الطاقة في تونس: لماذا لم نحافظ على الموجود؟
ترتكز الطاقة في تونس على المحروقات خاصّة والقطاع الطاقي هو أكثر القطاعات تأثيرا على التوازن الاقتصادي التونسي (يقدّر الخبراء أنّ زيادة دولار في سعر البرميل يحمّل المالية العمومية حوالي 80 مليون دينار، وأنّ كل ّتراجع في سعر صرف الدينار بعشرة مليمات مقارنة بالدولار، يحمّلها عبئاً اضافياً بعشرين مليون دينار) .كما يؤثّر سلبا على المجالات الحيوية المرتبطة به كالخدمات ونشاط شركات النقل والسياحة... وقد كان لتفاقم عجز الميزان الطاقي تداعياته السلبية على النموّ الاقتصادي وعلى المالية العمومية وأثّر ذلك على الميزان التجاري الذي تجاوز عجزه 19 مليار دينار خلال سنة 2018 (تدهور الميزان الطاقي يساهم بنسبة 65 بالمائة من تفاقم العجز التجاري). ويتجلّى ذلك في تقلّص إنتاج النفط الخام بنسبة 12%. كما تراجع إنتاج الغـــاز الطبيعـــي بنسبة 15% (إحصائيات 2016). وفي المقابل تطوّر الاستهلاك الوطني من المواد الطاقية وتمّ تسجيل زيادة في الطلب على الطاقة الأولية بنسبة 1.5% وارتفاع في استهلاك الكهرباء بنسبة 0.7%. وعموما تقلّص الإنتاج المحلي للنفط بنسبة 40 بالمائة، مقارنة بسنة 2010، ويعزى هذا العجز الطاقي إلى تراجع الأنشطة الاستكشافية بسبب انخفاض العدد الإجمالي لرخص الاستكشاف والبحث إلى 29 ثم 13 رخصة مقابل 37 في الثلاثي الأول من سنة 2015 و53 قبل ذلك. ولاحظ الخبراء في هذا الإطار أنّه لم يتمّ حفر أيّ بئر جديدة سواء كان ذلك للاستكشاف أو للتطوير..
ورغم أنّ الاخصّائيين يؤكّدون أنّ تلك هي إمكانيات البلاد لكن كان بالإمكان أن يكون مردود القطاع الاستراتيجي أفضل . فماهي المعوّقات التي تحول دون تطوير القطاع خاصّة وأنّ عدّة دراسات مستقلّة أكّدت أنّ الاتهامات بهدر طاقة البلاد من بترول وغاز من خلال سرقتها من الشركات العاملة في الحقول لا أساس له من الصحة ولا يرتكز على أيّ معطى كمّي مرتبط بحجم الإنتاج والاستهلاك؟
كان بالإمكان تحقيق الأفضل
يؤكّد لنا بعض الخبراء أنّه كان بالإمكان أن يكون القطاع أفضل لكن هناك معوّقات تحول دون تطويره منها:
- العوائق الإدارية كالشفافية في عقود النفط والحملات المنظّمة ضدّ العاملين في القطاع والاتهامات الموجّهة إليهم حول حوكمة القطاع وذلك منذ سنة 2011 ورغم الإجابات التي قدّمتها المؤسّسات العمومية فإنّ الثقة فيها من طرف مجموعات الضغط بقيت مهتزّة كما انتقلت العدوى إلى السياسيين الذين اهتزّت ثقتهم أيضا في الناشطين في القطاع.
- انخفاض طبيعي وتدريجي في مكامن البترول.
- تكلفة استخراج البترول العالية لأنّ هناك استكشافات تترك عندما يكون سعر البرميل عالميا متدنّيا.
- ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية ليفوق سعر برميل البرنت 80 دولار في أكتوبر 2018.
- تدهور قيمة الدينار التونسي مقارنة بالدولار الأمريكي
- عدم تجديد المخزون للتحكّم في الانخفاض الطبيعي. ويتمّ التجديد بتكثيف البحث والاستكشاف والتنقيب في مناطق جديدة أو في المناطق المستغلة . كما كانت القوانين تجدّد وتعطى امتيازات جبائية للشركات لاستغلال الحقول الصغيرة التي تكون جدواها الاقتصادية ضعيفة . كما لم يتم منح رخص جديدة وتحفيز للمؤسّسات.
- تعطّل رخص الاستكشاف التي تعرض وجوبا على لجنة برلمانية في مجلس نواب الشعب حسب ما جاء في الفصل 13 من الدستور.
- غياب رؤية استراتيجية على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد لأنّ قطاع الطاقة هو قطاع استراتيجي له انعكاسات هامة على التنمية الاقتصادية والبشرية والأمن والسياسة.
- تخفيض إيطاليا وارداتها من الغاز الجزائري منذ سنة 2010 ممّا خفّض من العائدات المالية التي تعود إلى تونس.
- مغادرة بعض الشركات الأجنبية المستثمرة في القطاع تونس ومنها من خفّضت نشاطها بسبب التحركات الاجتماعية التي تطالب بالحق في ثروة غير موجودة.
- المناخ الاقتصادي والاجتماعي لا يشجّع على الاستثمار.
حذف وزارة الطاقة وبعد؟
أمّا أكبر تساؤل مطروح اليوم هو كيف يمكن أن تحلّ وزارة تعنى بقطاع استراتيجي هو الطاقة ويُعزل جلّ مديريها في حركة اعتبرها بعض الخبراء ارتجالية؟ وإذا كان قطاع الطاقة استراتيجيا فلماذا يتمّ التعامل معه بهذه الصورة؟ وتحذف الوزارة برمّتها؟ وهل يمكن اليوم لوزارة الصناعة والمؤسّسات الصغرى والمتوسّطة أن تسيّر هذا القطاع بالتوازي مع مشاكل قطاع الصناعة؟. وكيف يُلغي قطاع استراتيجي بكلّ المقاييس شُرع فيه في تنفيذ مشاريع جديدة في الطاقات البديلة والمتجدّدة؟ ولماذا لم يتم تغيير الوزير والإبقاء على الوزارة لمواصلة برامجها؟ لكنّ الملاحظ أنّ ملفّ الطاقة مر ّعليه 4 وزراء من كفاءات تونس في المجال منذ سنة 2014 هم كمال بن ناصر ومنجي مرزوق وهالة شيخ روحه وخالد قدور وبالتالي هل يمكن أن نتحدّث عن قطاع استراتيجي تتمّ فيه تلك التغييرات المتلاحقة؟ هي أسئلة تطرح لكن ليس لدينا إجابات عنها.
خالد الشابي
قراءة المزيد:
من خفايا الطاقة في تونس: ما حقيقة الثـروة البترولية والغازية المهدورة؟
- اكتب تعليق
- تعليق