رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم يقترح الزيادة في عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات كأس العالم
دعا في الأيام الأخيرة السيد Gianni infantino جياني أنفانتينو رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم FIFA إلى رفع عدد المنتخبات الوطنية لكرة القدم المشاركة في نهائيات كأس العالم، من إثنين وثلاثين (32) منتخبا حاليا، إلى أربعين (40) ، وحتى إلى ثمانية وأربعين (48) منتخبا مستقبلا! ولا يشكّ أحد في فوائد هذا الإقتراح الجريء للسيد أنفانتيو، لأنه يستجيب لطموحات عدّة منتخبات وطنية من سائر القارّات، لم تجد إلى اليوم الفرصة الملائمة للمشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم. وهو إقتراح يستحقّ المزيد من النظر والدرس من قبل مختلف الإتحادات القارية ، حتى تكرّس المساواة في الحظوظ بين شتى المنتخبات الوطنية من كلّ بلدان العالم. ولكن، هل إنّ سائر القارات لها بلدان قادرة على احتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم بالعدد الضخم الذي يقترحه رئيس FIFA بين 40 و 48 منتخبا وطنيا، علاوة على الإلتزامات الأخرى المرفقة بالتنظيم ولا سيما منها البنية الأساسية، الرياضية والفندقية والمواصلاتية والإتصالية وحتى البيئية، وما لها كلها من تبعات مالية ثقيلة ومرهقة على البلد المنظّم؟
إنّنا نعتقد أنّ الأمر صعب المنال حتى لدى أكثر القارّات ثراء وتجربة في هذا المجال كالقارة الأوروبية، لكي يمرّ فيها التنظيم دفعة واحدة من 32 منتخبا حاليّا ومنذ سنة 1998، إلى 40 أو 48 منتخبا في المستقبل.
وإذا كانت معظم الإتحادات القارّية قد تمسّكت بالصّمت ولم تعرب عن موقفها الرّسمي حول ذلك الإقتراح، فإنّ الإتحاد الإفريقي لكرة القدم وعلى لسان رئيسه السيد عيسى حياتو، قد أبدى تحفظا رسميا على الإقتراح، واستغرب العارفون بشؤون كرة القدم الإفريقية هذا التحفّظ، دون أن يدركوا الأسباب التي دفعت السيد عيسى حياتو إلى إبداء ذلك التحفظ إزاء إقتراح يستهوي في الحقيقة كلّ المسؤولين عن كرة القدم القارية والوطنية!
ولكي نفهم الحرج الذي يشعر به الأفارقة إزاء هذا المقترح، ينبغي أن نراجع تاريخ القارة الإفريقية مع نهائيات كأس العالم لكرة القدم منذ إحداثها لأوّل مرة بالأوروغواي سنة 1930.
لقد ظلت القارة الإفريقية تحضر بمنتخب واحد منذ كأس العالم بإطاليا سنة 1934 وإلى حدّ سنة 1978موعد نهائيات كأس العالم بالأرجنتين، ليرتفع بعد ذلك حضورها بمنتخبين اثنين في نهائيات كأس العالم لكرة القدم بإسبانيا سنة 1982 ضمن 24 منتخبا مشاركا من سائر القارات، وليرتفع إلى خمسة منتخبات إفريقية في نهائيات فرنسا سنة 1998 ضمن 32 منتخبا مشاركا من سائر القارات ! وهي وتيرة الحضور العددي لمنتخبات القارة الإفريقية والتي تواصلت إلى حدّ نهائيات كأس العالم الأخيرة بالبرازيل سنة 2010 .