يوميّــــات مـــواطن عيــــــّاش: نـــار يـــا حبيــبـــــي نــــار!
كنت جالسا في البيـت بيـن قهوة وشيشة، ومعي «المدام»، تنتقل بين تقطيعـــة وترييشــة، عندما دق ناقوس الباب، فإذا به أغلى الأحباب، صديقي العيّـــاش حاملا قفّته، وقارنا عبسته، فلم أشأ أن أسـأله عـن سبب هذه التقطيبة، تفاديا لغضباته الصعيبة، وللحظات أعرف مسبقا أنها ستكون عصيبة.
وبعد أن دخل العيّاش واستقرّ في جلسته، ورأيت فراغ قفّته، سألته: «يظهر أنك ذاهب إلى السوق يا صديقي؟»، فأجابني: «بل أنا عائد منه، بعد أن شاح ريقي». فقلت مازحا: «تحبّ نجيب لك كاس ماء؟»، فأجاب بكل جديّة: «هاذي لا ينفع فيها لا ماء ولا دواء». فقلت: «ما القصّة يا أغلى الأحباب؟ ولماذا عدت من السوق خالي الوطاب؟ لا تقل لي أنّ جماعة المرشي عاملين إضراب!». قال العياش: «لا إضــراب ولا هم يحزنون، بل ضرب تحت الحزام من النـــوع الممنوع في أنبل الفنون»، فطلبــت منـــه وقـــد أخـذ مني حبّ الاطلاع مأخذه، أن يروي لي قصّته بالتفصيل.
قال العيّاش، «خرجت إلى المرشي كعادتي، حاملا معي قفّتي، وأنا أدعو الله الستّار، أن يقيني عذاب النار، ولم أكن أقصد جهنّم بل نار الأسعار، بعد أن امتدت إلى كل المواد ألسنة اللهب، ورأى المستهلك كل أنواع العجب، من فلفل غلبــت الموز أسعـاره، إلى بصل أصبح له بين الخضروات خنّاره ، ولا تسل عن اللحم فهو في أعالي السماء، قد غدا حلما للفقراء، يمرّون به يائسين، وفي القلب شوق وحنين، ثم يميلون عنه إلى الدجاج، وظّنهم أنه نصير المحتاج، لكنهم لا يجدون منه إلا الصدّ، بعد أن ارتقى في سلّم الأسعار وصعد. أما السمك فمثل الحبيب المتمنّع، تراه قليلا وبه لا تتمتّع، وتكتفي بحبّ عذري من بعيد، لا يغني من جوع ولا يفيد.
وبينما كنت غــارقا في أحـلام العشق والغرام، يأخـذني فكري من طعــام إلى طعام، وجدت نفسي فجأة أمام عربـــة بائع متجوّل، يعــرض البصل والبطاطة والفلفل، فقلت في نفسي: «لعلّ صاحب البرويطـــة يكون أكثر رحمــة بنا، وهو الذي لا يدفع باتيندة ولا أداء»، لكن خاب ظنّي وعقلي طار، عندما سمعته يسرد لي قائمة الأسعار، ثم انقطعت أنفاسي وأنا أضرب أخماسي في أسداسي، أحســب كـم تكلّفني شكشوكة أو عجّة، فإذا بي أصاب برجّة، بسبب ارتفاع أسعار الخضر إلى أعلى درجة ، وأنا الذي كنت أعتقد، أنني سأجد فيها السّند، بعد أن هربت من نار اللحوم والأسماك، هروب المهدّد بالهلاك، فقلت في نفسي: إذا كانت شكشوكة أو عجّة بمثل هذا الثمن، فسوف أكتفي بقطعة خبز وكأس لبن.
ولاحظ لبــــائع إطــراقي وتـــردّدي، فأسرع إليّ مخاطبني: «فيم إطراقك يا رجـــل؟ أترى أصابك الخجل؟» فقلت: «أي نعم والله ! خجلي من نفسي ومن جيبي المسكين، لا يقدر على عجّة أصبحت حكرا على المترفين، أو شكشــوكة تعــالت على المساكين، وخانت طبقتها، طبقة الكادحين».
وعندما شكوت للبائع حرقة الأسعار، وعجز الدينار، ومضاربات التجّار، قال لي: «علاش ها الهرجة، واكتف بالفرجة، فالفرجة بلّــوشي، وفـــرصة للّي ما عنــــدوشي». وإزاء هذا التمقعير، لم يبق لي إلا أن آخذ قفّتي وأطير، قبل أن تصبح الفرجة بمقابل مالي، يعجز عنه المواطن الزوّالي».
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق