حدّثني صديقي العيّـــــاش ووجهه مثل بوكشاش، قال: «خرجت من الصيف صفر اليدين، بل قل وعليّ كثير من الدّين، فوجدت سبتـمبر في انتظاري، شاهرا عليّ سلاحه الناري، مهدّدا بعلوش العيد ودخول المدارس من جديد، فهربت هروب الخائف اللاجي، أهرول إلى صاحبــي «البنـكاجي»، لعـلّه «يمشّــيني في الروج»، حتى لا أقضي الشهر وأنا «ممروج»، أو يسعفني بقرض استعجالي، «نمشّي بيه حالي».
لكن «البنكاجي» رفض بكل إصرار، أن يقرضني ولو دينار، لأن حسابي جاوز كل حدود الاحمرار، ثم إني – والحق يقال- بطل العالم في الاقتراض، وأعلم علم اليقين أن «الكاس فاض»، بعد أن مكّنني صديقي «البنكـاجي» من كل القروض السانحة ، فلا عجب أن يتصرّف معي اليوم مثلما تتصـرّف الصّنـاديق الدوليـة المانـحة، بل له الحـقّ في ذلك، فأنا لم أترك قرضا إلا طلبته كيفما أمكن، من قرض السيارة إلى قرض المسكن، إلى جانب كل أنواع القروض ذات الطابع المباشر، «وبيها نحل جوانحي» مثلما يفعل الطائر، وكلما انتهى استخلاص قرض جدّدته، ثم عدت فمدّدته.
وعندما طلبت من صاحبي أن يجدّد لي من نوعية هذه القروض مثلما كان، أجابني:« يا حسرة يا زمان! ابنــي يا صاحبي طابية على القروض الاستهلاكية ، فالدولة قد أوقفتها ضمن إجراءاتها التقشفية».
وإزاء فشل مفاوضات اللحظات الأخيرة، مع المساند الرسمي لمشاريعي الصغيرة، لم يبق لي إلا ذلك الحل السحري، الذي يلجأ إليه كل تونسي، عندما تنسدّ أمامه الأفق، ويحس أنه مهدّد بالغرق: إنه حلّ التقسيط المريح والتسهيلات، فهو الباب إلى فرحة الحياة، من الضروريات إلى الكماليات، عندما تضيق السبل ويغيب الحل، لكن سرعان « مارجعلي شاهد العقل»: من أين لي بالتّسهيلات، وأكثر من نصف «الشهرية» ماشي «كمبيالات»؟
ولما عدت إلى الدار، وأنا تائه محتار، كيف سأواجه «المرا والصغار» ، وجدت أخبارا مفاجئـة في الانتظـار:«العـــلّوش» في تونس مصاب بالطاعون، والمدرسّون بإضراب في العودة المدرسية يـهددون!
ولم أدر ، وأنا أقرأ الحسرة، في عيون كل أفراد الأسرة، على كبش العيد، ونطحه الشّديد، ولحمه والقدّيد، هل أحزن لحزنهم أم أفرح لهذه المعجزة التي نزلت عليّ من السماء، لتعلن أن موضوع العلوش انتهى، وأن مصاريف العودة المدرسية، مؤجلة إلى أن ينتهي وزير التربية والنقابات إلى اتفاقية، أو هكذا كان أملي رغم ما فيه من أنانية.
وعندما وصل الكلام بالعياش إلى هذا الحد، سألته: «إذن عدلت عن الأضحية إن كنت فهمت القصد؟»، فأجابني بكل أريحية: «وكيف تريدني، يا صديقي، أن أتخلّى بسهولة عن هذه السُّنَة النّبويّة، وأن أترك الأولاد من دون أضحية ؟ ثم هل للعيد الكبير ، يا صاحبي، نكهة حقيقية، من غير لحمة طازجة طريّة، مشويّة كانت أم مقليّة؟».
وهنا قاطعته قائلا :« هذا هو الصّحيح!» أمّا الباقي «كلام ويهزّو الريح!» لكن من أين ستأتي، يا صاحبي، بالحنينات، لإرضاء هذه الشّهوات ، وأنت فالس وغير قادر حتى على التّسهيلات؟»... فرد عليّ بإجابة ألجمتني، وفي مكاني سمّرتني: « ياخي ما فهمتش لتوّه؟ إمّالا أنا جيتك على شنوّه؟».