أخبار - 2019.11.11

محجوب الجلاصي: لمحة عن التشريع التونسي الخاص بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين

محجوب الجلاصي: لمحة عن التشريع التونسي الخاص بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين

صادقت تونس منذ سنة 2008 على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد متعهدة بمقتضاها باتخاذ التدابير اللازمة لضمان تنفيذ أحكامها والحدّ من ظاهرة الفساد، وأصبح منذ ذلك التاريخ من المتعين عليها أن تعيد صياغة نصوصها القانونية بما يتلاءم مع هذه الاتفاقية.

وفي هذا الإطار تمّ إصدار القانون الأساسي عدد 10لسنة 2017 المؤرخ في 7 مارس 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين الذي كان من ضمن أهدافه المصرح بها ضمن وثيقة شرح أسبابه وضع مجموعة من الإجراءات التي "تشكل في مجملها منظومة متكاملة تمكّن من ضبط آليات الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه بما يضمن تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة". وقد تضمن هذا القانون ضبط شروط وإجراءات الإبلاغ وتحديد إجراءات حماية المبلغين، إضافة إلى ضبط العقوبات ضدّ كل من يتعمد كشف هوية المبلّغ، وتمّ الاستئناس في مرحلة إعداده بأنظمة قانونية مقارنة على غرار المعمول به في كوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وجنوب افريقيا ورومانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد جاء هذا القانون بالأساس ليشجع الأشخاص على التبليغ عن مظاهر الفساد التي قد يحصل لهم العلم بها دون خشية من كل مظاهر الانتقام التي قد يتعرضون لها، وتتمّ عملية التبليغ لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، على أنه يتعين على الهياكل المكلفة بتنفيذ هذا القانون التقيد بمقتضيات حماية المعطيات الشخصية وفقا للتشريع الجاري به العمل في هذا المجال.

وتختص الهيئة وجوبا بالنظر في الإبلاغ عن حالات الفساد المتعلقة بالصور التالية:

  • إذا كان المبلغ عنه رئيسا للهيكل العمومي المعني.
  • إذا كان المبلغ عنه أحد أعضاء الهيئات الدستورية المستقلة أو المجلس الأعلى للقضاء أو المحكمة الدستورية أو مجلس نواب الشعب أو الجماعات المحلية.
  • إذا كان المبلغ عنه ينتمي إلى القطاع الخاص.

ولها أن تحيل ما خرج عن ذلك إلى الهياكل المعنية دون منع المبلّغ من اللجوء مباشرة للقضاء في كل الحالات.

وقد أوجب المشرع على كل هيكل عمومي خاضع لأحكام هذا القانون، تحديد الهيكل الإداري المختص داخله، بتلقي الإبلاغ عن شبهات الفساد المحالة إليه من قبل الهيئة والبحث فيها.

كما يجب على كل هيكل عمومي خاضع لأحكام هذا القانون أن يوجه إلى الهيئة أرقام الهاتف والفاكس والبريد الإلكتروني الخاص بالهيكل الإداري المختص ونشرها على الموقع الإلكتروني الخاص به.

من جهة أخرى يفرض هذا القانون على الهيئة مواصلة النظر في ملفات الإبلاغ عن حالات الفساد بعد سحبها من الهيكل المعنيإذا لم يقم الهيكل العمومي المعني باتّخاذ الإجراءات اللازمة للتحقّق من موضوع الإبلاغ والتعامل معه ضمن الآجال المحدّدة بهذا القانون، أو إذا باشر الهيكل العمومي المعني اتّخاذ إجراءات تعسّفيّة تبعا للإبلاغ.

ويتولى المبلّغ تقديم الإبلاغ كتابيا، ويجب أن يتضمّن ما يلي:

  • اسمه ولقبه وعنوانه ورقم بطاقة تعريفه،
  • التسمية الاجتماعية والمقر الاجتماعي إذا كان المبلّغ شخصا معنويا،
  • الأفعال موضوع الإبلاغ،
  • هوية الشخص أو الهيكل موضوع الإبلاغ عن حالات الفساد.

إثر ذلك تتولى الهيئة اتخاذ التدابير اللازمة للتحقّق من صحة المعطيات المضمنة بالملفات التي تعهدت بها.
كما تتولى إعداد تقرير حول الأعمال موضوع الإبلاغ وإعلام المبلّغ بنتائج تقريرها في أجل لا يتجاوز الشهرين من تاريخ تقديم الإبلاغ الذي تعهدت به ويمكن تمديد الأجل شهرا إضافيا إذا توفرت أسباب جدية لذلك.

