديات، حياة لا صلة لي فيها بالأدباء والمثقفين ولا بالسياسة والسياسيين، حياة لن أهتمّ فيها - بحكم أمّيتي- بالشؤون الخارجة عن أموري المهنية، وشؤوني العائلية والشخصية، حياة لن يعكّر صفوها أيّ مشكل أو قضية، باستثناء بعض الطوارئ الصغيرة العادية : مثل كلّ الناس ضائقات مالية، ومن حين لآخر وعكات صحيّة، أو خصومات عائلية، لا بدّ منها لتفويح الحياة الزوجية».
قلت: «وماذا ستفعل فيما بقي لك من أوقات ؟»، قال : «لن أطلب أكثر من ذلك من تلك الحياة، المهم هو أن تكون أموري عال العال، أنا وزوجتي والعيال، وألاّ يمسّ أحد عاداتي الرسمية، من قهوة وشيشة يومية، إلى مسلسلي السوري ظهرا والتركي في العشية، مرورا بمتابعة ماتشوات الجمعية... وفيما عدا ذلك، ومهما حدث من أمور جسام وتطوّرات فلن يكون لي بها اهتمام، ولا ردّ فعل ولا تعليقات، ولا أحاسيس ولا انفعالات…لن تثور دمائي إزاء مظاهر الظلم ومشاهد الهرج ... لن تتحرّك لي شعرة وأنا ألاحظ العوج ...لن أحزن للجياع العراة، والمرضى الحفاة... لن أتحمّس للمظلومين، والمسحوقين المستضعفين».
قلت: «ولكن كيف يمكن لك أن تكون دون شعور، إزاء ما حولك يدور ؟»، فأجاب: «وهل لي أن أحزن أو أفرح، وأنا في حياتي الجديدة ــ وبحكم أمّيتي ــ لن أطالع مجلة ولا جريدة ؟ ومن أين النرفزة، وأنا لن أشاهد حلقات نقاش في التلفزة؟ إنني بهذه الطريقة لن أكلّف نفسي عذابات المناقشات والتحليل، والتعليق والتأويل، والشجب والتنديد والعويل، بشأن مسائل ليس لها في حياتي كبير تأثير، وأنا المواطن البسيط الجاهل والعبد إلى ربّه الفقير... وهكذا أيضا لن أشعر بالسخط على أحداث من حولي أو في بلاد بعيدة، ولا بالنقمة على أشخاص ليست لي بهم علاقات وطيدة، متجنّبا بالتالي كلّ ما ينتج عن ذلك من تبعات سلبية، بين وجع في الدماغ وارتفاع ضغط وسكّر وغير ذلك - عافاكم الله- من أمراض عصبية ...»
هنا، قاطعت العيّاش قائلا: «إذن، هذه هي الأسباب الحقيقية، التي أغرتك بحلم الجهل والأمّية ؟»، فأجاب معترفا : «نعم ...ولو كان الرجوع إلى الطفولة ممكنا فلن أذهب إلى معهد أو مدرسة، ولن تطأ قدماي جامعة. فالقراية هي التي زرعت فيّ «الستراس»، وركبت لي م الصغرة وجيعة الراس، وهي التي شحنتني بأفكار عقّدتني، وفي الدنيا غلّطتني. كما كبّلتني بقيم لا توكّل خبز ولا تشرّب ماء، وملأتني بتنظيرات تركتني معلّقا بين الأرض والسماء...فما أحلى الرجوع إلى الأمية، لو قبل مني «بابا نوال» تحقيق هذه الأمنية !».
لم أجد على كلام الصديق، أيّ نوع من أنواع التعليق، بل لعلّه أقنعني بفكرته، وسحرني بحلمته، حتّى أنّي قلت له، وأنا أودّعه : «إن ردّ بابا نوال» على طلبك بالإيجاب، فبالله قل لو يقرا لي في العام الجاي حسابي !».
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق