أخبار - 2016.09.20

روضة بن عثمان: من يمتلك الجامعة التونسية؟

من يمتلك الجامعة التونسية؟

أود أن أشير في البدء أن مفهوم الجامعة في تونس مفهوم فضفاض يختلف من شخص إلى آخر وحتى من وثيقة رسمية إلى أخرى. لو سألت أي ولي أين يدرس ابنه أو ابنته فقد يجيبك فورا في الجامعة وهو يشير بذلك إلى أن ابنه أو ابنته قد أنهى الدراسة الثانوية وانتقل إلى الدراسة في مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي. وهذا تعريف شامل للجامعة كمكان لمرحلة دراسية تلي المرحلة الثانوية. أما بالنسبة إلى العاملين في القطاع، فعادة ما يستعملون لفظ الجامعة للإشارة إلى المؤسسة التي تشرف على عدد من مؤسسات التعليم العالي والتي تربط بين وزارة التعليم العالي، وزارة الإشراف، وبين هذه المؤسسات.

وإن كان كلا التعريفين صحيحا جزئيا إلا أنهما لا يفيان التعريف "العلمي" للجامعة حقه. فللجامعات أدوار ثلاثة متفق عليها وهي التعليم والبحث وخدمة المجتمع ولا يمكن أن تسند صفة الجامعة إلى أي مؤسسة تعليم عالي أو بالأحرى مجموعة من مؤسسات التعليم العالي إلا حين قيامها بكل أدوارها الثلاثة معا بغض النظر إذا ما تتميز أو تقصر في أحد هذه الأدوار أو في جزء منها أو في كلها.

بُنيت الجامعة التونسية في منتصف القرن الماضي على أنقاض التعليم العالي الزيتوني وعلى نواة للتعليم العالي التابع للجامعة الفرنسية والذي كان يؤمه أساسا أبناء الجالية الأوروبية وعدد قليل من الطلبة التونسيين، يدرسون لسنة أو سنتين ثم يلتحقون بإحدى الجامعات في فرنسا لإكمال دراستهم. ألغي التعليم الزيتوني ووقع تطوير نواة التعليم العالي الفرنسي إلى الجامعة التونسية التي آلت على نفسها أن تستنسخ نظام التعليم والبرامج للمنوال الفرنسي. كانت الدولة التونسية تروم تأسيس جامعة حديثة عصرية توفر كوادر الدولة وتفي حاجتها إلى الموظفين وأصحاب المهن الحرة. كان هدف الدولة في العشرية الأولى بعد الاستقلال هو أولا تونسة الشهادات العلمية وثانيا تونسة إطار التدريس كجزء من تونسة كل إطارات الدولة في شتى المجالات. وتأسست مختلف الكليات والمعاهد العليا لتلبي مختلف الاحتياجات لمختلف الاختصاصات. ومع ازدياد عدد الطلبة والمؤسسات تقرر إنشاء الجامعات والتي تضم أساسا عددا من المؤسسات الجامعية المتقاربة جغرافيا إلى مؤسسة تسمى بالجامعة وتعمل كما ذكرنا على الربط بين وزارة الإشراف والمؤسسات التابعة لها.

تبلغ ميزانية التعليم العالي حوالي 6 بالمائة من ميزانية الدولة ويُصرف معظمها على الأجور. وبذلك تبدو الإجابة البديهية للسؤال المطروح في عنوان المقالة أن الدولة التونسية هي من تمتلك الجامعة التونسية ولعلنا الآن نحتاج أكثر من أي وقت مضى أن نتساءل عما إذا ما وجب مراجعة نظام التعليم العالي مراجعة جذرية والبدء بطرح أسئلة بسيطة حول عدة أمور لطالما بدت أجوبتها وكأنها بديهية منها من يمتلك الجامعة التونسية. .