وإذا ثبت بناء على الإبلاغ المحال من الهيئة على الهيكل المعني وجود شبهة فساد يتعين على الهيكل اتخاذ الإجراءات الضرورية التالية:

  • إحالة المعني بالأمر على مجلس التأديب لاتّخاذ الإجراءات التأديبية ضدّه وذلك وفق التشريع الجاري به العمل.
  • إحالة الملفّ إلى النيابة العمومية إذا كانت الأفعال المرتكبة معاقبا عليها جزائيا، وفي جميع الحالات على الهيكل المعني أن يحيل نتائج الأبحاث والتقارير موضوع الإبلاغ على الهيئة التي عليها أن تتخذ ما تراه صالحا من إجراءات.

وينتفع المبلّغ بناء على طلب منه أو بمبادرة من الهيئة وبشرط موافقته بالحماية من أيّ شكل من أشكال الانتقام أو التمييز أو الترهيب أو القمع، كما تتمّ حمايته من أيّ ملاحقة جزائية أو مدنية أو إدارية أو أيّ إجراء آخر يلحق به ضررا ماديا أو معنويا إذا كان كل ذلك بمناسبة الإبلاغ أو تبعا له. وتسند الحماية بقرار من الهيئة ويتمّ تنفيذ قرارات الحماية بالتنسيق مع السلطات العمومية المعنية بتوفيرها وخاصة السلط الأمنية.

وتنسحب الحماية على الأشخاص وثيقي الصلة بالمبلّغ المشار إليهم بالفصل 26 من هذا القانون، ويستثنى منها من يقدّم عمدا، تبليغا بقصد الإضرار بالغير دون وجه حقّ.ولا يُلزم المبلّغ بإقامة الحجة على المعلومات التي قام بإبلاغها.

والهيئة مطالبة بأن تدرس طلبات الحماية والآليات اللازمة لها ومدّتها وتتخذ قرارها في الغرض في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ توصلها بالطلب، وتتولّى في كل الأحوال إبلاغ قرارها إلى المبلّغ في أجل 48 ساعة من تاريخه.ويمكن في أجل عشرة أيام من الإعلام المشار إليه أعلاه الطعن في قرار رفض توفير الحماية أو إقرارها بصورة جزئية أو غير كافية أو تعديلها أو إنهائها أمام القاضي الإداري الاستعجالي الذي يصدر قراره في أجل سبعة أيام من تاريخ الطعن. ويكون قراره قابلا للطعن بالاستئناف طبق الإجراءات المقرّرة بالنسبة إلى الأذون الاستعجالية.

ومن جهة أخرى يفرض هذا القانون على الهيئة أن تحافظ على سرية هويّة المبلّغ بشكل كامل، ولا تكشفها إلا بعد موافقته المسبقة والكتابية.ويمكن عند الضرورة، واحتراما لحقوق الدفاع الاستماع إلى المبلّغ كشاهد أمام الجهة القضائية ذات النظر التي تتّخذ ما يلزم من تدابير لحماية سريّة هويّته تجاه الغير.

وفي نفس إطار سياسة التشجيع على الإبلاغ لا تسلّط على المبلّغ أيّة عقوبات تأديبية أو جزائية على أسـاس مخالفته للسرّ المهني أو لواجب التحفظ إذا اتخذت تلك العقوبات بمناسبة الإبلاغ أو تبعا له. إضافة الى ذلك يتمتع المبلّغ بالإعانة العدلية وبالإعانة القضائية لدى المحكمة الإدارية في خصوص الدعاوى المثارة ضده أو التي يقوم بإثارتها والمرتبطة بإبلاغه عن الفساد وذلك بصرف النظر عن الشروط المستوجبة للانتفاع بها.

ويشمل قرار الحماية تمتيع المبلّغ بكل أو بعض الإجراءات التالية:

  • توفير الحماية الشخصية بالتنسيق مع السلطات العمومية المعنية بتوفيرها.
  • نقلته بطلب منه أو بعد موافقته من مكان عمله وفق ما تقتضيه ضرورات الحماية.
  • توفير الإرشاد القانوني والنفسي له.
  • منحه وسائل للإبلاغ الفوري عن أيّ خطر يتهدّده، أو يتهدّد أي شخص من الأشخاص وثيقي الصلة به، بمناسبة التبليغ أو تبعا له.
  • تعديل إجراءات الحماية بأي شكل من الأشكال وفق ما تقتضيه مصلحته.
  • اتخاذ أيّة تدابير أخرى من شأنها منع كلّ ضرر مهني أو جسدي أو معنوي قد يحدث له.

كما تمنح الدولة مكافأة مالية للمبلّغين الذين أدّى إبلاغهم إلى الحيلولة دون ارتكاب أيّ من جرائم الفساد في القطاع العام أو إلى اكتشافها أو اكتشاف مرتكبيها أو البعض منهم أو استرداد الأموال المتأتّية منها، وتقترح الهيئة إسناد المكافأة بعد التأكد من مآل الإبلاغ.

