الفلاحة في تونس: الطبيعة، الموارد، الإنتاج
ينسب لهيرودوت، شيخ المؤرّخين دون منازع، قوله «مصــر هبــة النيل» ولكــنّ عنــد قـــراءة ما كتبه عن مصر لا نجد العبارة كما هي متداولة ولكن وصفه الدقيق نسبيا لمصر ولحياة المصريين وللنيل وفيضاناته الموسمية يوحي بذلك (لنترك جانبا رأيه في موقع منابع النيل لأنّه خاطئ تماما)، ورغم مرور أكثر من خمسة وعشرين قرنا على رحلة هيرودوت ورغم ما نتج من إيجابيات وسلبيات من جرّاء بناء السدود على النيل فإنّ الحياة في مصر تبقى لحدّ الساعة رهينة إلى حدّ كبير للنيل ممّا يشكّل قاسما مشتركا وموحّدا للفضاء المصري «المفيد» على الأقلّ. وعلى العكس من ذلك فإنّنا لا نجد قاسما طبيعيا موحّدا في تونس لأنّ انحدار جبال الأطلس من الجنوب في المغرب إلى أقصى الشمال في تونس وتأثير البحر الأبيض المتوسّط شمالا وشرقا وتأثيرات المدّ الصحراوي جنوبا قسّمت البلاد طبيعيا ومناخيا إلى أربع أو خمس مناطق جغرافية متباينة كما تبيّن ذلك الخريطة المصاحبة.
ينقسم المجال الفلاحي التونسي إلى عدّة مجالات تنقسم بدورها إلى عدد من المجالات مرتّبة حسب المردود كالمجال المختصذ بزراعة الحبوب مثلا، فهناك مناطق ذات مردود جيّد في إنتاج الحبوب وهناك مناطق ذات مردود متوسّط وهناك مناطق ذات مردود ضعيف كمناطق «السقي» الواقعة بين ولايات قبلي وقابس وقفصه. كما نجد هذا النوع من التباين في إنتاج الزيتون إذ خرجت غراسة الزيتون عن مجالها التقليدي (الساحل وصفاقس وبعض أراضي الجنوب الشرقي) لتغزو الكثير من المناطق الداخلية والشمالية منتجة لأنواع أخرى من زيت الزيتون قابلة للتصدير أكثر من زيوت المناطق المعتادة. أمّا إنتاج القوارص فيبقى سائدا بالخصوص في الشمال الشرقي (الوطن القبلي) وكذلك الشأن بالنسبة إلى الإنتاج التمور الذي تختصّ به ولاية قبلي (ثلاثة أرباع الإنتاج تقريبا) وولاية توزر. وفي المقابل نلاحظ أنّ إنتاج الخضروات بأنواعها عمّ كلّ المناطق التي تتوفّر فيها المياه.
وفي كلّ الأحوال فإنّ المجال الفلاحي التونسي يخضع عموما لكميّات الأمطار التي تؤثر تأثيرا واضحا ومباشرا في إنتاج الحبوب والعلف بأنواعها وتباعا في عدد وأسعار رؤوس البقر والأغنام المعروضة للبيع وتأثيرا هامشيا في إنتاج التمور وبين الاثنين نجد الزيتون والأشجار المثمرة التي عرفت غرساتها تطوّرا سريعا بعد استقلال البلاد ممّا حوّل قسطا كبيرا من الأراضي الفلاحية التي كانت مخصّصة للحبوب إلى أراض مخصّصة للزيتون وللأشجار المثمرة. ويكفي للناظر أن يتجوّل في ولايات القيروان وسليانة وسيدي بوزيد والقصرين مثلا ليلحظ تطوّر التشجير في الستين سنة الماضية. وعند استعراض المكاسب الرئيسية التي غنمتها البلاد بعد الاستقلال لا بدّ أن نضع التشجير في المقدّمة شأنه شأن المكاسب التي تحصّلت عليها البلاد في ميادين التعليم والصحة.
بلغت المساحات الفلاحية المستغلّة في سنة 2014 حسب وكالة تشجيع الاستثمارات الفلاحية ما يقارب عشرة ملايين هكتار، منها ما يزيد عن خمسة ملايين هكتار مساحات مزروعة و4.8 ملايين هكتار مراعي و1.6 هكتار غابات وسباسب أمّا المساحات المخصّصة للفلاحة السقوية فإنها بلغت أقلّ من نصف مليون هكتار فقط أي 4،4% من مجمل المساحات الفلاحية. وتتوزّع الأراضي الفلاحية على ثلاثة مجالات طبيعية:غابات وزراعات كبرى بالشمال ، زياتين بنسبة كبيرة بالوسط و نخيل التمور بالجنوب.
المساحات الفلاحية حسب نوعية الاستغلال بآلاف الهكتار
1996 | 2000 | 2005 | 2010 | 2015 | 1996/2015 | |
المساحة المحروثة | 4955,1 | 4989,7 | 4896,2 | 4953,4 | 4917,3 | 0,8%- |
المساحة البور | 602,5 | 918,3 | 913,4 | 1022,5 | 1270,5 | 110,8+ |
مساحات مستغلة أخرى | 4352,5 | 4071,4 | 3982,8 | 3930,9 | 3647,1 | 16,2%- |
مراع، حلفاء ، إلخ | 2931,9 | 4561 | 4927,8 | 4839,5 | 4820 | 64,4%- |
غابات | 675,3 | 653,9 | 658 | 666,3 | 712 | 5,4% |
حبوب | 2023,1 | 1601,1 | 1449,9 | 1243,8 | 1196,9 | 40,8%- |
علف | 392 | 361,2 | 399 | 436 | 397,2 | 1,3%+ |
أشجار مثمرة | 2083,1 | 2125,9 | 2165,9 | 2244,5 | 2347,2 | 12,7%+ |
المصدر: وزارة الفلاحة
ونتوقّف الآن عند بعض خصوصيات التأثير النوعي للأمطار والأحوال الجويّة في الإنتاج الفلاحي: إذا نظرنا إلى تطور إنتاج الزيتون مثلا في السنوات الأخيرة نلاحظ أن هذا الإنتاج تضاعف تقريبا في سنة 2013 بالمقارنة مع مستواه في سنة 2011 ثمّ نقص بصفة مهولة في سنة 2014 ليصل إلى مستوى أقل ممّا كان عليه في 2011 أمّا إذا نظرنا إلى تطور إنتاج الكروم فإنّنا نلاحظ أنّه لم يتأثّر بالأحوال الجويّة إذ استمرّ في التزايد دون تقطّع وعلى نسق مرموق بين 2011 و2014. كما نلاحظ أيضا أن إنتاج التمور تزايد أيضا في نفس الفترة أما إنتاج الحبوب فإنّه تراجع في سنة 2013. ومعنى ذلك أنّ إنتاجنا الفلاحي لا زال في الجملة رهينا للتقلّبات الجويّة مع فروق ظاهرة بين أنواع الإنتاج مما يفسّر نماء المساحات المخصّصة للأشجار المثمر غير الزيتون والقوارص على حساب المساحات التي كانت مخصّصة سابقا للحبوب والمراعي. ولقد ترافق تأثير الظروف الطبيعية مع خاصيّات سياسة الأسعار في الميدان الفلاحي التي شجّعت ضمنيا على غراسة الأشجار المثمرة وكذلك مع مردودية هذا النشاط مقارنة بمردودية الزراعات الكبرى وتقلّبها السريع بين سنة وأخرى.
