أخبار - 2016.09.21

محمد‭ ‬ابراهيم‭ ‬الحصايري: إلى‭ ‬متى‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬"العبثيّة" ‬على‭ ‬اليَمن‭ ‬وفيه؟

محمد‭ ‬ابراهيم‭ ‬الحصايري: إلى‭ ‬متى‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بالعبثيّةا‭ ‬على‭ ‬اليَمن‭ ‬وفيه؟

إن الكتابة عن الحرب المتواصلة على اليمن وفيه منذ ما يناهز سنة ونصف السنة، ليست بالأمر الهيّن لا عقلانيا ولا وجدانيا، فأنت إن نظرت إليها، بعقلك، لا تملك إلا أن تسلّم بـ»عبثيتها» ومنافاتها للمنطق، وإن نظرت إليها، بقلبك، لا تستطيع إلا أن تشعر بالأسى وأن يتأذّى وجدانك من هذا الزمن العربي الرديء الذي بات فيه العرب يخرّبون بيوتهم بأيديهم أو بأيدي بعضهم بعض...

لأنّ الصمت عن هذه الحرب، إن طمعا أو هلعا، شكّل جزءا لا يتجزّأ من «عبثيّتها»، فإنّ التّمادي فيه لم يعد ممكنا.

ومن هذا المنطلق سأحاول في هذه المقالة أن أتطرّق إلى بعض دواعي التعجيل بوقف هذه الحرب «العبثية»، ووضع حد للوبال الوبيل الذي ما انفكت تعود به على كافّة أطرافها...  ونقطة البداية في الحديث عن هذه الحرب هي هذا الاجتماع الذي عقده يوم الخميس 25 أوت 2016 في جدة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وتوباس إلوود وزير الدولة البريطاني لشؤون الشــرق الأوســط مع وزراء خارجية دول الخليج... فهذا الاجتماع لم يكن لينعقد لولا شعور الأطـراف المشــــاركة فيه بأن ورطة الحــرب على اليمن وفيه بلغت من التفاقم حدّا يفوق الاحتمـال وأن استمرارها سيـعني لا محالة المزيد من تعقيد الأوضاع في اليمن وحوله...

إن هذا الاجتماع الذي قـيل إنه تركــز على بحث تطـورات الوضـع في اليمن وســبل تحـقيق الـسـلام والاستـقرار فيه، كـما تطــــرّق إلى الوضع في سوريا وسبل مواجهة تنظيـم «الدولة الإســـلامية في العراق والشام»، جاء أيّاما معدودة بعد أن أوقف الكونغرس الأمريكي التّصديق على صفقة بيع سلاح إلى الرياض وبعد أن قرّر البنتاغون سحب عدد من الخبراء  العسكريّين الأمريكيّين من المملكة العربية السعودية على إثر قيام طائراتها بقصف مستشفى تدعمه منظمة «أطباء بلا حدود» في اليمــن يوم الاثــنين 15 أوت 2016،  وهــو ما دفع المنظمة إلى طلب مغادرة اليمن وإنهاء عملها الإنساني فيه... وقد رأى بعض المحللين في هذا القرار الأمــريكي انعطـافة، أو بداية انعطافة  في هذه الحرب التي ما كانت الرياض لتخوض غمارها لولا موافقة واشنطن ولندن ودعمهما.

وبالفعل فقد كشفت تطورات الحرب أن دور الولايات المتحدة وبريطانيا في الحرب، وإن تخفّى وراء التحالف السعودي العربي، كان محوريا سواء من حيث الدّعم اللوجستي والمعلوماتي والمخابراتي، وتأجير الأقمار الصناعية، وتجنيد خلايا التجسّس، وتفعيل شبكات العلاقات العامة السياسية والمدنية، أو من حيث الإمداد بالأسلحة وصيانة ما يحـتاج منـها إلى الصيـانة وتعـويض ما يحتاج منــها إلى التعويض، وذلك بالإضـافة إلى إرســال عصابــات المرتــزقة من شركة «بلاك ووتر» الأمريكية وشركات مماثلة أخرى إلى اليمن لتعيث فيه فسادا...

