أخبار - 2017.02.15

عبد الحفيظ الهرقام: هل‭ ‬تولّد‭ ‬الانتخابات‭ ‬البلدية‭ ‬ديناميكية‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة؟‭ ‬

واخيراً صادق مجلس نواب الشعب على القانون الأساسي المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء الذي خوّل للعسكريين والأمنيّين التصويت في الانتخابات البلدية والجهوية دون سواها، بعد جدل بشأن هذه المسألة استمرّ أشهرا، وبذلك ينفتح مسار الإعداد للانتخابات البلدية التي من المنتظر أن تُجرى قبل موفّى هذه السنة.

ستكون هذه الانتخابات قطعا امتحانا جديّا لسائر الأحزاب السياسية، فهي مقياس لمدى اتّساع قواعدها الجماهيرية وتجذّرها في الواقع اليومي للمواطن بكلّ إشكالاته. وهي حتما المٓعْبر الحقيقي نحو الانتخابات التشريعية والرئاسية التي يفصلنا عن موعدها أقلّ من ثلاث سنوات، وذلك بالنسبة إلى كلّ حزب يرفض أن يكون مجرّد رقم في المشهد السياسي.

ومن المرجّح أن تواجه الأحزاب في الانتخابات البلدية القادمة منافسة حادّة من القائمات المستقلّة القريبة من أوساط المجتمع المدني، ولا يُستبعد أن تَحدُث مفاجآت كبرى في عديد الدوائر فتبرز وجوه جديدة يعتبرها الناخبون الأقرب لحمل تطلّعاتهم والتعبير عن شواغلهم والأجدر بالتالي بإدارة شؤونهم المحليّة، ممّا قد يفضي إلى تغيير عميق في الخارطة السياسية وفي الممارسة الانتخابية.

وإذا ما أرادت الأحزاب أن تكون حاضرة بقوّة في كلّ دوائر الانتخابات البلدية، عليها أنّ تعدّ قائمات تضمّ في المجموع 7206 مرشّحين يضاف إليها قائمات تكميلية لا يقلّ عدد المرشّحين فيها عن مرشّحين إثنين، مع مراعاة أحكام القانون الانتخابي في ما يخصّ تعزيز تمثيلية النساء والشباب في المجالس المنتخبة. كما عليها، إن عزمت على المشاركة في انتخابات المجالس الجهويّة، أن تعدّ قائمات من 1140 مرشّحا في كلّ الجهات.

وإذا استثنينا قلّة قليلة من الأحزاب المهيكٓلة وذات الانتشار الميداني الواسع، لنا أن نتساءل عن الأحزاب الأخرى القادرة على المشاركة الواسعة في هذه الانتخابات والتي تستوجب جملة من الشروط من أهمّها:

معرفة دقيقة بسوسيولجية المدن والقرى والأرياف التي شهدت في العقود الأخيرة تغيّرات جذرية في تركيبتها الديموغرافية ونسيجها العمراني وعقليات سكّانهاوسلوكياتهم ...
توفّر مخزون بشري مهمّ يُنتقى منه أفضل المرشّحين كفاءة وإشعاعا وقدرة على الإلمام بمختلف أبعاد الحكم المحلّي وخصائصه، باعتباره يقوم بالأساس علىمفهوم القرب في تصريف الشأن العام، بما يعنيه ذلك من متابعة يوميّة لمناحي حياة المواطن وسهر على تجويد الخدمات المقدّمة له.
إعداد استراتيجية محكمة، مترابطة الحلقات، تنطلق من حسن اختيار المرشّحين وتأهيلهم لخوض الحملة الانتخابية، وصولا إلى تمكينهم من التكوين الجيّد للاضطلاعبمسؤولياتهم على الوجه الأكمل عند انتخابهم.
تعبئة الموارد الماليّة اللازمة في إطار الشفافية التامّة وفق ما ينصّ عليه القانون لتغطية مصاريف الحملة الانتخابية، التي لن تسمح المنحة المخصّصة لكلّ قائمةإلّا بمجابهة جانب منها.

إنّ موضوع الانتخابات البلدية والجهوية يحيلنا على قضيّة أشمل ألا وهي الظاهرة الحزبية في تونس في علاقتها بجوهر العمل السياسي. ومن البديهي أنّ أيّ حزب، مهما كان حجمه، مطالب بخوض غمار هذه الانتخابات، وإلّا لن يكون في الحقيقة سوى واجهة لدكّان يمسك صاحبه بـ«باتيندة» سياسية لممارسة المزايدة والشعبوية في الفضاءات العامّة ووسائل الإعلام، في غياب الرؤى الواضحة والواقعية والقدرة على الإحاطة بالجماهير والتأثير فيها. كما أنّ الطموح السياسي - وهو أمر مشروع - لا يتكرّس عبر حلقات النقاش والتفكير في القاعات المغلقة، وإنّما بالعمل الميداني وبطرح البدائل على الناخبين.

ولعلّ تونس في أوكد الحاجة اليوم إلى ديناميكية سياسية تتجاوز بها صدام الزعامات وحالة الصراعات والتجاذبات داخل عدد من الأحزاب وخارجها وتساعد على بروز نخب جديدة قادرة على الحكم وعلى إثراء الحوار حول جملة من الملفّات الحارقة كالتنمية الجهوية والتشغيل والتربية والمياه والإنتاج الفلاحي والصحّة العمومية... والتي تذوب كلّها في خضمّ السّجال السياسي الدائر والمصالح الحزبية والفئويّة الضيّقة. ومن شأن هذه الديناميكية أنّ تضخّ في شرايين الديمقراطية التونسية الناشئة دماء جديدة تعزّز مناعتها وتقيها مخاطرالردّة والانتكاس، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه الأوضاع الإقليمية والدوليّة تطوّرات جديدة لا يمكن لأحد التكهّن بمداها، لا سيّما بعد صعود دونالد ترامب إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.