استخلاصات من قصة النجاح التركي في القارة السمراء
بعد أن تحدثت في الورقات الأربع السابقة عن بعض أسرار قصة النجاح التي استطاعت تركيا، في زمن يعتبر وجيزا، أن تسطّرها في القارة السمراء، والتي تمكنت بفضلها أن تتموقع في العديد من دولها، أريد في هذه الورقة الخامسة والأخيرة أن أتطرق إلى جملة من الاستخلاصات التي خرجت بها من متابعتي لفعاليات منتدى الاقتصاد والاعمال التركي الإفريقي الثاني.
وتتمثل أهم هذه الاستخلاصات فيما يلي:
1/ أنّ الذهاب إلى إفريقيا يتطلب وضع استراتيجية، أو على الأقل، خطة عمل متكاملة الأبعاد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية وحتى الأمنية والعسكرية، عند الاقتضاء.
2/ أنّ المزاوجة بين التنظير والتطبيق أمر ضروري، ذلك أنّ الإرادات والقناعات الباعثة على الفعل تنشأ في الذهن والوجدان قبل أن تحرك السواعد من أجل تجسيمها على الأرض.
3/ أنّ المشتركات التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية والحضارية عموما، مع القارة الافريقية تشكل مزايا يمكن أن تسهم، إن أُحْسِنَ توظيفها، في تيسير بناء جسور التواصل والتعاون والشراكة مع دولها.
4/ أنّ المدركات الإيجابية عن بلاد ما، أو إن شئنا صورتها الجيدة في عيون الشعوب الافريقية، يمكن أن تساعد على تحقيق التفاعل المنشود معها على مختلف المستويات...
5/ أنّ التحرك السياسي، على أعلى مستوى، في اتجاه القارة الافريقية، ثنائيا وعلى الصعيد متعدد الأطراف ينبغي، أن يتسم بالمثابرة والتواصل، وهو ما يتطلب قيادة مؤمنة بالتوجه نحو إفريقيا وفي نفس الوقت قادرة على الترحال المستمر إلى دولها...
6/ إنّ المهمات المتقطعة والمعزولة في القارة الإفريقية لا يمكن أن تحقق النتائج المرجوة منها، وهي في الواقع إهدار للوقت وللمال، لأنّ الدخول الى الأسواق الافريقية يحتاج الى الكثير من المثابرة والمواظبة.
7/ أنّ التوجه نحو إفريقيا ينبغي أن يكون جزءا من اهتمام عالمالاقتصاد برجال أعماله ومستثمريه ومقاوليه وأصحاب شركاته، وفي نفس الوقت من اهتمام الجامعات والمؤسسات الاكاديمية ومراكز الدراسات والبحوث والمجتمع المدني وحتى عموم المواطنين...
8/ أنّ تغيير النظرة الخاطئة إلى القارة السمراء بات أمرا حتميا، فهذه القارة لم تعد موطئا للفقر والمرض والجهل، كما يتصور البعض، وإنما هي اليوم، كما يؤكد خبراء المال والأعمال، من أكثر المناطق جذبًا للاستثمار في العالم، ولذلك باتت العديد من مناطقها ودولها قبلة للقوى الدولية والإقليمية الصاعدة الباحثة عن فرص استثمارية جديدة وواعدة. (إنّ افريقيا الغنية بثرواتها الخام الظاهرة والكامنة، تضم اليوم أسرع عشرة اقتصادات نامية في العالم، وهي تحتاج سنويا ومن هنا إلى سنة 2020 إلى 93 مليار دولار لتلبية خططها الاستثمارية في البنية التحتية، غير أنها لا تستطيع أن توفر منها ذاتيا سوى نحو 31 مليار دولار، ومعنى ذلك أن بحاجة الى نحو 62 مليار دولار سنويا من الاستثمارات الخارجية).
9/ أنّ السوق الإفريقية ليست حكرا على الشركات الكبرى كما يتوهم البعض، وانما هي مفتوحة أيضا للشركات الصغيرة والمتوسطة وهذا ما تثبته تجربة تركيا التي تضطلع مقاولاتها بإنجاز مشاريع متنوعة تترواح بين بناء المساكن وتشييد السدود وإقامة المطارات...
ومعنى ما تقدم أنّ تونس، وإن كانت لا تقارن بتركيا العضو في مجموعة العشرين والتي يتجاوز عدد سكانها 80 مليون نسمة ويبلغ دخلها القومي ما يناهز ثلاثة أرباع تريليون دولار، ويقدر حجم تجارتها الخارجية بـ 300 مليار دولار سنويا، تستطيع أن تجد لها مكانا في افريقيا شريطة أن تتوفر لها إرادة حقيقية في ذلك، وأن تشعر بأنها جزء لا يتجزأ من افريقيا، وأن تدرك فعلا أنّ إفريقيا هي أرض الفرص الواعدة.
والأمر المؤكد أنّ لكل مجتهد نصيبا، ولو اجتهدت تونس وفقا لخطة مرسومة بدقة لاستطاعت أن تسطر قصة نجاح حقيقية شبيهة بقصة نجاح تركيا في إفريقيا.
ولكن وفي الانتظار فإنني أسجل أنّ حضور تونس في منتدى الاقتصاد والاعمال التركي الثاني كان باهتا ولا يتماشى مع خطاب الحكومة ولا رجال الاعمال عن افريقيا، ولولا مشاركة كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسي "كونكت" لكانت تونس غائبة تماما...
محمد إبراهيم الحصايري
قراءة المزيد
حديث الاقتصادي ودوره في تعزيز الشراكة التركية الإفريقية
في أهمية الخطاب السياسي التركي المُوَجَّه إلى القارة الإفريقية
منتدى الاقتصاد والأعمال التركي الإفريقي الثاني (1 من5): في أهمية التساند بين السياسي والاقتصادي
البعد الديني في الشراكة التركية الإفريقية بين الحضور والغياب
- اكتب تعليق
- تعليق