أما على الصـعيد السيـاسي فإن الولايات المتحـدة التـي تتحـكّم في سياسات أغلب البلدان العربية، والتي تسيطر على قرارات جامعة الدول العربية وخاصة منظّمة الأمم المتحدة تقدّم الغطاء السياسي اللازم للحرب على اليمن وحتى لما رافقها من فظائع.

وقد جاءت الموجة العارمة من النقد الداخلي والدعوات المتواترة الصادرة عن العديد من الأصوات الأمريكية لتكشف عن هذا الدور ولتطالب بوقفه وبالتوقّف عن تقديم الدعم للمملكة العربية السعودية وحلفائها في هذه الحرب التي شُنّت بذريعة القضــاء على الإرهاب فكانت، على العكس من ذلك سببا في تفاقم مخاطره... وهذا ما أعرب عنه مثلا السيــناتور كريــس ميرفي حيــن قــال «إن مشــاركة الولايات المتحـدة في الصراع، غير المـــوافق عليــه من الكونغرس في اليمن، تثير المشاعر المعادية ضد واشنطن... كما أن المدنيين هناك يتعرّضون للقتل بسبب ألوف الغارات، وأن تنظيمي «الدولة الاسلامية» و«القاعدة» ينموان في ظلّ الحرب الأهلية، وهو ما يشكّل تهديدا محتملا للولايات المتحدة»...

أما بالنسبة إلى بريطانيا فقد طالب نشطاء وسياسيون بريطانيون رئيسة الوزراء البريطانية بالتّصويت ضدّ إعادة انتخاب السعودية لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لأن «حجم الانتهاكات الممنهجة التي ارتكبتها الرياض في الداخل وفي اليمن... يجعلها غير مؤهّلة للعب دور دولي في مجال حقوق الإنسان»...

وقد جاءت الدّعوة إلى إقصاء المملكة عن رئاسة المجلس التي تقلّدتها منذ عام، بعد ظهور معلومات عن الكميات الكبــيرة من السلاح الذي قامت بريطانيا ببيعه للرياض، والذي «استخدم بعض منه في التدخل العسكري في اليمن».

ومن ناحية أخرى طالبت منظمة «مراقبة بيع الأسلحة» الدول الكبرى المصدّرة للأسلحة، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بوقف مبيعاتها للمملكة بسبب عملياتها في اليمن معتبرة أن هذه الدول التي وقعت على معاهدة تجارة الأسلحة واستمرت في بيع السلاح للرياض إنما تمارس «أسوأ أشكال النفاق».

وبقطع النظر عن أن هذه المطالبات جاءت متأخّرة، فإننا نلاحظ أنها تتقاطع مع إدراك الولايات المتحدة وبريطانيا أن «عاصفة الحزم» لم تكن إلا حربا خاسرة، فهي أخفقت في تحقيق أهدافها المعلنة والخفيّة، وبات من الضروري الخروج منها بأقلّ التكاليف الممكنة... لا سيما بعد أن منيت المفاوضات التي جرت بين أطراف النزاع برعاية الأمم المتحدة على امتداد ثلاثة أشـهر في الكويت، بالفشل، ولم تستطع التوصّل كما كان مؤمّلا إلى إنهاء النزاع بل إن فشلها أدى إلى تأجيجه بصورة غير مسبوقة، حيث تصاعدت المواجهات التي تدور بين القوات الموالية للحكومة اليمنية والمسلحين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتكثّفت غارات التحالف السعودي العربى على اليمن، وتزايدت في المقابل الاشتباكات على الحدود اليمنية السعودية.

وفي حين تواصل أطراف النزاع اتّهام بعضها البعـض بالمســؤولية عن فشــل المـفاوضــات، فـإن كل طـرف منها يحــاول الآن وبكـــل ما أوتي من قوة أن ينتزع أكبر قدر ممكن من «المكاسب» الإضافية في ساحة الحرب حتى يستغلّها في تعزيز موقفه عند استئناف مفاوضات السلام التي لا مهرب منها إن عاجلا أو آجلا...

