مختار اللواتي: أفق سيدي الرئيس.. انتهى الحلم وليبدأ العمل!

مختار اللواتي: أفق سيدي الرئيس.. انتهى الحلم وليبدأ العمل!

هل أنا في حاجة للتذكير أنني وضعت الورقة بيضاء في الصندوق في الدورين الأول والثاني للانتخابات الرئاسية؟

وهل أنا في حاجة للتذكير أنني أمام فوز السيد قيس سعيّد في الدور الثاني بتلك النتيجة الساحقة أمام منافسه السيد نبيل القروي، قد ثمنتُ ذلك الفوز وتلك النتيجة، قناعةً مني بما يحتمه الخيار الديمقراطي من قبول مايبوح به الصندوق، مادام خاليا من الطعون رسميا. وهذا ماتم.

لكن ذلك لم يمنعني من التعبير عن مخاوفي من المرحلة القادمة. وقد كنت خففتُ منها بحزمة من الاقتراحات والتوصيات ضمنتها مقالي السابق، ووجهتها تباعا إلى غالبية الشباب المساند للسيد سعيّد، وإلى الأحزاب والتشكيلات السياسية الديمقراطية الاجتماعية والتقدمية، وأخيرا إلى الرئيس المنتخب بدعوته إلى عدم قطع صلاته وتواصله مع الحزام الداعم له ومختلف شرائح الشعب التونسي، وإلى توخي الواقعية في بلورة برنامج سياسي يستجيب لمقتضيات المرحلة وإلى حاجيات الشعب الملحة .. وأنهيتُ المقال على نبرة تفاؤلية حاثا على رص الصفوف وإعادة تشكيل معارضة قوية فعالة ذات بدائل عملية تقطع مع الوعود والتبريرات..

وبقيت بعد ذلك كباقي أفراد شعبي انتظر حديث الأربعاء، ليس ذاك الذي اشتهر وذاع صيته بفضل عميد الأدب العربي طه حسين من خلال سلسلة مقالاته في مجلة السياسة أولا ثم في كتاب في مطلع القرن الماضي عن فطاحل الشعر العربي من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث. وإنما القصد هو كلمة رئيسنا المنتخب في الجلسة الممتازة لمجلس نواب الشعب بمناسبة أدائه اليمين الدستورية إيذانا باستلامه مهامه رسميا رئيسا للبلاد التونسية.

نسيت أن أقول إنني كنت طوال الحملة الانتخابية التي كان السيد قيس سعيد يصرّ على تسميتها حملة تفسيرية، كنت في غاية الضجر من الغموض الذي كان يسم تصاريحه، ومن التعويم الذي كان يعرض به خططه المستقبلية.

وجاء اليوم الموعود.. وتابعت كلمة أو خطاب رئيسنا الجديد.. فحلت الدهشة محل الضجر وعاد الخوف ليتملكني، ويستلب مني الجانب المتفائل في تشاؤلي..

جميلٌ تذكيرُك لنا سيدي الرئيس أنّ الشغل والحرية والكرامة الوطنية كانت مطالب الشباب الذي عرض صدره للرصاص ذات ديسمبر من عام 2010 وذات جانفي من عام 2011 وقد سقط كثيرون منهم إما شهداء أو جرحى، ومازال أحياؤهم يتجرعون مرارة الفقر والحرمان وخيبة الأمل.

وجميلٌ أيضا تكرارُك ما كان قاله سابقوك أنّ الفساد استشرى في المجتمع كالداء الخبيث في الجسم. ووجب استئصاله، فيما هو يزداد انتشارا يوما بعد يوم، دون أن يقضوا عليه او حتى يحدّوا من انتشاره..

ومطمئنٌ تصميمُك على التصدي للإرهابين، "الرصاصة منهم تقابَل بوابل من رصاص جنودنا البواسل وقوات حرسنا وأمنيينا"، وهو ماهم فاعلون من دون تصميمك.

