أخبار - 2019.03.26

إطـلالـة على قمّتــي تـونــس العـربــيـتــيــن

إطـلالـة على قمّتــي تـونــس العـربــيـتــيــن

استضافت تونس منذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية سنة 1958 قمّتين عربيتين: الأولى من 20 إلى 22 نوفمبر 1979، والثــانية يومي 22 و23 ماي 2004.

وقد تميّزت القمة الأولى بالخطاب الذي القاه الرئيس الحبيب بورقيبة في افتتاح أعمالها، والذي أوضح فيه موقفه من اتفاقيات كامب ديفيد حيث قال: «وقد قيل لي مرّات: أنت صاحب نظرية المراحل فكيــف لا توافق على مرحليّة مخيم داود؟ لذا أرى لزاما عليّ أن أذكّر بما كنت أعلنته في اجتماع القمة الذي انعقد بالقاهرة سنة 1964، إذ فصّلت خصائص الحلّ المرحلي الصحيح وبيّنت الفرق بينه وبين الحلّ المرحلي المغشوش.

فالحلّ المرحلي الصحيح هو الذي يمكّن من فرض المبادئ التي من أجلها نكافح وإن بقي من حيث التنفيذ منقوصا فالمبادئ لا تهاون فيها ولا استسلام حتى لا تصبح الطريق مسدودة إلى بلوغ الاهداف المنشودة فإذا ما تمّ قبول المبادئ فإنّ التغلّب على ما يعترض تطبيقها من عقبات ممكن بالثبات والعزم طال الزمن أو قصر.
ورفعا لما قد يكون علق بالأذهان من التباس أريد أن أذكر أنّ الحلّ المرحلي الذي ناديت به لم تكن محاوره مدينة القدس ولا مرتفعات الجولان أو صحراء سيناء ولا كان موضوعه فلسطينيي غزّة ولا الضفة الغربية.

إنّ الدعوة التي جاهرت بها هي دعوة إلى الكفاح ضدّ الكيان الاسرائيلي في إطار الحدود التي كانت قبل حرب جوان 1967 قصد الحدّ من هذا الكيان وتقليص أوضاعه بالتدرّج الذي يفرضه تفاوت القوى وبالثبات واستمرار الكفاح حسب خطّة تربط المراحل بعضها ببعض دون أن نتنازل في أيّ مرحلة منها عن المبادئ التي لا تراجع فيها ولا استسلام.

والمهمّ اليوم هو أن نقتنع اقتناعا كاملا بأنّ محور الصراع بيننا وبين اسرائيل ليس في صحراء سيناء ولا في أيّ جزء من الاراضي المحتلة فصراعنا مع اسرائيل صراع مبادئ، وهو من نوع الصراعات التي للمبادئ فيها دور رئيسي، فلذلك لا يمكن بحال التنازل عن الحقوق المبدئية بتكريس الهيمنة الصهيونية والاعتراف لها بواقع الغزو. الحقيقة التي لا مراء فيها أنّ الصراع بين العرب والصهيونية ينبغي أن يعتبر صراعا حضاريا على أمد بعيد وبعيد جدّا ولا بدّ فيه من تخطيط واضح للعاجل وللآجل»...

أمّا القمة الثانية فقد شكّلت منعطفا مهمّا حيث تجاوبت قراراتها والوثاق الصادرة عنها مع تطلعات الأمة العربية إلى الاصلاح والتحديث، وحاولت دفع مسيرة العمل العربي المشترك بالحثّ على مراجعة أسلوب عمل الجامعة التي ترهّلت وتضخّمّت أجهزتها وتعدّدت لجانها بحيث أصبحت لا تحصى ولا تعدّ، وهو ما فاقم من قصورها عن تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.

وعلى العموم، يمكن القول إنّ هاتين القمّتين كانتا مميّزتين، من حيث:

أ - مَفْصَلية سياقيهما: حيث جاءت الأولى إثر تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية ونقل مقر الجامعة من القاهرة الى تونس، ردّا على إبرام القاهرة لاتفاقيات كامب ديفيد، بينما جاءت الثانية على إثر الزلزال الذي هزّ العالم العربي باحتلال العراق كما جاءت بعد الهزّة التي أحدثها صدور «تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002» الذي قام بإعداده برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، والذي رسم صورة مظلمة عن الوضع العربي، وأكّد أنّ المستقبل سيكون أسوأ من الحاضر ما لم يتم تدارك الأمور سواء من قبل الحكومات أو الشعوب.

ب - ريادية قراراتهما: حيث دعت القمّة الأولى، علاوة على القرارات السياسية التي اتخذتها فيما يتعلّق بتجديد الإدانة العربية لاتفاقيتي كامب ديفيد إلى «الإسراع بتعديل ميثاق الجامعة في اتجاه تقوية العمل العربي المشترك والعمل على إعادة بناء أجهزتها على أسس جديدة تكفل الفعالية والقدرة على التحرّك بما يخدم تنمية القدرة العربية الذاتية ويؤول إلى تحقيق الوحدة العربية»...  أمّا القمّة الثانية فقد أصدرت نصين هامين هما «إعلان تونس» و«وثيقة عهد ووفاق وتضامن بين قادة الدول العربية» بهدف «ضمان مستقبل أفضل للدول العربية وشعوبها، وتجنّب ويلات الفتنة والفرقة والتناحر»...

ج - جرأة التعاطي التونسي مع العمل العربي المشترك: وقد تجلّى ذلك في الخطاب وفي الممارسة، على غرار ما يظهر مثلا في إقدام تونس على إرجاء قمة 2004 التي كانت بدأت أشغالها على مستوى وزراء الشؤون الخارجية في شهر مارس 2004 إلى شهر ماي بسبب «تباين في المواقف حول بعض التعديلات والاقتراحات التي كان تقدّم بها الجانب التونسي حول مسائل يراها جوهرية وبالغة الاهمية بالنسبة إلى التطوير والتحديث والإصلاح في بلداننا العربية».

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.