حكمة الشعر ببيت الحكمة
ما الحكمة من الشعر؟ هل للشعر علاقة بالسّحر والدين؟ أين تتجلى ضرورة الشعر؟ أيّ معنى للحديث عن النجاعة في مجال الفنون؟ كيف يسهم النص الشعري في تطوير اللغة؟
إجابة على هذه الأسئلة نظّم مؤخّرا قسم الآداب بمجمع بيت الحكمة أمسيّة أدبيّة، قدّم خلالها أستاذ الشعر العربي وإنشائيّة الشعر مبروك المنّاعي محاضرة عنوانها ضرورة الشعر، موضّحا البعد الوظيفي للنص الشعري عبر التاريخ، إذ ارتبط برأيه في الحقب القديمة بقضايا ميتافيزيقيّة مدارها "السّحر والدين.. منفتحا على الغيب"، لذلك اضطلع الخطاب الشعري آنذاك بوظائف سيكولوجيّة وأنطولوجيّة بالأساس، لأنّه إنتاج للمعنى وتبرير لمعيش قائله ومتلقيه. إنّه الموقف الذي أجمعت حوله جل المدارس الفكريّة بشأن مهام الأشكال التعبيريّة الفنيّة، حيث يشدّد الشاعر والفيلسوف اليوناني القديم لوكراس على أنّ الدين والفنون والأساطير صيغ تعبيريّة ناجعة طالما تضطلع بوظائف نفسية ووجوديّة، بل يذهب التحليل الفرويدي إلى ما هو أقصى مؤكّدا استحالة القطع مع هذه الضروب التفسيريّة للعالم وإن حقّقت العلوم أقصى النجاحات الإيبستيمولوجيّة، لأنّ أسئلة المعنى ومحن الموت وأرق الأسئلة الوجوديّة لا تستوعبها مخابر التشريح العلمي ومعادلات الرياضيات، فهي تبحث عن "وهم يحيي أفضل من حقيقة تميت" بلغة نيتشة. كذا هو حضور الإنسان في العالم المشروط حسب المحاضر برؤى شعريّة "لترويض الموت... وتهذيب النفوس" إنّها رؤى غير قابلة للتغييب بناء على البعد الوظيفي، ففي هذا السياق يستشهد الأستاذ مبروك المناعي بعبارة "الحاجيّ" لابن خلدون. وعليه تنكشف ثغرات العلمويين المعتقدين في قدرة الفكر الوضعي على القطع المطلق مع الميتوس في حين أنّ المعارف محكومة بالتعايش اللولبي وفقا لتصنيف جون بياجي نظرا لطبيعة الكائن الإنساني ككائن متسائل على دوام والكوسموس المجدّد للأسئلة حوله باستمرار. باختزال شديد تتنزّل الحاجة إلى الشعر كما ورد في المحاضرة ضمن حاجات الإنسان الكبرى، وبتجدّد هذه الحاجات تتجدّد أشكال النصوص الشعريّة.
- اكتب تعليق
- تعليق