كما هو مطمئنٌ تشديدُك على احترام الدستور وإنفاذ القانون على الجميع. وهو ماشدّد عليه من سبقوك، وبقي حبرا على ورق.. أما مسألة الانتقال من دولة القانون إلى مجتمع القانون، فهي ولا شك أميرة كل الأحلام جميعها..

ومطمئنةٌ أيضا رسالتُك إلى المرأة التونسية بأنّ حقوقها ستظل مصانة، بينما هي في الواقع تتوق إلى توسيعها والارتقاء بها إلى مراتب أعلى وأرحب وأكثر احتراما وإنصافا. وليست متشككة في خسران ما اكتسبت..

وحكيمٌ تأكيدُك على وجوب حيادية المرافق العمومية وإداراتها والنأي بها عن المحاصصة الحزبية والتوظيف المصلحي لهذا الطرف أو ذاك. وهو لكثرة ماسمعناه من كل منظومات الحكم السابقة، أصبح فعله في آذاننا كالطنين، فيما الحزب الأقوى أو الحزبان الأكثر قوة  يواصلان توظيفها لمصلحتهما بشتى الوسائل.

وكم هو نبيلٌ دفاعُك عن حق الإعلاميين في حرية الكلمة، حتى من دون أن تشير إلى وقوع نسبة كبيرة منهم تحت هيمنة أصحاب رؤوس الأموال وأكبر الأحزاب على حد سواء، وإلى النقص التشريعي في مجال تقنين عملهم والدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية..

اسمح لي سيدي الرئيس بسؤال حيرني إلحاحُه علي، يقول، هل انتخبت غالبية الشعب رئيسا جديدا ليكررعلى مسامعها أماني وأحلاما لكثرة ما غازلهم بها سابقوك وأغدقوا عليهم معها من الوعود بالقناطير، أصبحوا لا يطيقون سماعها مخافة تكرار الخيبات السابقة؟؟..

شيء واحد لم يسبقك إليه سابقوك في الإصداع به، وهو الشيء العملي الوحيد في مخطط نشاطك القادم القابل للتنفيذ، لسهولته ولامتلاك الدولة أدوات تنفيذه، وأعني دعوتك أُجَراءَ البلد إلى التبرع بأجر يوم عمل كل شهر على مدى فترة رئاستك للسنوات الخمس القادمة!

هل هذا فعلا مايريد شعبك سيدي الرئيس؟؟.. وماذا عن راتبك وعن راتب رئيس الحكومة ورواتب طاقم الوزراء القادمين، ونواب مجلس الشعب المنتخبين؟؟ ورواتب المديرين العامين للبنوك والشركات الكبرى ومختلف المؤسسات العمومية؟ أليسوا من ضمن المواطنين ومن مكونات هذا الشعب الذي يريد؟؟ أليس من حسن التدبير أيضا دعوة رئيس الحكومة القادم، إن تم الاتفاق على تشكيلها، إلى حصر عدد الوزراء في أقل مايمكن، ضغطا على المصاريف وتسهيلا على المواطنين متابعة أعمالهم ومدى توفقهم في أدائها؟. وكذلك، أليس من سمات رجل الدولة حامل الأمانة، التأكيد على أن يكون لرئيس الحكومة ولكل وزير مشروعٌ دقيقٌ وواقعي قابل للتنفيذ، يكون أساسَ تكليفه وإسناده المسؤولية الوزارية؟

وماذا عن غلاء المعيشة وتدني المقدرة الشرائية للمواطنين، أليس لديك اقتراحات أو توصيات أو تصورات للحكومة الجديدة في شأنها؟

وما الأَوْلى، تقديم بدائل وحلول لهذه المعضلات، وعلى رأسها إفلاس الدولة الوشيك، إن لم يقع التعجيل بضبط برنامج واقعي دقيق للإنقاذ، يتكامل فيه العامل الداخلي بنظيره الخارجي، أم تضبيب الموقف بين احترام المعاهدات والاتفاقيات المبرمة مع الدول الشقيقة والصديقة من جهة، والتوق من جهة أخرى إلى تحيينها وفق "مصالح ومطامح شعوبنا".. أي تحيين وأية مصالح الآن ونحن في منتهى الوهن.. هل هذه ديبلوماسية ذكية يبشر بها الرئيس الجديد دول شمال المتوسط، بعد أن وصلتها دعوات مساندينك في ائتلاف الكرامة وفي حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري بإعادة النظر في الاتفاقيات المتعلقة بثروات البلاد الباطنية، من نفطية وغيرها. والتعويض، وأقله الاعتذار، على سني الاستعمار؟.

