منير يوسف مقني: لا داعي لتهويل الأخطاء الطبية في تونس
من الأطراف المعنية بظاهرة الهفوات والأخطاء والحوادث الطبية المجلس الوطني لعمادة الأطباء التونسين الذي أدلى رئيسه الدكتور منير يوسف مقني حديث لمجلة ليدرز العربية جاء فيه:
كثر الحديث في الأشهر الأخيرة عن ازدياد مطّرد لضحايا الأخطاء الطبية التي قدّرها البعض بسبعة آلاف حالة سنويّا. فهل نحن بحقّ اليوم إزاء ظاهرة مفزع؟
لا أحد ينكر وجود أخطاء وحوادث طبيّة في تونس ولكنّها تقع بشكل محدود وهي ظاهرة لا يخلو منها بلد من البلدان، حتّى تلك البلدان التي تُعرف بتقدّم العلوم الطبيّة فيها. في كلّ الأعمال الطبيّة هنالك نسبة مئويّة من الأحداث الطبيّة وأحيانًا من الأخطاء الطبيّة. هناك أخطاء فادحة، كاستئصال الكلية السليمة عوض الأخرى المريضة أو بتر السّاق السليمة عوض السّاق الحاملة لورم، ومثل هذه الأخطاء نادرة وتعدّ على أصابع اليد الواحدة، لذلك يجب اجتناب التّضخيم والتّهويل. تجدر الإشارة أوّلا إلى أنّ النمط العام للمرضى في تونس قد تغيّر خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فمع ارتفاع معدّل أمل الحياة أصبحت أدقّ العمليات الجراحية، ومنها العمليّات على القلب المفتوح، تُجرى على شيوخ تتجاوز أعمارهم في بعض الأحيان التسعين سنة، والمجازفة في مثل هذه الحالات أضحت أمرا ممكنا بفضل تطوّر التقنيات الجراحيّة و تقنيات التّخدير والإنعاش، وكلّما تعاظمت المخاطر تنامت إمكانيّة ظهور حوادث طبّية.
هل لديكم إحصائيات بشأن الأخطاء والحوادث الطبية؟
تتلقّى العمادة شكاوى من مواطنين ضدّ أطباء يعتبرونهم مسؤولين عن أخطاء وحوادث طبية، في حين يفضّل آخرون رفع دعوى إلى القضاء مباشرة. ويحصل أن تكون الشّكاوى صادرة عن مؤسسة عموميّة أو خاصة أو عن طبيب يتظّلم من زميل له.
لا ترى العمادة ضيرا في أن يرفع المتضرّر من الخطأ الطبي دعوى قضائية فذلك حقّ من حقوقه، والقضاء هو الذي يقرّ الخطأ من عدمه بناء على معطيات علمية وتقارير يعدّها فريق الخبراء، والقاضي هو من يحدّد نسبة السقوط البدني ومبلغ التّعويض عن الضّرر.
وفي ما يلي كشف عن الشّكاوى التي نظرت فيها العمادة من سنة 2009 إلى سنة 2016:
لكن هذه الإحصائيات هي عامّة ولا تخصّ الأخطاء الطبيّة؟
لنا مشكل في إحصاء الأخطاء الطبية، إذ ليس لدى العمادة ولا أيّة مؤسّسة حكوميّة أو غير حكوميّة سجّل وطنيّ تدوّن فيه كلّ الأخطاء الطبّية. ولكن إلى جانب العمادة، هناك مصادر أخرى لا بدّ من مراجعتها للحصول على بيانات بشأنها وهي المحاكم ومصالح الطبّ الشرعي في حالة الوفاة ومصالح التفقّديّة الطبيّة بوزارة الصحة. ولا بدّ من أنّ نقرّ بصعوبة تحديد منهجيّة علميّة للقيام بالإحصائيات الصّحيحة، انطلاقا من مصادرها المختلفة. نحن نعتقد أنّ ما يذكر من أرقام في تونس وحتّى في بلدان أخرى حول هذا الموضوع ليس سوى تقديرات (projections) مبالغ فيها. كما أنّ اعتماد إحدى الجمعيات على موقعها الإلكتروني لحصر الأخطاء الطبية من خلال المبلّغين عنها لا يمثّل وسيلة ذا وثوقية عالية، إذ يمكن أن يُبلّغ عن نفس الخطأ أكثر من مرّة ويبلّغ عن المضاعفات والأحداث الطبّية على أنّها أخطاء طبّية.
