محجوب الجلاصي: الحق في النفاذ إلى المعلومة بتونس
تعتبر تونس من الدول الأوائل التي أقرت حق النفاذ إلى المعلومة فبعد صدور كل من المرسوم عدد 41/2011 والمرسوم عدد 54/2011 ثم صدور منشور رئيس الحكومة عدد 25 المؤرخ في 5 ماي 2012 المتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية، جاء الفصل 32 من دستور 2014 ليؤكد على أن الدولة تضمن الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة.
وكتطبيق لمقتضيات الدستور جاء القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس 2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلوم، وقد ورد في وثيقة شرح الأسباب التي وقع تقديمها بمناسبة مناقشة أحكام هذا القانون أمام مجلس نواب الشعب ما مفاده أن الحكومة استفادت من التجارب المقارنة في هذا المجال على غرار الأنظمة المعتمدة في المكسيك وكندا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وجنوب إفريقيا والهند وبلجيكا.
ووفقا لهذا القانون، يمكن لكل شخص طبيعي أو معنوي أن يقدم مطلبا كتابيا في النفاذ إلى المعلومة طبقا لنموذج مطلب كتابي معدّ مسبقا يضعه الهيكل المعني على ذمّة العموم بموقع الواب أو على ورق عادي يتضمن بعض التنصيصات الوجوبية ويتولّى المكلّف بالنفاذ تقديم المساعدة اللازمة لطالب النّفاذ إلى المعلومة في حالة العجز أو عدم القدرة على القراءة والكتابة أو كذلك عندما يكون طالب النفاذ فاقدا لحاسة السمع والبصر.
وعلى الهيكل المعني الردّ على كل مطلب نفاذ في أجل أقصاه عشرين (20) يوما من تاريخ توصّله بالمطلب أو من تاريخ تصحيحه.
وإذا تعلق طلب النفاذ بالاطلاع على المعلومة على عين المكان، على الهيكل المعني الردّ على ذلك في أجل أقصاه عشرة (10) أيام من تاريخ توصّله بالمطلب أو من تاريخ تصحيحه.
أما إذا إذا كان الردّ بالرفض، فيجب أن يكون القرار كتابيا ومعلّلا مع التنصيص على آجال وطرق الطعن والهياكل المختصة بالنظر فيه وفق أحكام الفصلين 30 و31 من هذا القانون.
ويعتبر عدم ردّ الهيكل المعني على مطلب النفاذ في الآجال القانونية المنصوص عليها بهذا القانون، رفضا ضمنيا يفتح المجال لطالب النفاذ في الطعن في قرار الهيكل وفق الإجراءات المنصوص عليها بالفصلين 30 و31 من هذا القانون.
كما مكن هذا القانون طالب النفاذ عند رفضه القرار المتخذ بخصوص مطلبه من إمكانية التظلّم لدى رئيس الهيكل المعني في أجل أقصاه العشرين (20) يوما التي تلي الإعلام بالقرار. ويتعيّن على رئيس الهيكل الردّ في أقرب الآجال الممكنة على أن لا يتجاوز ذلك أجلا أقصاه عشرة (10) أيام من تاريخ إيداع مطلب التظلّم.
واعتبر القانون عدم رد رئيس الهيكل المعنيّ خلال هذا الأجل، رفضا ضمنيّا.
كما يمكن لطالب النفاذ الطعنمباشرة في قرار الهيكل المعني لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة المنصوص عليها بالفصل 37 من هذا القانون.
يجب على كل هيكل خاضع لأحكام هذا القانون، تعيين مكلّف بالنفاذ إلى المعلومة ونائب له وذلك بمقتضى مقرر يصدر في الغرض، يتضمّن أهم البيانات التي تعرّف بهويّتهما ورتبتهما وخطّتهما الوظيفية.
ويجب إعلام هيئة النفاذ إلى المعلومة بقرار التعيين في أجل خمسة عشر (15) يوما من تاريخ إمضائه ونشره في موقع الواب الخاص بالهيكل المعني.
وقد جاء ضمن هذا القانون المذكور بعض الاستثناءات لهذا الحق تتمثل في ما يلي:
- يمكن رفض طلب النفاذ الى المعلومة إذا كان ذلك يؤدّي إلى إلحاق ضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصل بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية.
- لا يشمل النفاذ إلى المعلومة البيانات المتعلقة بهويّة الأشخاص الذين قدموا معلومات بهدف الإبلاغ عن تجاوزات أو حالات فساد.
وهذه الاستثناءات لا يمكن تطبيقها على المعلومات الضرورية بغاية الكشف عن الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان أو جرائم الحرب أو البحث فيها أو تتبّع مرتكبيها، ما لم يكن في ذلك مساس بالمصلحة العليا للدولة أو عند وجوب تغليب المصلحة العامة على الضرر الذي يمكن أن يلحق المصلحة المزمع حمايتها لوجود تهديد خطيـر للصحة أو السلامـة أو المحيط أو جـراء حدوث فعـل إجرامـي.
ومن أجل ضمان حسن تطبيق هذا القانون وقع إحداث هيئة عمومية مستقلة تسمى "هيئة النفاذ إلى المعلومة" تتمتّع بالشخصية المعنوية ويكون مقرّها تونس العاصمة وهي تتولّى بالخصوص:
- البت في الدعاوى المرفوعة لديها في مجال النفاذ إلى المعلومة وللغرض يمكنها عند الاقتضاء القيام بالتحريات اللازمة على عين المكان لدى الهيكل المعني ومباشرة جميع اجراءات التحقيق وسماع كل شخص ترى فائدة في سماعه.
- إعلام كل من الهياكل المعنية وطالب النفاذ بصفة شخصية بقراراتها.
- إبداء الرأي وجوبا في مشاريع القوانين والنصوص الترتيبية ذات العلاقة بمجال النفاذ إلى المعلومة.
- العمل على نشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة بالتنسيق مع الهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون والمجتمع المدني من خلال القيام بأنشطة تحسيسية وتكوينية لفائدة العموم.
- إعداد الأدلة اللازمة حول حق النفاذ إلى المعلومة.
- القيام بتقييم دوري حول مدى تكريس حق النفاذ إلى المعلومة من طرف الهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون.
- إعداد تقرير سنوي حول نشاطها يتضمن الاقتراحات والتوصيات اللازمة لمزيد تكريس حق النفاذ إلى المعلومة، إضافة إلى معطيات إحصائية حول عدد مطالب النفاذ إلى المعلومة وعدد مطالب التظلم والردود وآجالها والقرارات الصادرة عنها والمتابعة السنوية لمدى تنفيذها من طرف الهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون.
- تبادل التجارب والخبرات مع نظيراتها بالدول الأجنبية والمنظمات الدولية المختصة ويمكنها إبرام اتفاقيات تعاون في هذا المجال.
وتتولّى الهيئة رفع التقرير السنوي إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة. وينشر هذا التقرير للعموم بموقع واب الهيئة.
وقد جاء هذا القانون ببعض الأحكام الزجرية التي يهدف المشرع من خلالهاإلى ضمان حسن تطبيقه وهي تتمثل حسب الفصل 57 منه في العقاب بخطية من خمسمائة (500) دينارا الى خمسة آلاف (5000) دينار كل من يتعمّد تعطيل النفاذ إلى المعلومة بالهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون.
كما يعاقب بالعقاب الوارد بالفصل 163 من المجلة الجزائية كل من يتعمد إتلاف معلومة بصفة غير قانونية أو حمل شخص آخر على ارتكاب ذلك.
كما جاء بالفصل 58 أنه علاوة على العقوبات المنصوص عليها بالفصل 57 من هذا القانون فإن كل عون عمومي لا يحترم أحكام هذا القانون الأساسي يعرض نفسه إلى تتبعات تأديبية وفقا للتشريع الجاري به العمل.
أما على المستوى العملي فإن هذا القانون قد وجد العديد من الصعوبات في تطبيقه وقد أشار رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة في إحدى تصريحاته إلى وجود العديد من التحديات التي تعيق تطبيق القانون على ارض الواقع وأهمّها التحديات التشريعية والمتعلقة ببطء إصدار بعض النصوص الترتيبية اللازمة وعدم انسجام بعض النصوص القانونية مع مقتضيات قانون حق النفاذ إلى المعلومة ومواصلة العمل بالموروث القائم على أساس ثقافة التكتم وحجب المعلومة من قبل بعض المسؤولين عن الهياكل الحكومية الذين لن يستوعبوا التطورات السياسية في تونس والعالم عموما.
واعتبر أنّ التحديات المرتبطة بمحدودية الإمكانيات البشرية والتكنولوجية خاصة الموضوعة على ذمّة المؤسسات والهياكل العمومية على غرار بعض البلديات والمعتمديات والمؤسسات الصغرى تستوجب توفير إطار بشري وحد أدنى من التجهيزات حتّى يتسنى لها الإيفاء بوعودها في الالتزام بتطبيق قانون حق النفاذ إلى المعلومة.
كما جاء في إحدى تصريحاته أن الهيئة تلقت منذ بداية شهر فيفري 2018 إلى غاية منتصف شهر جوان 2019 أكثر من 1000 ملف قضية وبتت في حوالي 60 بالمائة منها وذلك في مجالات مختلفة.
وأضاف أن نسبة الاستجابة لقرارات الهيئة وتنفيذها بلغت 20 بالمائة وذلك مقابل أقل من 10 بالمائة من الذين قاموا باستئناف قرارات الهيئة.
ومن هنا يمكن القول إنه نظرا لأهمية مثل هذا القانون في تكريس حق النفاذ إلى المعلومة الذي يعد حقا دستوريا ومبدأ أساسيا في ممارسة الحقوق والحريات وتكريس مبادئ الشفافية والنزاهة لا بد من تضافر جميع الجهود من هياكل عمومية ومكونات المجتمع المدني وإعلاميين وغيرهم من أجل إنجاحه.
محجوب الجلاصي
مستشار بمجلس نواب الشعب
- اكتب تعليق
- تعليق