أمّا تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم بإفريقيا، فهو شرف لم تحظ به القارة الإفريقية إلاّ مرّة واحدة في تاريخها وذلك سنة 2010 بجنوب إفريقيا ! ويعزى هذا الأمر لضعف إمكانيات القارّة الإفريقية في تحمّل عبء تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم بكلّ إلتزامات هذا التنظيم وفقراته المختلفة ! إذ إنّ أقطار القارة الإفريقية الأربعة والخمسين غير مهيّأة في معظمها حتى لتنظيم نهائيات كأس افريقيا للأمم لكرة القدم، حيث لا يتعدّى عدد المنتخبات الإفريقية المشاركة فيها إلى اليوم 16 منتخبا، وذلك منذ سنة 1996 .ولعلّ الجدير بالإشارة في هذا المقام، هو أنّ الرّواد المؤسّسين للإتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) كانوا اتّخذوا سنة 1957 قرارا تاريخيا شجاعا يقرّ بتنظيم كأس إفريقيا للأمم كلّ سنتين، رغم أنّ بعض البلدان الإفريقية ما تزال تخضع في ذلك الوقت للإستعمار، وأنّ بعضها الآخر ما تزال حديثة العهد بالإستقلال، والإمكانيات المالية والإقتصادية ما تزال ضعيفة هشة والقطاعات الضاغطة كالتعليم والصحة والتشغيل كانت تحظى بالأولوية المطلقة قبل غيرها من القطاعات ! وقد ثابر المسؤولون الذين تداولوا على رئاسة الإتحاد الإفريقي لكرة القدم على تكريس ذلك القرار، ومنهم خاصة السيد عيسى حياتو الذي حافظ منذ سنة 1988 على تطبيق ذلك القرار بشجاعة نادرة وفي ظروف صعبة غالبا، مع إضافة عدة تصفيات ونهائيات أخرى سنوية للنوادي الإفريقية المحرزة على البطولة والكأس. وذلك في الوقت الذي أصبح فيه اللاعبون الأفارقة نجوما ساطعة في أغلب ملاعب العالم حيث برهنوا عن جدارة واستحقاق أنهم من أفضل لاعبي كرة القدم الحديثة، لياقة ومهارة.
وكانت الغاية الأساسية للكاف CAF من كل ذلك، هي دفع الحكومات الإفريقية إلى الإسراع بالإستثمار في البنية الأساسية الرياضية، وبالتالي إلى الإستثمار لصالح شباب القارة ولو كان ذلك بمجهودات محلية استثنائية لا تخلو من العناء والتضحية، إذ أصبح قطاع الرياضة يحظى اليوم لدى سائر الحكومات في العالم، بالأهمية التي تحظى بها قطاعات التنمية الإستراتيجية بما يستوجبه ذلك من تخطيط وتمويل وتنظيم ، حسب إمكانيات كل دولة وظروفها.
ولذلك نتفهم جيّدا لماذا انفرد الإتحاد الإفريقي لكرة القدم دون غيره من الإتحادات القارية لكرة القدم، ومنذ سنة 1957 ، بتنظيم كأس الأمم الإفريقية كل سنتين لا كلّ أربع سنوات، كما يجري اليوم بالإتحاد الآسوي لكرة القدم منذ سنة 1956 ، وبالإتحاد الأوروبي لكرة القدم منذ سنة 1960 ، وبالإتحاد الأمريكي لكرة القدم منذ سنة 2001!
