عبد الحفيظ الهرقام: هكذا تَسْقط عصابات المـخدّرات
كان عائدا للتوّ من رحلة إلى ريو دي جانيرو عبر الدار البيضاء.. ملامحه توحي بأنّه شاب مثقّف لا تحوم حوله شبهات.. ولكن ما إن اجتاز عتبة مطار تونس قرطاج حتّى ألقي عليه القبض.. عندما عُرض على الفحص بالأشــعة تبـيّن أنّه ابتلــع 30 كبــسولة تحتـوي على 350 غراما من مادة الكوكايين . كان من الضروري التعامل بحذر شديد مع هذا الشخص حتّى لا تنفتح أيّة كبسولة في إمعائه، حرصا على إنقاذ حياته، بما يسمح بإماطة اللثام عن هذه القضية.. أيّ غرابة في أن تكون شاحنة صغيرة (تكتك) محملّة بالدلّاع؟ لماذا خــضعت للتفتيـش؟ هل كان ذلك من باب المراقبة الروتينية، أم أنّ في الأمر سرّا؟
في الظاهر كانت الحمولة كميّة من الدلاّع، غير أنّ تحتها دُسّت 100 كغ من عجين التكروري (الزطلة).. أمّا قضية الجرّار الذي تمّ إخفاء 524 كغ من مادّة «الزطلة» في عجلتيه فتلك قضية مثيرة ستظلّ من قصص النجاح في سجلّ الإدارة الفرعيّة لمكافحة المخـدرات، المــشهود لها بالنــجاعة والحرفيــة والتي يهابها ويهاب أعوانها تجّار المخدرات ومروّجوها في تونس. تطلّبت متابعة هذه القضية إعداد خطّة محكمة وبذل جهود مضنية للإيقاع بواحد من أخطر تجار المخـدّرات في البلاد.إنّ ما تقـــدّم ذكـره ليــس إلّا عيّنــات من معركة يوميّة تخوضها وحدات الأمن والحرس والديوانة في سبيل مكافحة المخدّرات، هذه الآفة التي لا يخلو منها أيّ مجتمع... تمثّل تجارة المخدّرات في العالم اليوم ثاني سوق اقتصادية، بعد سوق الأسلحة، وتعدّ 250 مليون مستهلك، رقم المعملات فيها يتراوح بين 300 و500 مليار دولار، في حين يقدّر ما يبيّض من أموال تدّرها هذه التجارة المربحة بـ 150 مليار دولار، حسب أحد تقارير منظمة الأمم المتحدة. في تونس، ما فتئت رقعة استهلاك المخدّرات تتّسع، وخاصّة «الزطلة»، باعتبارها المادّة الأكثر استهلاكا (90 بالمائة)، في ضوء عدد القضايا التي باشرتها الأجهزة الأمنيّة. في سنة 2015، بلغ عدد المورّطين في هذه القضايا 9443 شخصا، أغلبهم من الفئة العمرية 18-30 سنة (6407 أشخاص) ومن صنف العمّال اليوميين (8474 شخصا)، بينما بلغ في سنة 2006 عدد المورّطـــين 2430 شخـــصا، معظمــــهم أيـــضا من الفئة العمرية 18-30 سنة ومن صنف العمّال اليوميــين (1515 شخصا)، أي أنّ عـدد المــورّطين في قضايا مخدّرات تضـــاعف أربع مرّات تقريــبا في غضون عشرية واحدة. أمّا حجم الضبطيات فقد تطوّر كذلك خلال الفترة نفسها، وارتفعت كميّات «الزطلة» المحــجوزة من 222 كغ في ســنة 2006 إلى 7669 كغ في سنة 2015، وهو رقم قياسي، مقارنة بحجـــم الضبطـــيات من هـــذه الـمادة في السنوات السابقة.
ما هي أسباب تمادي جرائم المخدّرات في تونس؟ كيف تسير سوق المخدّرات وماهي أبرز مؤشّراتها في بلادنا ؟ وماذا عن مسالك التزوّد والتوزيع والترويج؟ وهل هناك علاقة بين تجارة المخدّرات والإرهاب؟ وماذا يمكن أن نستنتج من الإحصائيات المتعلقة بجرائم المخدّرات؟ وما هي مرتكزات الخطّة الأمنيّة لمكافحتها؟ ثمّ، في إطار الجدل الذي أثاره مشروع القانون الذي يلغي ويعوّض القانون عدد 52 لسنة 1992، لا مناص من طرح السؤال التالي : هل ينبغي عدم تجريم استهلاك «الزطلة»؟ تلك أسئلة تحاول لـيدرز العـربية أن تجيب عنـها في هذا التحقيق الذي قادها إلى استكشاف عالم سرّي، وإلى الحصول على معلومات وإحصائيات تنشر لأوّل مرّة.
المعلوم أنّ تونس لا تُنتج فيها مخدّرات، ولمّا يعمد البعض إلى زرع نبـــات القنــب الهــندي، في حقــــول أو حدائــــــق أو في محابس للاستهلاك الشخصي فإنّ ذلك يمثّل حالات شاذّة غالبا ما تُكشف بسرعة. فمختلف أصناف المخدّرات المتداولة اليوم، مصدرها الخارج وفي مقدّمتها «الزطلة». والمشكل المطروح في هذا الشأن منذ عقود له أساسا علاقة بالجغرافيا.
البداية من الحدود الغربية
عبد الحفيظ الهرقام
- اكتب تعليق
- تعليق