كان من الحتمي أن تمتلك الدولة التونسية نواة الجامعة التونسية وكل المؤسسات التي أسستها لاحقا وذلك أولا وبالذات لأن الدولة التونسية اختارت نموذج الدولة الراعية وثانيا لأن الدولة التونسية أقامت مؤسسات التعليم العالي على حسب منوال الجامعة الفرنسية. وقد ارتأت الجامعة الفرنسية في فترة ما من تاريخها التزام الدولة بدفع أجور الأساتذة كحل أمثل ووحيد للتخلص من براثن الكنيسة والانفلات من قبضتها كالراعي الأوحد والممول التقليدي للمعرفة وسبل نشرها وبذلك أصبحت الجامعات الفرنسية مملوكة تدريجيا بصفة كلية من طرف الدولة. واليوم بعد 60 سنة من الاستقلال وبعد أن خرّجت الجامعة التونسية كوادر الدولة بأعداد لا تفي فقط حاجتها ولكن تزيد عنها في بعض الأحيان أضعافا مضاعفة، يجب أن نتساءل هل يجب أن تستمر الدولة التونسية في امتلاكها المطلق للجامعة التونسية فتقرر برامجها وتنتدب أساتذتها وتوجه طلبتها وتضبط وجهتها وتحدد رسالتها وتؤثر في توجهاتها البحثية وتأمر وتنهي وتعزل وتولي وتراقب وتتفقد وتكافئ وتعاقب؟

إن الدولة التونسية وهي تقرر الميزانية العامة وتحدد ميزانية التعليم العالي إنما هي في حقيقة الأمر تقرر أموال دافعي الضرائب ويفترض أنها تمثل كل شرائح المجتمع التونسي على درجة متساوية من الحيادية وأنها تتخذ القرارات والخيارات الجامعية لفائدة الشعب التونسي وهو المستفيد الصامت من التعليم العالي الذي لم يكن له صوت يسمع عند اتخاذ القرارات المصيرية شأنه شان سائر المستفيدين من طلبة وأولياء ومشغلين. أليس حري بنا أن نجيب عن سؤال من يجب أن يمتلك الجامعة التونسيين بجواب بسيط ألا وهو المستفيدون هم من يمتلك الجامعة التونسية؟

لا يمكن لجامعاتنا أن تنتقل من هياكل إدارية لتسيير التعليم ما بعد الثانوي إلى جامعات بالمفهوم العلمي للكلمة وهي التي صادرت وزارة الإشراف جل مهامها الكبيرة وأوكلت إليها مهام تسيير المهام الصغيرة وتنفيذ العليمات الظاهر منها والمخفي . ولا يمكنها أن تضطلع بهذا الدور وهي التي لا توفر فضاءات حوكمة يكون لكل مستفيد من مستفيدي التعليم العالي صوت له أن يناقش ويطلب ويقرر ويساءل.

وقد عاملت دولة الاستقلال مواطنيها وكأنهم قصر لا يفقهون الطيب من الخبيث ولا يعرفون أين تقع مصلحتهم وقررت عوضا عن المتعلم، والولي، والمشغل، والمجموعة الوطنية ماذا يدرس المتعلم، ولماذا، ومتى، وكيف، وأين، وبأي لغة. ولكي تتمكن من إحكام قبضتها على المجال التربوي ألغت الأحباس، وأغلقت جامع الزيتونة فانقرضت الجمعيات الخيرية العاملة في القطاع ولم يعد للمجتمع المدني أي دور يذكر. واستسلم المواطن راضيا مرضيا لحلم التعليم العصري وسراب التنمية والحرب على الفقر والأمية والتخلف. وإن لا يسع المجال لتقييم كل الخيارات التربوية لدولة الاستقلال إلا أنني لا أرى مطلقا كيف يمكن لدولة افتك فيها المواطن حرية التعبير ويطمح فيها الشباب لنظام حكم تشاركي ديمقراطي لكل مواطن فيه مكان وصوت أن تحتفظ بنظام تعليم عالي سلطوي أفقي أقل ما يمكن أن يقال فيه هو أنه لا يمكن أن يخرج ديمقراطيين بما أن القرارات التي تأخذ في شأنه تفتقر إلى أبسط قواعد الديمقراطية.

وببساطة، المستفيدون من التعليم العالي هم ولوحدهم من يمتلكون الجامعة التونسية.

روضة بن عثمان
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.