ويظهر تأثير الأمطار والأحوال الجويّة بالخصوص في إنتاج الحبوب بأنواعها فنلاحظ أنّ إنتاج القمح الصلب بلغ 371 ألف طن فقط في سنة 2002 ليقفز مباشرة إلى 1646 ألف طن في السنة الموالية أي في 2003، وكذلك الشأن بالنسبة إلى القمح الليّن الذي بلغ إنتاجه 52 ألف طن في 2002 ليقفز إلى 337 ألف طن في 2003 وهكذا دواليك. أمّا إنتاج الزيتون المخصّص لاستخراج الزيت فإنّه يتفاعل مع الأمطار والأحوال الجويّة بالطريقة نفسها إذ نلاحظ أنّه بلغ ذروته في 1997 ليصل إلى 1550 ألف طن ثمّ ينزل إلى 450 ألف طن في 1998 ولم يتجاوز 150 ألف طن في سنة 2002. ومعنى ذلك أنّ الإنتاج الفلاحي في مادتين أساسيتين سواء من ناحية الاستهلاك أو من ناحية التصدير متقلّب وغير مستقرّ بشكل يؤثّر تأثيرا بالغا في كلّ المعطيات الاقتصادية للبلاد ممّا يجعلها غير قابلة للإسقاط على المدى القصير والمتوسّط. وفي المقابل نلحظ شبه استقرار في نسق نموّ إنتاج التمور.
الوحدة: ألف طن
1995 | 2000 | 2005 | 2010 | 2015 | |
القمح الصلب | 472 | 706 | 1291 | 670,7 | 757,6 |
القمح اللين | 59 | 136 | 226 | 151,2 | 154,7 |
الزيتون | 350 | 1125 | 650 | 750 | 1700 |
التمور | 69 | 105 | 113 | 174 | 223 |
عنب الطاولة | 60 | 83 | 75 | 97 | 150,3 |
التفاح | 65 | 108 | 100 | 126 | 90 |
وقد عرفت تونس في السنوات الأخيرة شبه استقرار في إنتاج لحوم الماعز وتراجعا نسبيّا في إنتاج لحوم الأبقار والأغنام وقفزة هائلة في إنتاج لحوم الدواجن وزيادة ملحوظة في إنتاج اللحوم الأخرى ممّا يدلّ على أنّ الباعث الحقيقي في تغيّر المعطيات يعود أساسا إلى الأسعار ونمط الاستهلاك عند الغالبية من التونسيين ولو أنّ عدد الأبقار بلغ من 766000 رأس في سنة 2000 إلى 685790 رأسا في سنة 2015 وكذلك الشأن بالنسبة إلى عدد الأغنام التي بلغ عددها 6485640 رأسا في سنة 2015 بعد أن بلغ 6926000 رأس في سنة 2010. والسؤال المطروح هنا: هل أنّ سياسة الأسعار عند الإنتاج والاستهلاك أو الأحوال المناخية هي الكامنة وراء هذا التراجع أم أنّ إنتاج لحوم الأغنام والأبقار بلغ سقفا معيّنا لا يمكن تجاوزه؟
إنتاج اللحوم حسب النّوع وإنتاج البيض
الوحدة: الطن
1995 | 2000 | 2005 | 2010 | 2015 | |
الأبقار | 84000 | 100000 | 88000 | 107300 | 104000 |
الأغنام | 88000 | 104500 | 103000 | 111000 | 104500 |
الماعز | 16000 | 19000 | 22000 | 22400 | 22000 |
الدواجن | 73000 | 116000 | 134000 | 150500 | 200000 |
لحوم أخرى | 29000 | 43000 | 58000 | 78700 | 109300 |
المجموع | 290000 | 382500 | 405000 | 469900 | 539800 |
البيض (بالمليون) | 1096 | 1476 | 1538 | 1673 | 2157 |
المصدر: وزارة الفلاحة