سيدي الرئيس، إن كان لكل معركة أوان، فهذه لايمكن أن يكون الآن هو أوانها، أو حتى أوانُالتلميح إليها..

وبعد كلّ هذا، كنت أنوي أن أجادلك، طبعا بالحسنى، في مفهوم الثورة الثقافية ، هذه التي لم تفوت فرصة دون الإشادة بها ودون الإلحاح أنّ الشعب التونسي، وشبابه في الصدارة، قد أذهلا العالم بها. ولكنني تجنبا لمزيد من التوتر، أوجز حيرتي بشأنها في الأسئلة التالية..

هل تعتبر حصول حركة النهضة، الشريك الرئيسي في جميع منظومات الحكم الفاشلة التي تعاقبت على البلاد منذ أكتوبر 2011 وإلى الآن، بما حام حولها من شبهات، هل تعتبر حصولهاعلى المرتبة الأولى في نتائج الانتخابات التشريعية، ولو بخسارة نسبة مهمة من أصوات مناصريها، من علامات هذه الثورة الثقافية؟

هل ترى في حصول حزب قلب تونس الذي تحوم حول رئيسه الشبهات، والذي يقدر عمره بالأشهر،على المرتبة الثانية في نفس الإنتخابات، دليلا أيضا على تلك الثورة الثقافية؟

هل صعود سهم ائتلاف الكرامة، بتلك السرعة وذلك الامتداد الذي خوله الفوز بواحد وعشرين مقعدا في البرلمان الجديد، تراه عنوانا آخر لتلك الثورة الثقافية؟ والقاصي والداني مازال يستحضر صولات وجولات الناطق باسمه، وكذلك إمام جامع اللخمي في صفاقس سابقا، زيادة على رموز ماعُرف بروابط حماية الثورة، في التحريض على العنف والاحتراب وممارستهما، منذ 2012 وحتى قضية الرقاب.

أن تكون الانتخابات التشريعية قد أفرزت تلك النتائج، فهو دليل على اختلال مقاييس الديمقراطية، وطالما هذا الاختلال بقي طابقا على مفاصلها، فإننا لانملك إلا الإقرار بتلك النتائج.. أما أن نطلق عليها عبارة ثورة، وثورة ثقاقية بالذات، فذلك عين التجني.

لقد كنتَ أنتَ الاستثناء واللغز.. فحلمت وحلم معك ملايين الناخبين وفي طليعتهم الشباب، من أجل تغيير واقعهم ومساعدتهم على تكريس مواطنيتهم، وتمكينهم من حقوقهم المهدورة. لكن الآن وبعد فوزك واستلامك مقاليد الرئاسة، لم يعد مسموحا لك بالإمعان في الحلم.. فأفق سيدي الرئيس..

الشعب يريد منك خطة واقعية وبرنامجا دقيقا لاستنهاض هممه للعمل في اطمئنان وأمان..

فلو عكستَ سيدي الرئيس ودعوتَ إلى تخفيض رواتب الوزراء وأصحاب الوظائف السامية، وإلى الصرامة في مجابهة التهرب الضريبي، مثلا، لأصبت. أما أن تكون دعوتك الأولى إلى شعبك الذي أرادك لسانَ حاله لِما هو يريد، بأن يتبرع بأجرة يوم عمل كل شهر على مدى خمس سنوات، فلا أظن أنك فهمتَ فعلا ما الشعبُ يريد ..

مختار اللواتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.