وقد اتّسعت شبكة ملاعب كرة القدم في الأقطار الإفريقية شيئا فشيئا بفضل ذلك القرار الشجاع من الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، حتى اكتسبت هذه الأقطار وبالسرعة الفائقة، أكثر عدد ممكن من الملاعب التي تهيّئها للإلتحاق في المستقبل القريب بركب أقطار القارات الأخرى التي سبقتها أشواطا كبيرة في المجال. ولكن تبقى القارة الإفريقية رغم كل ما يبذل من مجهودات وتضحيات من أقطارها في تمويل الرياضة والإستثمار فيها، غير قادرة حاليا على تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم ببعض أقطارها، نظرا إلى إرتفاع كلفة هذا التنظيم ارتفاعا مشطّا يبلغ درجة التعجيز. ويكفي أن نعلم في هذا المجال مثلا، أن البلد الإفريقي
الذي يحظى بتنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم وحدها، مكلف بتوزيع المنتخبات الستة عشر على أربع مدن، كل مدينة بها أربعة منتخبات ولها ملعب كبير لا تقلّ طاقة إستيعابه عادة عن ستين (60) ألف متفرّج، مع ثلاثة ملاعب أخرى لا تقل طاقة استيعابها عادة عن أربعين (40)ألف متفرّج للملعب الواحد. أمّا الملعب الأول فلا تقلّ تكاليفه المالية في المعدل الإفريقي عامّة) غير مغطى وفي الحدّ الأدنى من التجهيزات (عن مائة وعشرين (120) مليون دولار، في حين لا تقلّ تكاليف الملعب الثاني وبالكيفية نفسها عن ثمانين (80) مليون دولار . فتكون جملة تكاليف الملاعب المطلوبة لا تقلّ عن ثلاثة مائة وستين (360) مليون دولار ! إضافة إلى التكاليف المالية الأخرى التي ستشمل وجوبا تحسين البنى الأساسية للفنادق والصحة والنقل الجوّي والبرّي والإتصالات، وحتى الأحوال البيئية التي أصبحت
قاعدة أساسية في منح تنظيم أية لعبة رياضية في العالم. وهو ما جعل من كلفة نهائيات كأس إفريقيا للأمم وحدها، عبئا ماليا ثقيلا على البلد المنظم، تستنزف جهدا كبيرا من ميزانيته على حساب قطاعات أخرى لا تقلّ عنه قيمة ولا أهميّة.
ونشير في هذا السّياق ، إلى أنّ بناء ملاعب كرة القدم أصبح في الوقت الحاضر كابوسا مال يّا مزعجا لسائر الدّول في العالم، نظرا إلى الحاجّة الملحّة في إحداث هذه الملاعب، ونظرا كذلك إلى التكاليف الماليّة الباهظة التي يتطلّبها ذلك الإحداث، لاسّيما وأنّ بناء الملاعب صار عمليّة متشعّبة المكوّنات، على غاية من التّنويع والتجّديد والإبتكار، سواء بين مختلف الدول في العالم، أو حتّى داخل الدّولة الواحدة.
ومن أجل ذلك، اختلفت تكاليف الملعب من دولة إلى دولة ومن مدينة إلى مدينة وأضيفت إلى أمثلة البناء تقنيات حديثة تأخذ في الإعتبار العنصر البيئي من حيث تجميل محيط الملعب بالأشجار والمساحات الحضراء ونافورات الماء ، ومن حيث تجديد الهواء داخل الملعب وتنقيته أو تخفيض درجة الحرارة به، ومن وحيث الإنارة بالطاقة الشمسية ومعالجة مياه الأمطار ، وإستغلال عدّة فضاءات من الملعب تجاريّا لإحداث المقاهي والمطاعم وفضاءات لبيع الأزياء الرياضية وغيرها وتحويل ساحة الملعب في بعض المناسبات إلى فضاء ثقافي كبير يمكن أن يضخّ مداخيل إضافية للمشرفين على الملعب. ويمكن أن نذكر في هذا المجال أمثلة عن ملاعب إفريقيّة خرجت في تكاليفها عن التمويل الإفريقي التقليدي الشائع، ثم أمثلة عن ملاعب من بعض الدول التي إرتفعت فيها تكاليف التّمويل إرتفاعا مذهلا. ومن ذلك ، هذه الجداول التالية التي نقلناها عن عد ة مصادر مختصّة جديرة بالثقة.
1 - ملاعب من القارّة الإفريقيّة
2 - ملاعب من قارات أخرى
إنّ عصرنا الحاضر أصبح عصر الإقتصاد الرياضي الذي يحوّل الملاعب إلى فضاءات رياضية منتجة ولا يترك للدولة وحدها تحمّل عبء بناء الملاعب، وذلك بتشريك القطاع الخاصّ بواسطة شركات تجارية واستشهارية للإستثمار والإستغلال سواء بالشراكة أو بالكراء، وهو ما دأبت اليوم على تجسيمه تجسيما رائعا مربحا معظم الدول الأمريكية والأوروبية حتى بعض الدول الآسيوية ، في حين بقي التّمويل العمومي بالدّول الإفريقية هو السّائد، بما يثقل كاهل الدّولة ويرهقها، ويترك حتّى الملاعب المشيّدة سابقا بمجهود الدولة عرضة في أغلب الحالات وبمرور الوقت، لإخلالات عديدة على مستويات التعهّد والصّيانة والإصلاح والتّرميم والتّجديد، علاوة على غياب المبادرات الفرديّة والجماعية التي تجعل الملاعب الإفريقية مريحة تطيب فيها الفرجة، مع إنعدام تامّ غالبا للتّجهيزات والمرافق والأنشطة الإقتصادية المرفّهة للجماهير والمربحة لأصحاب الملاعب.