وشهد إنتاج القوارص في السنوات الأخيرة تقدّما ملموسا بالنظر إلى ما كان عليه الإنتاج في مطلع القرن الحالي إذ بلغ 3788 ألف قنطار في سنة 2016 و4310 آلاف قنطار في سنة 2015 مقابل 2410 آلاف قنطار في موسم 2000 /2001 وتراوحت القيمة بين 19 مليون دينار في 2013 وما يقارب خمسة وعشرين مليون دينار في 2016 وهو ما يمثّل 1.5 بالمائة فقط من قيمة صادرات أهمّ المنتجات الفلاحية(باستثناء الصيد البحري). أمّا بالنسبة إلى الحليب فانّ إنتاجه بلغ في سنة 2014 ما يناهز 1.2 مليون طنّ من حليب البقر 26 ألف طن من حليب الأغنام مسجّلا في الحالتين سقفا يتناغم حسب الظاهر مع السقف الذي وصل إليه قطيع الأبقار والأغنام وهذا ما يفسّر لجوء البلاد إلى مواصلة توريد هذه المادّة التي لا تتجاوز قيمتها 2.4 من قيمة أهمّ الواردات الغذائية كمعدّل(باستثناء الصيد البحري). ومادمنا نتحدّث عن الميزان التجاري الفلاحي والغذائي وجب أن نقف قليلا عند أسباب عجزه لنشير أوّلا إلى أنّ الصادرات تغطّي نصف الواردات تقريبا كمعدّل في السنوات الأخيرة ولنشير ثانية إلى أنّ واردات الحبوب بأنواعها (القمح اللّين أوّلا ثمّ القمح الصلب ثمّ القطانيا ثمّ الشعير) تمثّل من ناحية القيمة أكثر من نصف الواردات الغذائية والفلاحية الجملية ولنشير ثالثة إلى أنّ الزيوت النباتية تمثّل 15 بالمائة كمعدّل من قيمة الواردات المذكورة مقابل 13.5 بالمائة للسكر ويتضح إذا أنّ هذه المواد تمثّل وحدها ما يفوق 35 بالمائة كمعدل من القيمة الجملية للواردات الفلاحية والغذائية وأنّها تشكّل بالتالي السبب الرئيسي والمهيمن والهيكلي لعجز الميزان التجاري الفلاحي.
أهمّ الموادّ الفلاحية الغذائية المصدّرة بمليون الدينار
2013 | 2014 | 2015 | 2016 | 2017 | |
زيت الزيتون | 820,2 | 490,2 | 1891,9 | 872,4 | 1009,4 |
التمور | 379,9 | 388,4 | 445,3 | 486,5 | 557,3 |
منتجات البحر | 223,7 | 231,5 | 262,3 | 270,9 | 357,3 |
قوارص | 19 | 21,8 | 23 | 24,7 | 21,1 |
أهمّ الموادّ الفلاحية والغذائية المورّدة بمليون الدينار
2013 | 2014 | 2015 | 2016 | 2017 | |
قمح صلب | 347.6 | 435.5 | 685.2 | 541.5 | 461.8 |
قمح لين | 550.6 | 505.6 | 500.7 | 473.2 | 576.1 |
شعير | 378.3 | 195.5 | 230.3 | 235.3 | 264.6 |
قطانيا | 381.2 | 395.5 | 409.7 | 427 | 520.8 |
بطاطا | 39 | 31.3 | 32.9 | 39.3 | 43.6 |
قهوة | 90,5 | 86,2 | 105,3 | 98,2 | 165,4 |
شاي | 20,4 | 19,7 | 17 | 15,9 | 35 |
لحوم | 52,2 | 43,4 | 32,5 | 8,6 | 23,4 |
حليب ومشتقاته | 79,4 | 80,9 | 51,5 | 52,1 | 99,2 |
زيوت نباتيّه | 459,9 | 389,2 | 383,9 | 397,8 | 632,8 |
سكر | 303 | 322,6 | 350,5 | 378,5 | 682,5 |
صوجا | 91,3 | 139,4 | 127,1 | 131,6 | 81,1 |
تبغ غير مصنع | 61,9 | 53,4 | 64,2 | 54,7 | 78,2 |
المصدر: المعهد الوطني للإحصاء
الحبيب التوهامي
- اكتب تعليق
- تعليق