أخبار - 2017.02.16

مشاهدات إيطالية: التاريخُ المُوَحِّدُ (1)... (مهداة إلى وزير التربية)

مشاهدات إيطالية: التاريخُ المُوَحِّدُ (1)... (مهداة إلى وزير التربية)

من أجمل مشاهداتي في إيطاليا التي زرتها خلال الأسبوع الماضي، مجموعات التلاميذ الذين كانت تعجّ بهم المواقع الأثرية والمتاحف في روما وفي فلورنسا وغيرهما من المدن الايطالية...

وقد لاحظت أن هذه المجموعات من الاطفال الصغار قادمة من مختلف أنحاء ايطاليا ومن شتى أرجاء اوروبا في رحلات منظمة من غاياتها ترسيخ الاحساس بالانتماء إلى الوطن وتنمية الشعور بالانتساب إلى دائرة أوسع هي الاتحاد الاوروبي الذي يجعل من التراث الايطالي وتراث أي دولة أوروبية أخرى تراثا  مشتركا لكافة أعضاء الاتحاد...

وفي خضمّ متابعتي، بكل إعجاب، لتفاعل التلاميذ مع مدرّسيهم ومع الأدلاّء الذين كانوا يقدمون لهم الإرشادات اللازمة عن المواقع التي كانوا يزورونها أو عن القطع الأثرية التي كانوا يشاهدونها، قفزت إلى ذهني "شطحة" وزير التربية الذي بشّرنا، بشّره الله بكل خير، بأن لوزارته، وفي الحقيقة له شخصيا، برنامجا سيشرع، (طبعا إن كتب له البقاء في منصبه)، في تنفيذه بالتعاون مع وزارة الثقافة ابتداء من السنة الدراسية القادمة حتى تصبح "حصص التاريخ بالمؤسسات التربوية تختلف من جهة إلى أخرى بحسب ما يتوفر بكل جهة من معالم أثرية ومواقع تاريخية أو أماكن ذاكرة محلّية".

وطبقا لهذا البرنامج فـ"إن المعالم التاريخية في كافة مناطق البلاد التونسية او ما يعرف لدى المؤرخين بأماكن الذاكرة ستصبح جزءا من دروس حصة التاريخ وبالتالي سيتم في كل مدينة تدريس التاريخ حسب ما يتوفر بها من معالم أثرية ومواقع تاريخية أو أماكن ذاكرة محلية"...

ولست أدري إن كان الوزير عندما اعلن عن هذه "الفكرة العبقرية" يعي ما يمكن أن يكون لها من تداعيات على وحدة تونس ولحمة شعبها في هذه المرحلة الحرجة القلقة التي ما فتئت تعيشها منذ ما سمي بـ"الثورة" وخاصة منذ أن كرّس دستورها الجديد وضع مسارها التنموي تحت عنوان "التمييز الايجابي" الذي قد يبدو عنوانا مُغْرِيًا لكنّه غارّ، لأنّ التمييز، أي تمييز من أي نوع، لا يمكن، في نظري، أن يكون إلا سلبيا وخير دليل على ذلك أنه لم يصلح من شأن الجهات التي وضع من أجل مساعدتها على تدارك ما فاتها، وإنما فتح الباب على مصراعيه لتأجيج ما حسبنا أننا بتنا في حصن حصين منه من نزعات القَبَلِيَّة والمحلّية والجهوية المقيتة...

فهل يريد وزير التربية بهذه "الشطحة" الجديدة أن يزيد من تأجيج هذا النزعات في الوقت الذي كان المنتظر منه، وهو أستاذ التاريخ، أن يستخلص العبر من فترات الانحلال والتفكك التي عرفتها البلاد بسببها، وأن يدفع، بالتالي، إلى تعزيز أركان التلاؤم والتلاحم الوطنيين، وربما، ونحن على ابواب الاحتفال بذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي التاسعة والعشرين، الانفتاح على مشتركاتنا التراثية والتاريخية مع بلدانه الأربعة الأخرى...

محمد ابراهيم الحصايري
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.