يوميّات مـواطن عيــّاش: تحيا التكنولوجيا !

يوميّات مـواطن عيــّاش: تحيا التكنولوجيا !

مررت اليوم على العيّاش في منزله، أسأل عن أحواله، فإذا بي أجده قد حوّل مستودع السيارة، إلى محلّ للتجارة، كتب على واجهته: «آخر الصيحات الإلكترونية في الثورة التونسية»، فدفعني الفضـــول، وبـــادرت بالدخــول، لأعرف سرّ هذه التسمية الغريبة، وما يخفي العيّاش وراءها من أفكار عجيبة.

ولم يلبث أن زال العجب، بعد أن بان السبب، إذ شرح لي العيّاش أنّه فتح هذا الدكان، لترويج اختراعات بعض من الباحثين الشبان، الذين لهم في التكنولوجيا باع، وفي الإلكترونيات ذراع، فقرّروا توظيف هذه الكفاءات، في البحث عن حلول ومخرجات، لما خلّفته ثورتنا المجيدة من آثار سلبية ومشكلات، في حياة المواطنين والمواطنات.

قلت: «ألا تقدّم لي أمثلة عن هذه المخترعات ؟»، فأجابني العياش وهو يشير، إلى جهاز صغير، يكاد من الكفّ يطير: «هذه آلة ذكية، مرتبطة بالأقمار الصناعية، تدلّك على الطرقات التي ليس فيها اعتصامات، وعلى المدن الخالية من المظاهرات، فتسلك طريقك بأمان، لا يعطّلك إنس ولا جان»، قلت: «وما تلك اللوحة الجدارية ؟ لكأنّها سبورة إلكترونية»، فقال العيّاش: «أجل، إنّها لوحة إلكترونية، لكنّها ليست للتعليم أو محو الأمية، بل تشير – عند الطلب-  إلى المحلات التجارية، التي توجد فيها بقايا ألبان تونسية، بعد أن اختفى الحليب أو يكاد من الأسواق المحلية».

ثمّ قال العياش: «وليكن في علمك يا صديقي أنّنا نوفّر – حسب الطلب - كلّ الحلول الفردية، إذا لم يجد الحريف ضمن بضاعتنا الجهاز المناسب لحالة معيّنة أو لأيّ قضيّة»، فقلت: «أنا شخصيا لديّ مشكلة مع الحوارات السياسية، التي أشاهدها على القنوات التلفزية»، قال العيّاش: «وما مشكلتك يا صديقي الهمام؟»، قلت: «لا أعرف من الصادق ومن الكاذب في الكلام، بين وزير يستعرض إنجازاته ويدعّمها بمعطيات إحصائية، ومعارض يؤكّد فشل الحكومة وخلوّ إحصاءاتها من المصداقية». قال العياش: «هذا أمر يسير، وليس على التكنولوجيا بعسير، وسوف أوفّر لك جهازا لكشف كذب السياسيين، تربطه بتلفازك فيرسل إشارات صوتية في الحين، كلّما صدرت عن  سياسي كذبة أو أكذوبة». قلت: «هذا والله اختراع أعجوبة، لكنّي أخاف ألاّ تنقطع الإشارات طالما تكلّم المتدخّلون والمتدخّلات، بحيث لا يبقى من خطابهم إلاّ القليل، إذا تمادى الجهاز دون انقطاع في الإشارة إلى الكذب والتدجيل».

وبعد صمت، أضفت: «طيّب، إذا حسمت قضيتي مع الكذّابين، فكيف أفعل مع المكذّبين الرسميين، الذين يظهرون في اليوم عشر مرّات، ليكذّبوا أخبار الجرائد والإذاعات وما سمعتهم مرّة يقدّمون معلومة جديدة، أو جملة مفيدة، بل ليس لديهم إلا إسطوانة وحيدة، شرخت من كثرة التكرار، واستعمالها «ليل نهار»: هذا غير صحيح، هذا غير صحيح، هذا غير صحيح ...؟».

قال العيّاش: «لا عليك يا رجل، سوف أجد لك الحل: تضيف إلى الجهاز قطعة بسيطة، تكذّب  المكذّب إن لم يكن على حقيقة، فيطول أنفه مثل ماجد». «قلت: «ومن ماجد ؟»، قال: «ماجد اللعبة الخشبية، بطل الصوّر  المتحرّكة التلفزية، والذي كلما زاد حجم كذبه، زاد طول أنفه».

قلت: «حسنا، سأشتري منك جهاز كشف الكـذب والكذّابين ولكــن ما العمل مع المضاربين؟ وهل لديك ضمن آلاتك الذكية، آلة لتخفيض أسعار المواد الغذائية؟». قال: « طبعا، عندي مسدّس يعمل بالكهرباء، يقنع الباعة بترك الغلاء، فيكفي أن تشهره على من شئت من التجّار، حتّى ترى الأسعار في لحظة تنهار».

وشعرت فجأة بأن أمرا في حواري مع العيّاش تجاوز المعقول، وتلعثم لساني ولم أعد أعرف ما أقول، ثمّ غشت عيني غمامة سوداء، تبعها شعاع ضياء، فإذا بي أجد نفسي غارقا في أريكتي أمام  التلفزة، وقد أخذ منّي النّعاس مأخذه، بينما المشاركون في الحوار متشابكون بالأيادي، والمذيع يفصل بينهم وهو ينادي: «وسعوا بالكم يا ولادي...وسعوا بالكم يا  ولادي».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.