في مركز التميمي : محاضرة رائعة لأميرة النموشي المتفوّقة الأولى في الباكالوريا آداب
لقد بدّدت رهبتي منذ الدقيقة الأولى بطلاقة لسانها واسترسالها في الكلام بصوتها الرخم.. كنت أخشى أن لا تكون في مستوى المقالة التي حازت فيها أقصى العلامات.. ولكنها اثبتت أنّ قدراتها أعلى بكثير وأكدت جدارتها وتفوّقها وتألّقها.. الجميع بقي مذهولا لرشاقة كلماتها وطلاقة تعبيراتها وحبكة الإلقاء الذي ارتجلته دون ورقة ولا حتى مذكرات.. أربعون دقيقة كاملة دون توقف في تدخّل منهجي من أعلى المعايير العلمية.. للمتفوقة الأولى في باكالوريا الآداب الحائزة على 20/20 في الفلسفة أميرة النموشي.. الكلّ بمن فيهم عائلتها اكتشف قدرات خطابية من طراز عال ومحاولة لتقديم مضمون مقالة الامتحان باسلوب مبسط.. تحدثت في كلّ ما له علاقة بالاإساني في تفاعل مع الرمز.. بثقة العارف واتزان الماهر إتقان البارع.. حلّلت وفككت وأوّلت وحفرت وركّبت وألّفت بأسلوب جدلي.. تجنبت القوالب الجاهزة والاسلوب السكولائي المدرسي وكانت فاعلة في مواقفها و"تجرأت على استعمال عقلها" بقوة.. على حدّ قول فيلسوف ثلاثية النقد "كانط" في مقالته "ما الأنوار؟"..
إنّها لسعادة غامرة أن ترى شبابا يحلّل ويغوص وينقد ويفضح التضليل.. ويتصدّى للهيمنة ويواجه الاستغلال ويقارع الاستلاب ويجابه الوعي الزائف.. يكشف عمق العولمة المستهدف للإنساني.. والرأسمالية وإشهارها ودعايتها وتنميطها للذوق والرمز والفكر.. من أجل الإطباق على ما بقي في يد الإنسان من حقوق ومصير وحلم.. ولكن أميرة تأبى الا ان تتمترس لتدافع على هذا الحلم المغتصب.. وتذود عن الانساني الكوني المصادر فينا.. وتحمل قضية الشباب الذي يساق إلى المحارق ويدفع إلى المشانق.. لتكون كلمة الإنسان السامي بفكره وعقله ووعيه وأخلاقه.. من أجل المشترك الذي يتساوى فيه الجميع في سبيل مصير أنبل للإنساني الذي صار يتقهقر بقوة تحت عمى الجهل والجشع والأنانية والتعصب والعدوانية.. أميرة النموشي بالفعل ثروة وطنية نادرة.. على الدولة بكلّ مكوناتها واجب رعايتها وحمايتها!!
شكري بن عيسى
- اكتب تعليق
- تعليق