في العدد 14 من ليدرز العربية: تحقيق خاصّ عن سرقة الآثار والاتّجار فيها
نشرت مجلّة ليدرز العربية في عددها الرابع عشر (15 فيفري / 15 مارس 2017) تحقيقا خاصّا حول سرقة الآثار والاتّجار فيها، فاستعرضت بالأرقام الحصيلة المسجّلة في مجال مكافحة هذه الجريمة التي تستهدف إرث تونس الحضاري وذاكرتها وطرحت إشكالات حماية التراث وصيانته من خلال حديث مع وزير الثقافة والمحافظة على التراث محمّد زين العابدين.
وبيّنت أنّه من سنة 2012 إلى سنة 2016 سُجّلت على الصعيد الوطني 540 قضية تنقيب غير شرعية عن الآثار و116 قضية اتّجار فيها، تعهّدت بها وحدات الأمن والحرس، غير أنّ القضية التي أوليت اهتماما خاصّا هي قضية سرقة تمثال "غانيماد"، هذه القطعة الفنية الفريدة من نوعها في العالم والبالغة قيمتها 10 ملايين دينار والتي توفّقت الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية ومصلحة المحافظة على الآثار والتحف التابعة لها في الكشف عن مكان إخفائها ليلة 26 جانفي الماضي، بعد جهود مضنية استمرّت أكثر من ثلاث سنوات.
وحسب ليدرز العربية، حجزت السلطات الأمنية منذ سنة 2012 وإلى يوم الناس هذا ما يناهز 7000 قطعة أثريّة، 80 بالمائة منها مقلّدة. غير أنّ ما يسترعي الانتباه من بين المحجوزات وجود مخطوطات عبرية ذات قيمة كبيرة، من بينها ثمانية موضوعة في صناديق خشبيّة كبيرة وكتب من الشرق دخلت إلى تونس عن طريق ليبيا والجزائر وكذلك مجلّد نقشت حروفه على الرصاص، وصل إلى فرنسا قبل أن يعود إلى تونس.
كما برزت في جهة تطاوين ظاهرة التنقيب عن الهياكل العظمية للديناصورات، وتصل قيمة الهيكل العظمي لهذا الحيوان الذي كان موجودا في عصور ما قبل التاريخ إلى حدود 6000 يورو، إلى جانب محاولات مشبوهة يقوم بها أجانب للتنقيب عن الآثار تحت غطاء جمعيات خيرية ! كما لوحظ في الجنوب البحث عن الأحجار النيزكية (météorite) التي تباع بالغرام بالمزاد العلني بالخارج.
وكشفت المجلّة عن مختلف مراحل مسار البحث في قضية سرقة تمثال "غانيماد" من المتحف المسيحي المبكّر بقرطاج درمش في 9 نوفمبر 2013 إلى يوم 26 جانفي 2017، لمّا نجحت الوحدات الأمنيّة بالقرجاني في استرجاع هذه القطعة الأثرية النادرة ، إثر خطّة محكمة أوقعت بالشخص الذي أخفاها، بعد إيقاف السارق منذ نوفمبر 2015 ، ممّا يقيم الدليل مرّة أخرى على أنّ جهاز الأمن الوطني استرجع عافيته واستعاد فاعليته وعلى أنّ جهوده لا تنصرف فقط إلى الحفاظ على الأمن العمومي والمساهمة في حماية الوطن من مخاطرالإرهاب والجريمة المنظّمة، بل تشمل كذلك السهر على أمن تونس الثقافي وصيانة كنوزها الأثرية التي لا تُقدّر بثمن.
وأكّد محمّد زين العابدين وزير الثقافة والمحافظة على التراث أنّ التراث الأثري الوطني في حاجة إلى الحماية والتثمين وأنّ
تونس تعدّ قرابة 30 ألف موقع ومعلم أثري، ولكنّ المفتوح منها للعموم لا يتجاوز عدده 56 موقعا ومعلما. وأشار إلى أنّ المفارقة الكبرى تكمن في وفرة المواقع والمعالم وقيمتها من جهة، وإمكانيات استغلالها، من جهة أخرى، ممّا يطرح اليوم على الأقلّ ثلاثة إشكالات:
1- في مستوى الموارد البشرية المخصّصة للحراسة والحفريات وفرق البحث التي عادة ما تتبع المعهد الوطني للتراث،
2- في مستوى تثمين هذا التراث بما يجعله مفتوحا للاستغلال العام،
3- تواضع نسبة إشراف الوزارة على هذا الكمّ الهائل من المواقع والمعالم، فمسؤولية الإشراف عليها موزّعة بين أطراف مختلفة ونعني : وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ووزارة الشؤون الدينية وكتابة الدولة المكلّفة بأملاك الدولة، وبعض هذه المواقع والمعالم يتبع البلديات وبعضها الآخر الولايات.
ولاحظ الوزير أنّ هناك ضبابية حقيقية في تعهّد وصيانة هذا الموروث الهامّ الذي يجب التصرّف فيه بعد ستة عقود من الاستقلال بأكثر ترشيد، انطلاقا من مسؤولية كلّ طرف في إشرافه المباشر الخاصّ بهذا الموروث الحضاري.
- اكتب تعليق
- تعليق