عادل الأحمر: بــايعــهـا بــلفــتــة !
ما الذي جرى للعيّاش هذه الأيام؟ فكلّما حادثته في موضوع أبدى نحو حديثي عدم اهتمام، وكلّما أثرت معه قضية، سياسية كانت أم اقتصادية أو حتى رياضية، «يبعثني نقضي» بكـل أريحيّة، وهـــو الــذي في العـــادة لا ينتظر منّي إلا ربع كلمة، لينطق بالحكمة، وينطلق في سيل من التحاليل والتقييمات والأحكام، مهما كان موضوع الكلام، متحمّسا لأفكاره بحرارة، مؤيّدا رأيه بالحركات والإشارة.
لكن منذ مدّة لم أعد أراه إلا «مبلّم»، صامتا لا يتكلّم، وإن نطق فليستعوذ من الشيطان الرجيم، أو ليستغفر من الرحمان الرحيم، حتى اعتقدت أنّه أصبح من أشباه الزهّاد، وما أكثرهم اليوم في هذه البلاد! ومع ذلك فلم أيأس من صاحبي فكنت من حين إلى آخر «أبربشه»، لعلّي للحديث أجذبه، وللكلام أرجعه. وهذه عيّنات من محاولاتي لإعادة صديقي إلى الحياة.
أقول له: «من تتوقع أن يكون رئيس الجمهورية؟ يقال إنّ قصر قرطاج سيفتح هذه المرة لامرأة حديدية»، فيردّ عليّ: «امرأة من حديد أو شيخ من كرضونة، ماذا يعنيني يا صديقي إن كانت شهريتي مضمونة؟ وهل سيغيّر جنس الرئيس شيئا في حياتي؟ فبوزيد مكسي بوزيد عريان على مرّ الأشهر والسنوات».
أسأله عن حظوظ الأحزاب في الانتخابات التشريعية، فيجيبني بسخرية، مقلّدا شاعرا شعبيا «مصواب»: «اشنية الأحزاب؟ تحكي على كفتة ولا أكباب؟ أنا بصراحة ما نفرقشي، بين القرع والفلفل المحشي».
أحدثه عن الإصلاحات، هل بقيت حبرا على ورق أم تحوّلت إلى إنجازات، فيقول بكل ثبات: «لا يجعلها تصلحت ولا تقْادات! وكان تصلّحت لأمّاليها، أما أنا آش ما دخلني فيها؟». وعندما أطلب رأيه في الأحزاب الجديدة، وهل هي قادرة على تقديم إضافة مفيدة، يجيبني: «أنا لا أعرف من الأحزاب إلا حزب اللّطيف، بيه نتفرهد ونعمل ستة وستين كيف. أمّا البقية فليست من اهتماماتي، وكلّها تبيع في الكلام بالبتاتي».
وعبثا أحاول أن «أكركره» إلى مجال الاقتصاد، لأعرف ما يفكّره في أحوال البلاد: «ما قولك في الـــــ TMM؟ لقد كثر حوله الخصام»، فيقول لي مراوغا: «أنت تعرف جيّدا أني أخيّر البحتري على أبي تمّام»... نقطة ويوفى الكلام ، فأندم على سؤالي، ونحس روحي كيف البوهالي.
وأعود إلى السياسة فأسأل صديقي عن مستقبل التوافق، وهل هو حقّا نوع من التنافق، فيردّ عليّ في استهزاء: « أنا لا أتدخّل في شؤون الأزواج، وليس لي في ذلك مزاج، وربي يهنّي الناس جمليّة، إلي عرّس ولّي طلّق ولّي ناوي يخطب صبيّة»، ولا ينقص كلامه إلا تزغريطة، وزيطة وزمبليطة!
أحوّل الحديث إلى الرياضة مازحا: «هاو قالوا باش يلعبو السوبر في هونولولو»، فيجيبني: «خلّي لي يقولو يقولو، ويذا يحبو يلعبوه في المريخ، مبروك عليهم حتى نهاية التاريخ».
ولما سألته كيف يرى تونس في الأشهر والأعوام القادمة، تلقيت منه أكبر إجابة صادمة: «آما تونس لي تحكي عليها؟ أنا راني ما عادش فيها! عندي مدّة ملّي خشيت الخلاء، صحيح ترى فيّ قدّامك أمّا المخ موش هنا. وانت، يا صحبي، تعرف وحدك شكون خرّجني من عقلي و م البلاد، وشكون عيّفني في السياسة والرياضة والاقتصاد».
وقتها فهمت علاش صاحبي ولّي بايعها بلِفْتة، ولماذا أصبح لا يولي الشأن العام أي لَفْتة، وعلاش ولّى مبلّم وما يحبّش يتكلّم.
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق