أدب وفنون - 2019.01.31

مــحــمّــد عـبــد الـكـافــي فـارس الــدرامـا التــلـفــزيّـــة

مــحــمّــد عـبــد الـكـافــي فـارس الــدرامـا التــلـفــزيّـــة

رحل صبيحة يوم الأحد 6 جانفي 2018 رجل الإعلام والثقافة الأستاذ محمّد عبد الكافي، فخلفت وفاته في قلبي وفِي قلوب ذويه وأصدقائه وزملائه شديد اللوعة والأسى. جمعتني بالفقيد في البداية علاقات مهنية سرعان ما تحوّلت إلى صداقة متينة لم تنقطع أواصرها إلى آخر حياته، قوامها محبّة خالصة واحترام متبادل.

عملنا جنبا إلى جنب في مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية من 1992 إلى 1997 لمّا كنت مديرها العام وقد جاء من صفاقس، حيث كان مدير إذاعتها الجهويّة، ليضطلع بمهامّ مدير التلفزة الوطنية.

شغف الفقيد بالمسرح وهو طالب يعدّ للإجازة في اللغة العربية وآدابها بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بتونس فكانت له إسهامات قيّمة في نشاط مركز المسرح الجامعي، إلى جانب ثلّة من المسرحيين الشبان الذين سيكون لهم شأن عظيم في تجويد المنتوج المسرحي التونسي كتابةً وإخراجا وتمثيلا من أمثال محمد إدريس وعبد الرؤوف الباسطي ومحمّد المديوني ورؤوف بن عمر والحبيب الشّعبوني. دفعه ولعه بالمسرح إلى الالتحاق بالتلفزة التونسية في سنة 1969 رئيسا لمصلحة الدراما بها وقد وجد فيه الأستاذ حسن العكروت مدير البرامج ومساعده المرحوم محمد المغربي آنذاك خير من يُعتمد عليه لإدراج أجود الأعمال الدرامية ضمن الشبكات البرامجية للتلفزة الناشئة فقام بالمهمّة على أفضل وجه.

عاد محمّد عبد الكافي في سنة 1976 إلى مسقط رأسه مدينة صفاقس ليعمل في إذاعتها الجهويّة رئيسٓ مصلحة ولمّا اتَّخَذ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة قرارا بإنشاء إذاعة جهويّة بالمنستير كان الأستاذ محمّد عبد الكافي من ضمن الفريق الذي أشرف على تأسيس الإذاعة ووضعِ شبكاتها البرامجية، إلى جانب المرحوم محمد قاسم المسدي مدير إذاعة صفاقس والمنستير بالنيابة إلى أن عيّن مديرا لهذه الإذاعة في سنة 1980. وطوال السنوات الأربع التي قضّاها على رأسها سعى جاهدا إلى تعزيز مكانتها في المشهد الإعلامي التونسي ومنذ ذلك الحين عرفت هذه الإذاعة تطوّرا متناميا مكّنها من التألّق وتوسيع دائرة مستمعيها.

ومن سنة 1984 إلى سنة 1992 تولّى المرحوم محمّد عبد الكافي إدارة الإذاعة الجهويّة بصفاقس التي ازداد حجم بثّها في عهده وأنتجت برامج في شتّى الأغراض جلب لها اهتمام المستمعين بفضل نخبة متميّزة من المنشّطين والصحافيين والمثقفين في الجهة.

عندما تقرّر إجراء تغيير على رأس التلفزة الوطنية في سنة 1992 أشهرا بعد اقتحامها مجال البثّ الفضائي، رأيت في المرحوم الأستاذ محمّد عبد الكافي خير من يتولّى المسؤولية لما خبرته فيه من كفاءة واستقامة وقدرة على التسيير، فضلا عن تجربته المهنية الواسعة. التقينا حول رؤية مشتركة للنهوض بمختلف أغراض الإنتاج التلفزي فانصرف سي محمّد بهمّة وعزم لا يلين إلى العمل من أجل تكثيف حضور الدراما والبرامج الوثائقية في الشبكات البرامجية للتلفزة الوطنية مع حرص دؤوب على ألا تخلو من «جرعة ثقافية يومية» إلى جانب الارتقاء بمستوى المنوعات وبرامج الخدمات والحوارات.

ويعود الفضل للفقيد في دفع الإنتاج الدرامي التلفزي الوطني ففي عهده أمكن إنجاز أعمال لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا ولا تزال التلفزة الوطنية تعيد بثّها إلى يومنا هذا ومنها مسلسلات «وردة» و»العاصفة» و»غادة» و«الخطاب على الباب» (جزآن). وعلاوة على مهامّه الإدارية كان الأستاذ محمّد عبد الكافي كاتب سيناريو مُجيدا وقد بثّت التلفزة التونسية في الثمانيات مسلسل «يحي بن عمر» الذي كتب نصّه بالاشتراك مع الأستاذ فرج شوشان. كما كتب سيناريو مسلسل «باب الأقواس» الذي اقتنته التلفزة الوطنية بعد رحيله عنها وكم كان يتمنّى أن تتولّى إنتاجه. لم تفرقّ الأيام بيننا حتّى لما التحق في سنة 1999 بتلفزيون الشارقة مديرا للبرامج وقد قضّى في الإمارات العربية ثلاث سنوات قبل أن يحال على شرف المهنة.

ترجّل الأستاذ محمد عبد الكافي لكنّه ترك الذكر الطيب والأثر الجليّ في كلّ محطّة من محطّات مسيرته المهنية الزاخرة بالعطاء فالكلّ يشهد له بالجدية في العمل ودماثة الأخلاق ونقاء السريرة والوفاء لأصدقائه وخلّانه وإخلاصه وتفانيه في خدمة وطنه..

عبد الحفيظ الهرقام

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.