كما تلتزم الدولة بتعويض المبلّغ، أو عند الاقتضاء أيّ شخص من الأشخاص المشار إليهم بالفصل 26 من هذا القانون، الذي أصابه ضرر نتيجة الإبلاغ، ويقدر التعويض بما يوازي ما تعرّض له من أضرار مادية ومعنوية. وفي صورة إدانة مرتكب الجريمة المبلغ عنها وفقا لهذا القانون، يحقّ للدولة أن تعود عليه لاستخلاص النفقات المترتّبة على حماية المبلّغ أو أيّ شخص من الأشخاص المشار إليهم بالفصل 26 من هذا القانون واستخلاص النفقات الناتجة عن التعويض واستخلاص قيمة المكافأة المالية.

أما فيما يتعلق بالجانب الردعي فقد ورد ضمن هذا القانون أنه يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس (5) سنوات وبخطية مالية تتراوح بين ألف دينار وخمسة (5) آلاف دينار، كل من تعمّد كشف هوية المبلّغ، بأيّ وسيلة كانت، بشكل مباشر أو غير مباشـر، ولا يحول ذلك دون تسليط العقوبات التأديبيّة على كاشف الهوية إذا كان عونا عموميا.

وقد قامت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بعد صدور هذا القانون بعديد الإجراءات قصد تفعيله رغم عدم إصدار النصوص التطبيقية المتعلقة به، ومن ذلك أنها نظمت عدة حملاتتوعوية للتعريف بهذا القانون، كما قامت بتأمين دورات تكوينية لفائدة الاطارات المعنية بتطبيقه على غرار إطارات الشركة الوطنية للسكك الحديدية وأعضاء المجالس البلدية والديوانة وغيرهم، كما قامت بتنظيم عدة ندوات وملتقيات علمية منها الندوة الدولية بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي حول حماية المبلغين والشهود والخبراء في قضايا الفساد المنعقدة يومي 11 و12 جانفي 2018 بحضور خبراء أجانب وكذلك الأيام الفرنسية التونسية لمكافحة الفساد.

كما عملت الهيئة منذ صدور هذا القانون على إعداد منظومة متكاملة للتبليغ عن بعد عبر إحداث منصة الكترونية وتطبيقة للتبليغ عن بعد، كما قامت بتنظيم ورشات مفتوحة لمختلف المتدخلين في الميدان تم التطرق خلالها إلى أهم الإشكاليات المطروحة  في التطبيق.

وقد بدأت الهيئة منذ دخول هذا القانون حيز النفاذ بتلقي مطالب الحماية كما اتخذت إجراءات فورية في الملفات المستعجلة مثل تكليف المحامين للدفاع عن طالبي الحماية سواء أمام باحثي البداية أو مجالس التأديب أو الجهات القضائية بمختلف درجاتها كما عملت على توفير الإرشاد القانوني والنفسي للمبلغين وإرجاعهم الى سالف عملهم وتسوية وضعيتهم المهنية وتوفير الحماية الأمنية لهم بالتنسيق مع السلطات المختصة.

ولكن ورغم أهمية هذا القانون في مجال مكافحة الفساد والإبلاغ عنه فإنه لا بد من الاعتراف بوجود عدّة صعوبات في تطبيقه لا بد من العمل على تجاوزها في المستقبل، ومن بين ذلك يمكن أن نذكر:

  • البطء في إصدار النصوص التطبيقية المتعلقة بهذا القانون.
  • ضعف الإمكانيات اللوجستية والمادية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
  • الصعوبة في توفير المرافقة الأمنية للمبلغين نظرا لغياب النص التطبيقي.
  • غياب الهيكل الإداري المختص في أغلب الإدارات المتوجب عليها إحداثها.
  • استغلال بعض الأشخاص لهذا القانون في تقديم ادعاءات كيدية.
  • هناك تداخل بين مجال تطبيق القانون عدد 10 لسنة 2017 ومجالات تطبيق تشريعات أخرى جارية مثل مجلّة الشغل وقانون الوظيفة العمومية، ولذلك لا بد من إدخال بعض التنقيحات على تلك النصوص لتصبح متلائمة مع بعضها.
  • ضرورة التفكير في جملة من الآليات التي من شأنها أن تحدّد بشكل دقيق مضمون الحماية مع التأكيد على طرق حماية هوية المبلغين وتحديد آليات تفعيل المقتضيات الخاصة بالتعويض عن الضرر في انتظار استكمال صدور النصوص التطبيقية الخاصة بها.

محجوب الجلاصي

المستشار بمجلس نواب الشعب

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.