محمد‭ ‬ابراهيم‭ ‬الحصايري: هل‭ ‬باتت‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينـيـّـة‭‬ على‭ ‬مشارف‭ ‬لعبة‭ ‬دُولـيّة ‬جديدة؟

محمد‭ ‬ابراهيم‭ ‬الحصايري: هل‭ ‬باتت‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينـيـّـة‭‬ على‭ ‬مشارف‭ ‬لعبة‭ ‬دُولـيّة ‬جديدة؟

عديدةٌ هي لكنّها متضاربةٌ التطوّراتُ التي تتابعت خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2016وفي مطلع سنة 2017 والتي تؤشر إلى أن القضية الفلسطينية التي اجتاحتها عواصف «الربيع العربي» فتدحرجت إلى مهاوي الإغفال والتجاهل، عائدة إلى صدارة الاهتمام العالمي في هذه السنة التي تصادف مرور مائة سنة على صدور وعد بلفور الشيطاني الذي زرع في الجسم العربي سرطانا خبيثا سيظل ينهشه ولا يشفى منه إلا باستئصاله... كما تصادف مرور خمسين سنة على نكسة 5 جوان 1967 التي أتاحت لإسرائيل احتلال ما تبقّى من فلسطين وَفَوْقَهُ أراضيَ عربيةً أخرى ما يزال بعضها محتلا حتى الساعة.

وقد تمثلت أهم هذه التطورات، مرتَّبَةً حسب تاريخ حدوثها، فيما يلي:

  • اتفاقُ الولايات المتحدة وإسرائيل في أواخر شهر جويلية 2016 على حجم المساعدة الأمنية التي ستحصل عليها تل أبيب من سنة 2019 إلى سنة 2028، ومثلما هو معلوم فقد بلغ حجم هذه المساعدة التي تعدّ أكبر مساعدة تمنحها الولايات المتحدة لدولة أخرى على مرّ التاريخ، 38 مليار دولار أي بمعدل 3.8 مليار دولار سنويا.
  • تعهُّدُ الرئيــس الأمريــكي الجـــديد دونـــالد ترامـــب في أواخــر شهــر سبتمبر 2016 في خضمّ حملته الانتخابية بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس إن تم انتخابه رئيسا.
  • اعتماد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو (في 18 أكتوبر 2016 قرارا ينصّ على أن المسجد الأقصى إرث تاريخي خاص بالمسلمين ولا علاقة لليهود به، وللتذكير فقد وافقت على هذا القرار 24 دولة (بينها 14 دولة ليست عربية أو مسلمة)، وعارضته 6 دول (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وهولندا، وإستونيا، وليتوانيا)، وامتنعت 24 دولة عن التصويت (بينها 8 دول أوروبية)، وتغيبت عنه دولتان، واللافت في هذا التصويت أن العديد من الدول لم تشأْ أن تكون في واجهة دعم القرار، غير أنّها سمحت بتمريره من خلال عدم معارضته، وهو مؤشر أحرج إسرائيل وأغضبها.
  • امتناعُ الولايات المتحدة غير المنتظر عن التصويت وعن استخدام حقّ النقض مثلما فعلت سنة 2011 ضد قرار مُشَابِه، لإبطال القرار رقم 2334  الذي اتخذه مجلس الأمن يوم الجمعة 23 ديسمبر 2016 والذي وصف بناء المستوطنات في الضفة الغربية وشرق القدس بأنه انتهاك للقانون الدولي وعقبة أمام حل الدولتين وطالب بإنهائه.
  • انعقادُ مؤتمر باريس الدولي للسلام في الشرق الأوسط الذي شاركت فيه سبعون دولة ومنظمة دولية والذي أكد في بيانه الختامي خاصة على أن إنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن أن يتحقّق إلاّ بحلّ الدولتين.
  • إصدار الرئيس باراك أوباما، قبل مغادرته البيت الأبيض بساعات، قرار منح السلطة الوطنية الفلسطينية مساعدات ماليه بقيمة 221 مليون دولار، رغم معارضة الحزب الجمهوري.

وما يسترعي الانتباه في جملة هذه التطورات هو تضاربُها أمريكيّا أولا، وغربيّا ثانيا.

أما على الصعيد الأمريكي فلا شك أن البون شاسع بين موافقة الولايات المتحدة، ولو في الأيام الأخيرة لولاية باراك اوباما، على قرار مجلس الأمن رقم  2334،  وبين تلويح الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب على إثر تبنّي القرار بـ«أن الأمور ستكون مختلفة بعد 20 جانفي» أي بعد تولّيه الحكم.

كما أنّ البون شاسع بين إصدار الرئيس باراك اوباما قرار تقديم مساعدات بـ 221 مليون دولار إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وبين مسارعة الرئيس دونالد ترامب إلى إلغائها بمجرد اعتلائه كرسي الرئاسة...

وأما على الصعيد الغربي فإن التضارب يبدو واضحا بين الموقف الأمريكي من ناحية وبين الموقف الأوروبي من ناحية أخرى، ففي حين كانت باريس تحتضن المؤتمر الدولي  للسلام في الشرق الأوسط وتدعو إلى حل الدولتين كان الرئيس الأمريكي الجديد يستعد لاستلام مقاليد الحكم ويحضّر لنقل سفارة بلاده إلى القدس.