أثار مشروع القانون المتعلّق بحقوق المرضى وطرق التّعويض عن الأضرار الناجمة عن الحوادث الطبية والأخطاء الطبية غير القصدية جدلا لدى قطاع من الرأي العام الذي اعتبر أنّ هدف هذا المشروع جاء لحماية الأطباء. ما تعليقك على هذا؟
في واقع الأمر الغاية من مشروع القانون هذا والذي طالما انتظرناه هو التعويض للمتضرّرين من الأخطاء والحوادث الطبية، وليس حماية الطبيب كما تروّج لذلك بعض الأطراف التي تحثّ على شيطنة الأطبّاء. تشارك العمادة في أعمال اللجنة المكلّفة بصياغة المشروع إلى جانب أطراف أخرى (وزارة العدل، وزارة الصحة، وزارة الماليّة، الجامعة التونسيّة لشركات التأمين، النقابات...) من بداية 2016 وقد تعهّدت وزارة الصحة أخيرا بعرض المشروع في غضون شهرين على مجلس الوزراء قبل إحالته إلى مجلس نواب الشعب حيث تلقّينا وعودا من لجنة الصحة والشّؤون الاجتماعية لبذل مجهودات إضافيّة للنظر فيه مع لجنة التشريع بمجلس نوّاب الشعب قبل عرضه على الجلسة العامة للمصادقة عليه في أقرب الآجال. هناك بعض القضايا المتعلّقة بأخطاء طبية قد تبقى من اختصاص الدوائر الجزائية، وفي ما عدا ذلك، فإنّ مشروع القانون يقرّ نظام الصلح بين المتضرّر من جهة، والطبيب أو المؤسسة الاستشفائية من جهة أخرى. ويُمنح للمتضرّر كامل الحريّة في اختيار المسلك الذي يراه مناسبا: المسلك القضائي ويمكن أن يستغرق مسار القضية سنوات أو مسلك التسويّة الرضائيّة، وهو الأقلّ تعقيدا وهو يسمح بالتعويض للمتضرّر أو أولي الحقّ. وهذا النظام متّبع في فرنسا منذ سنة 2002، حيث أحدث ما يسمّى «الديوان الوطني للتعويض عن الحوادث الطبية». ويهمّ مسلك التسويّة الرضائيّة القطاعين العام والخاص. فإن اختار المتضرّر أو أولي الحقّ هذا المسلك فإنّه بالإمكان الحصول على التعويض في غضون أشهر، وإن تمّ اختيار التقاضي في الدوائر المدنيّة أو الجزائيّة، فإنّ الأمر يتطلّب سنوات.
بهذا القانون عند إقراره سنتّجه حتما نحو التعويض عن مضاعفات التدخّل الطبّي والأخطاء الطبية. ويدور حاليّا نقاش حول آلية التعويض. وقد يُحدث صندوق للغرض يديره هيكل عمومي، على غرار الصندوق الوطني للتأمين على المرض وقد تساهم في ميزانيته الدولة بقسط وافر إلى جانب عدّة أطراف متدخّلة ويمكن أن ننظر في مساهمة الأطباء في تمويل هذا الصندوق عبر عقود التأمين على المسؤليّة المدنيّة للطبيب لدى شركات تأمين مؤتمنة، كما ستحرص العمادة على إصدار قرار في الأسابيع المقبلة يجعل هذا التأمين إجباريا على كلّ طبيب ممارس لمهنته استباقًا لوجوبيّة هذا التأمين في إطار مشروع القانون المشار إليه أعلاه.
قراءة المزيد
من ضحايا الأخطاء الطبية في تونس
تونس: الأخـطاء الطبيّــة متفاقمة ومسكوت عنها
- اكتب تعليق
- تعليق