قرار اعتبار تونس ملاذا ضريبيا : من المسؤول ؟
كان لقرار الاتحاد الأوروبي إدراج تونس ضمن قائمة سوداء تشمل 17 ملاذا ضريبيا وقع الصدمة في الأوساط الرسمية والشعبية في البلاد. هذا القرار الذي اعتمده يوم الثلاثاء 5 ديسمبر الجاري 28 وزير مالية أوروبي خلال اجتماع عقد ببروكسيل، أثار الاستياء والاستغراب، وفق بيان أصدرته وزارة الشؤون الخارجية، لا سيّما وأنّه اعتبر تونس ضمن بلدان "تقرّ أنظمة ضريبية تفاضلية سيئة ولم تبد انخراطها لتغييرها أو إبطالها"، في حين أنّها، كما أكّده البيان، "كانت قدّمت للمصالح الفنية للاتحاد الأوروبي كافة البيانات والتوضيحات المتعلقة بمطابقة المنظومة الجبائية التونسية لمبادئ "مدونة السلوك" الأوروبية في المجال الجبائي. وأقرت ذات المصالح بتطابق هذه المنظومة مع قواعد الشفافية". ما من شكّ في أنّ هذه القرار من شأنه أن يسيء لسمعة تونس وأن يعرقل جهودها الرامية إلى دعم انتعاش اقتصادها.
وبات جليّا اليوم أنّ هذا القرار كان بالأساس نتيجة تقصير وسوء تقدير من دوائر رسمية تونسيّة في التعامل مع مسألة كانت في نظرها "فنيّة" في حين أنّها سياسية في جوهرها، فتأخرت في الردّ على أسئلة الاتحاد الأوروبي ولم تعر الموضوع الاهتمام اللازم. ولم يبق أمام تونس اليوم سوى التقدّم بطلب لإلغاء هذا القرار وعرض ملفّ متكامل على الاجتماع القادم لوزراء المالية الأوروبيين يوم 23 جانفي القادم. ولكن لنفهم ما الذي جرى ونتبيّن سبل الخروج من الأزمة.
تذكير بالسياق
منذ جانفي الماضي دعا الاتحاد الأوروبي 92 دولة إلى تقديم بيانات بخصوص ما اتخذته من إجراءات لمقاومة التهرّب الجبائي وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وكان على تونس تقديم ردودها في أسرع الآجال وقد تعاملت العديد من الدول مع المسألة ببالغ الجدية وأرسلت البيانات المطلوبة إلى الاتحاد الأوروبي.
وحملت قضية وثائق بانما بالخصوص الاتحاد الأوروبي على مطالبة دول نُسب إليها قلة الشفافيّة بالإفصاح عن خططها في المجال الضريبي. ومنذ شهر نوفمبر الماضي وعد بيار موسكوفيتشي المفوض الأوروبي المكلّف بالجباية أمام البرلمان الأوروبي بسترازبورغ بضرب المتهرّبين من الأداءات وكذلك الملاذات الضريبية. فهل أخذت البلدان المعنية على محمل الجدّ هذا التحذير؟ وهل أبلغت الاتحاد الأوروبي الردود المطلوبة والالتزامات التي أقرّتها؟ ولئن تفادى المغرب والرأس الأخضر قرار الاتحاد الأوروبي فإنّهما أدرجا بقائمة رمادية تشمل47 دولة، ممّا يعني أنّهما تحت المراقبة. فلماذا وقعت تونس في الفخّ ؟
ردّ متأخّر
علمت ليدرز من مصدر مطّلع في بروكسيل أنّ الردّ التونسي لم يبلغ إلى الاتحاد الأوروبي إلا مساء يوم الإثنين 4 ديسمبر، أي عشيّة اجتماع وزراء المالية، وبالتالي لم يقع رفض الردّ، كما هو شأن بانما ودولة الإمارات العربية المتحدة " اللتين أرسلتا تعهدات جديدة في آخر لحظة". ولم يكن بالإمكان تجنّب هذه العقوبة التي رأت فيها " مصادر قريبة من الحكومة " مؤامرة ضدّ تونس، وذلك للتستّر عن التقصير، وليس لهذا الموقف ما يبرّره.
من المسؤول؟
وغنيّ عن القول إنّ ما كان مطلوبا من تونس واضح جليّ وحتى لو لم يتسنّ تقديم أجوبة ضافية شافية، كان بالإمكان عرض تصوّرات أولية والتزامات مبدئية مع رزنامة دقيقة للتنفيذ. فكيف نفسّر هذا التأخير في إبلاغ هذه الالتزامات إلى الاتحاد الأوروبي؟ فمن المسؤول عن ذلك : هل هي وزارة المالية، أم وزارة التجارة أم وزارة التنمية الجهويّة والاستثمار والتعاون الدولي؟ هل دقّت وزارة الشؤون الخارجية ناقوس الخطر للفت نظر "الوزارات الفنية" إلى هذا التأخير؟ وماذا عسى أن تفعل سفارتنا في بروكسيل في غياب وثائق صادرة من تونس؟ تتعدّد التساؤلات ولكن لا شيء يبرّر هذا التقصير وهذا الخلل، ممّا يدعو إلى التفكير في تكليف وزارة الشؤون الخارجية بالاهتمام بكلّ الجوانب المتعلقة بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
التدارك
بعد الصدمة، تعمل الحكومة على التعاطي مع الأزمة وإيجاد الحلول لها. ومن أندونيسيا حيث يحضر منتدى بالي ، يسعى وزير الشؤون الخارجية خميّس الجهيناوي إلى تدارك الأمر بتكثيف الاتصال بأصدقاء تونس في أوروبا وفِي الاتحاد الأوروبي والتنسيق مع زملائه في الحكومة لمواجهة هذا الوضع.
وفِي هذا الإطار يحرص يوسف الشاهد على إعداد ردّ ضاف من تونس وإرساله في أسرع وقت ممكن إلى الاتحاد الأوروبي، حتى ينظر فيه وزراء المالية في اجتماعهم القادم يوم 23 جانفي 2018.
ومن ناحيته، يكثّف مندوب الاتحاد الأوروبي في تونس باتريس بارقاميني اتصالاته بالحكومة وبالسفارات الأوروبية وبوسائل الإعلام لشرح أبعاد هذه المسألة والإمكانيات التي تظلّ متاحة أمام تونس لتجاوز الإشكال القائم.
قراءة المزيد
منظمة الأعراف تدعو الحكومة إلى التدخّل العاجل إثر إدارج تونس ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية
- اكتب تعليق
- تعليق