أسطورة الطاقة الشمسية: هل هي فعلاً نظيفة؟
اتسمت الفترة الأخيرة بتزايد شدة التقلبات المناخية، ممّا دفع من وتيرة الاستثمار، اعتبارا إلى أنّ الطاقات المتجددة تمثّل حلّا مؤكّدا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ونال الاستثمار في قطاع الطاقة الشمسية نصيب الأسد من هذه الاستثمارات، حيث تضاعفت قدرة الطاقة الشمسية ستّ مرات في السنوات الخمس الأخيرة حسب تقرير منشور للوكالة الدولية لطاقات المتجددة IRENA لسنة 2016، لكن ظهرت مؤخرا تقارير تفيد أنّ تصنيع كل تلك الألواح الشمسية لتوليد الطاقة يمكن أن يتسبب في أضرار بيئية وصحية جسيمة.
وتتطلب عملية تصنيع الألواح الشمسية استخدام مواد كيميائية مثل هايدروكسيد الصوديوم وأسيد الهايدروفلوريك، ويحتاج إلى الماء والكهرباء، والعملية بأكملها تعمل على إطلاق غازات مسببة للاحتباس الحراري، كما أنها تخلف نفايات عالية السمية. وتحدّ كل هذه المشاكل من قدرة الطاقة الشمسية على مكافحة التغير المناخي وخفض المواد البيئية السامة. وضع "ائتلاف سموم وادي السيليكون" (Silicon Valley Toxics Coalition) القائمة تظهر تصنيفا جديدا يضم 40 شركة مصنعة لألواح الطاقة الشمسية، وهي منظمة تتابع منذ عام 1982 تأثير الصناعات عالية التقنية على البيئة والمناخ، ويظهر التقرير أنّ بعض الشركات تقدم أداء أفضل من غيرها في مجال تصنيع تلك الألواح مع الحد الأدنى من الإضرار بالبيئة، وتصدرت اللائحة شركة "ترينا" الصينية، تليها شركة "سان باور" الأميركية، ويبرز التقرير أنّ الصناعة أصبحت أكثر غموضا عندما يتعلق الأمر باستدامة ممارساتها التصنيعية فعدد منها يعمل على نشر معطيات ومعلومات منقوصة وغير كاملة .ويأمل الائتلاف أن تزيد هذه القائمة من الشفافية في صناعة صاعدة وتميل إلى أن تكون أكثر تركيزا نحو البقاء والنمو منها نحو التصدي للجانب "القذر والقاتل " في صناعة ما يعد مصدرا نظيفا للطاقة، وفقا للموقع الإلكتروني لمجلة "Sciences" الأميركية. ويعتمد الائتلاف في وضع النتائج على البيانات التي تزوده بها تلك الشركات، والتي تظهر انبعاثات الغازات وسمية المواد الكيميائية واستخدام المياه وإعادة التدوير، لكن الائتلاف يقول إن نصيب السوق من تلك الشركات التي لا تمانع في مشاركة تلك التفاصيل في تناقص مستمر. ويزيد تعدّد القوانين المنظمة والممارسات التصنيعية المختلفة من صعوبة الحصول على بيانات موحدة تتعلق بالآثار البيئية لصناعة الألواح الكهروضوئية، وقد وجدت دراسة صدرت في سنة 2014 أعدّها معهد أريغون للتكنولوجيا أنّ أثر الكربون في لوح شمسي من الصين يعد ضعف نظيره الموجود في أوروبا، لأنّ لدى الصين معايير بيئية أقل انضباطا ومصانع أكثر تعمل بطاقة الفحم. وشهدت الصين فعلا ردود فعل غاضبة، فعلى سبيل المثال واجهت شركة "جينكو سولار" المصنعة لألواح الطاقة الشمسية احتجاجات وإجراءات قانونية بعد اتهام أحد مصانعها في مقاطعة تشجيانغ شرق الصين، بتصريف المياه المستعملة السامّة في نهر قريب مما تسبب في عشرات الوفيات في وسط السكان المحليين .كما وجهت حركة الصين الخضراء سنة 2015 أصابع الاتهام إلى شركة "سان تك باور" في تسترها على موت العديد من العاملين لديها وأثر تقريرها ضجةً كبيرة عن مدى صحة أسطورة الطاقة الشمسية النظيفة. في المقابل يخضع مصنعو الألواح الشمسية في الولايات المتحدة إلى قوانين فيدرالية وأخرى للولاية توضح كيف وأين يمكن للمصانع تصريف المياه العادمة السامة أو كيفية معالجتها. وفي أوروبا فإن اللوائح الحالية تنظم التخلص السليم من النفايات الإلكترونية الخطرة، لكن مع ذلك فإن الباحثين يجدون صعوبة في الحصول على بيانات دقيقة عبر أسواق الألواح الشمسية خاصة وأنّ الكثير منها يعمل عل تصنيع العديد من مكوناته في أراض لا تخضع للقوانين الأوروبية.
ويأمل "Silicon Valley Toxics Coalition" في الدفع نحو مزيد من الشفافية التي ستؤدي إلى ممارسات أفضل لاحقا، وتعتبر أنّ التعريف المتداول للطاقات النظيفة يجب أن يعاد صياغته، فهل يمكن اعتبار ألواح الطاقة الشمسية مصدرا نظيفا لطاقة، قد تكون نظيفة حيث ستدخل حيز الخدمة؟ لكن لن تكون بكل تأكيد نظيفة حيث تصنع في دول العالم الثالث، دون مراعاة معايير المراقبة الصارمة.
حمدي حشاد
- اكتب تعليق
- تعليق