وفي حين كان وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي وممثّلتُه العليا للأمن والسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني يعلنون رفضهم لنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس ويحذّرون من «مغبة تصعيد التوترات مع العالم العربي»، كان مبعوث السفير الأمريكي الجديد بتل أبيب ديفيد فريدمان يلتقي مع نائب رئيس البلدية الإسرائيلية في القدس للتباحث معه حول «ظروف عمليّة النقل». وفي ظل هذا الخليط الغامض من التطورات التي قد يبدو بعضها إيجابيا ويدعو إلى شيء من التفاؤل، بينما بعضها الآخر سلبي ويدعو إلى التشاؤم، يصعب التكهن بالوجهة التي سيأخذها مجرى الأحداث مستقبلا... غير أنه من المرجّح، كالعادة، أن تكون اليد الطولى في تحديد هذه الوجهة لإسرائيل وحاميتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يمكن استخلاصه من مواقف الأطراف المعنية من مجمل التطورات التي عدّدناها...

ويكفي هنا أن نلاحظ مثلا أن بنيامين نتنياهو ردّ الفعل بكل صلف على تبني قرار مجلس الأمن رقم 2334 حيث سارع إلى استدعاء سفير الولايات المتحدة في تل أبيب لـ»يبحث» معه امتناع بلاده عن التصويت، كما قامت وزارة الخارجية باستدعاء سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الممثلة في إسرائيل (وهي بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا ومصر واليابان وأوروغواي وإسبانيا وأوكرانيا ونيوزيلندا) يوم الأحد 25 ديسمبر 2016 أي يوم الاحتفال بعيد الميلاد لـ»تأنيبهم». ومن ناحية أخرى أعلن بنيامين نتنياهو عن إلغاء لقاء كان مرتقبا أن يعقده في دافوس مع رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، كما أمر وزراء حكومته بالامتناع عن السفر الى الدول التي صوتت لصالح القرار أو مقابلة مسؤولين منها على امتداد الأسابيع الثلاثة الموالية أي الى حين تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهامه الرئاسية. أما الأخطر من ذلك كله فهو مصادقته على بناء 2500 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، ومصادقة لجنة «التنظيم والبناء»، في البلدية الإسرائيلية بالقدس الشرقية المحتلّة، على بناء 566 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنات القائمة فيها.

أمّا فيما يتعلق بمؤتمر باريس الدولي للسلام في الشرق الأوسط، فإنّ وزير الخارجية الإسرائيلي اعتبر أنه «يبعِدُ السلام» وأنه «محاولة مصطنعة من أناس من خارج المنطقة يريدون إملاء حلول على من يعيشون فيها»...ومن جانبه وصف بنيامين نتنياهو المؤتمر بـأنه إحدى «ارتعاشات موت عالم الأمس الأخيرة» وأكد «أن الغد الذي قال إنه سيأتي سريعا سيكون مختلفا».

في المقابل، لا مناص من الإشارة أولا إلى أن مصر هي التي قدّمت، في البداية، مشروع القرار المتعلق بمسألة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير أنها قامت بسحبه تحت الضغوط التي سلّطها عليها كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب...

أما فيما يتعلّق بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس فقد كان رد فعل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس عجيبا غريبا إذ أنه «هدد» بسحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل وكأن ذلك سيمحوها من الوجود. أما الدول العربية فإنها عموما ما تزال تلتزم الصمت المطبق. وقد حاولت خلال مؤتمر باريس تضمين بيانه الختامي إشارة إلى مخاطر هذه الخطوة إن تمّت، غير أنها سرعان ما تراجعت أمام الرفض الأمريكي المطلق للخوض في هذا الموضوع، ولذلك صدر البيان خاليا من أي إشارة إليهوأما فيما يتعلق بمؤتمر باريس ذاتِهِ، فإن الجانب الفلسطيني رحّب به وبنتائجه رغم أن البيان الصادر عنه حرص، بضغط من الجانب الأمريكي، على التنديد بما يأتيه الفلسطينيون من «أعمال عنف ومن تحريض عليه»، وقد اعتبر كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أن إجماع الدول المشاركة «على رفض الاحتلال والاستيطان رسالة لإسرائيل بأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم دون إنهاء الاحتلال العسكري عن فلسطين» وأن انعقاد المؤتمر جاء ليؤكد «ان الوقت حان للكفّ عن التعامل مع اسرائيل كبلاد فوق القانون، وتحميلها مسؤولية انتهاكاتها المنهجية للاتفاقيات الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني»...  وإذا لاحظنا أن الجميع، بمن فيهم الفلسطينيون، يعلمون علم اليقين أن مؤتمر باريس لم يكن إلا مؤتمرا «رمزيا»، وأن مُخْرَجَاتِه لن تغيرمن الواقع شيئا فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا حرصت فرنسا على عقده؟...

إن ما يخشاه بعض الملاحظين في الوقت الذي يتواصل فيه كلّ يوم تَبَخُّرُ حلمِ قيام الدولة الفلسطينية بقدر توسّع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلّة، هو أن يكون هذا المؤتمر وقبله قرار اليونسكو بخصوص إسلامية القدس ثم قرار مجلس الأمن بخصوص الاستيطان ليست سوى عمليات تبرئة مسبقة للذمّة مما سيأتي في المستقبل القــريب مـــن ترسيخ لأركان الدولة اليهودية التي عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرة أخرى للتأكيد على أن الاعتراف بها شرط لا بد منه لاستئناف التفاوض مع الفلسطينيين، مـــع إضــافة شـــرط جديد لم يسبق أن تحدّث عنه وهو  سيطـــرة إسرائيل الأمنية الكاملة على كــافة المنــاطق ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

أفلا يعني ذلك أن القضية الفلسطينية باتت على مشارف لعبة دولية جديدة؟...

 

محمد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.