وإنّ الرّفع في عديد المنتخبات المرشّحة لنهائيات كأس العالم لا تتوقّف على مدى توفّر الملاعب الصّالحة لإحتضان هذه النهايات فحسب، وإنّما تتجاوز ذلك إلى مسألة أخرى لا تقلّ عنها أهمّية وإشكالا، وهي المدّة التي تستغرقها هذه النّهائيات، إذ ستطول المدّة وستكون لها إنعكاسات ماليّة إضافيّة أيضا، كما ستكون لها إنعكاسات سلبيّة على رزنامات المسابقات الوطنية والإقليمية والقارّية والعالمية ، لأنّها ستدفع كلّ إتحادات كرة القدم في العالم، إلى مراجعة برامجها ورزناماتها بالتقديم أو التأخير، أو بالتخفيف من ضغط المواعيد الرّياضية الأخرى، حتى تكون منسجمة مع رزنامة كأس العالم في صيغته الجديدة المقترحة من قبل رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم. فإذا كانت نهائيّات كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم مثلا تستغرق حاليّا نحو عشرين يوما، ونهائيات كأس العالم لكرة القدم تستغرق حاليّا نحو ثلاثين يوما، فإنّ نهائيات كأس العالم في صيغتها الجديدة تستغرق مستقبلا نحو أربعين يوما، وهو ما سيؤثّر سلبا على اللاعبين لما سيلحقهم من تعب وإرهاق، لا سيّما إذا تواصل الإتّجاه نحو تكثير المسابقات وتنويعها على مختلف المستويات!
ونريد أن نختم رأينا حول مدى قدرة القارّة الإفريقية على تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم بمنتخبات تتجاوز العدد الحالي وهو 32 منتخبا إلى 40 أو 48 منتخبا، لنبيّن في آخر الأمر، أنّ ثراء البنية الأساسية في الرياضة عامة وفي كرة القدم خاصة، تعكس في الواقع المستوى الإقتصادي لبلد من البلدان ، إذ إنّ البنية الأساسية الرّياضية الضعيفة تكون إنعكاسا للحالة الإقتصادية المتواضعة للبلد المعني بالأمر. وماتزال الأقطار الإفريقية إلى اليوم هشّة الإقتصاد، رغم الصّمود الذي تميّزت به معظم هذه الأقطار أمام الأزمات والتحدّيات التي هزّت الإقتصاد العالمي طيلة العشرية الفارطة، بل إنّ الأقطار الإفريقية مجتمعة ، سجّلت نسبة نموّ مشجعة في السنوات الأخيرة بلغت معدل 4%، ومن المنتظر أن يبلغ الإنتاج الداخلي الخام بإفريقيا PIB سنة 2017 حوالي 4.8% وتوجد عدّة أقطار إفريقية تبشّر بإقتصاديات واعدة، وإن كان التفاوت بين سائر أقطار القارة ما يزال كبيرا ويحتاج إلى نحو ثلاثين سنة أخرى لكي يتقلّص بصفة ناجعة، ويبوّئ القارة السمراء المكانة التي هي بها جديرة على مستوى التوازنات العالمية القادمة، وهو ما بدأ يشغل هذه الأيام كبار الخبراء والمؤسسات الدولية المختصة في البحث عن مستقبل العالم سنة 2050
الدكتور عبد الحميد سلامة
وزير مستشار سابقا
رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية سابقا
- اكتب تعليق
- تعليق