غير أن هذه المرحلة التي يمكن وصفها بمرحلة «كسر العظم»، شهدت مستجدَّيْن هامين أعتقد أنه من الضروري الوقوف عندهما.

أما المستجدّ الأول فهو يتمثل في احتمال أن ينتـهي الأمر باليـمن إلى الانشطار الفعلي... ذلك أن الحوثيين وحلفاءهم من أتباع الرئيس علي عبـد الله صـالح، توصلـوا يوم 28 جويـــلية 2016، إلى اتفاق سياسي تم على إثره تشكيل «مجلس سياسي أعلى» منحه البرلمان الذي استأنف أعماله الثقة «ليحلّ محلّ رئاسة الدولة لإدارة البلاد وتمثيلها في الداخل والخارج وتوحيد الجهود لمواجهة العدوان، وطرد الاحتلال وكسر الحصار والحفاظ على الاقتصاد الوطني»، بل إن الحوثيين وحلفاءهم هدّدوا بتشكيل حكومة منافسة للحكومة «الشرعية»، إذا ظل الوضع على ما هو عليه.

وفي المقابل فإن الحكومة «الشرعية» التي رفضت، ومعها منظمة الأمم المتحدة، ودول الخليج وتركيا والدول الثماني عشر الراعية للتسوية في اليمن جملـة هذه الخطوات رفـضا قاطـعا، تهدّد من جانبها بنقل مؤسسات الدولة المركزية ومنها البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.

وأما المستجدّ الثاني، فهو يتمثل في احتمال دخول روسيا على خط النزاع في اليمن إذ أن الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، أكد استعداده للتعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب. وقال في مقابلة مع قناة «روسيا 24»: «إن روسيا هي الأقرب إلينا، ولها مواقف إيجابية في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن وقد استخدمت حق النقض (الفيتو) لصالح قضايا مهمة»، وأضاف: «نحن نمد أيدينا إلى روسيا للتعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب المدعوم من دول المنطقة».

وبعد أن أشار إلى وجود اتفاقيات بين اليمن وبين روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفياتي قال «إننا على استعداد لتفعيل هذه المعاهدات والاتفاقيات» وذلك، كما أوضح، بتمكين روسـيا من تسـهيـلات من خلال القواعد الموجودة في مطارات وموانئ اليمن...

وبالرغم من أن الرئيس علي عبد الله صالح لم يعد يحكم اليمن، فإن مسؤولي حزبه الذين يديرون مع حلفائه الحوثيين المجلس السياسي الأعلى الذي يسيطر على قسم كبير من أراضي البلاد يستطيعون تجسيم الاستعدادات التي عبر عنها...

وانطلاقا مما كشفت عنه الأيام الأخيرة من تعاون أقل ما يمكن أن يوصف به أنه «مدهش» بين روسيا وبين ايران فإنه من غير المستبــعد أن ينظـر الحوثيـون إلى توجّه حليفهـم الــرئيس علي عبد الله صالح بعين الرضا...

وعلى كل فإنه من المهم الإشارة هنا إلى أن موسكو أوفدت مؤخرا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى الرياض في إطار جولة موسعة قام بها في منطقة الخليج والشرق الأوسط بصفته مبعوثا خاصا من الرئيس الروسي، وقد أجرى خلالها مباحثات مع كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والمعارض السوري أحمد معاذ الخطيب ووزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي ووزيري الخارجية والدفاع القطريين خالد العطية وسلطان المريخي.

وقد جاء في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية، يوم الاثنين 22 أوت 2016 أن مباحثات ميخائيل بوغدانوف مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ومع ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان تركزت على الأوضاع السياسية والعسكرية والإنسانية في اليمن وسوريا والأراضي الفلسطينية.

وقد أكد الجانبان الروسي والسعودي ضرورة وقف العنف بأسرع وقت ممكن والبحث عن حلّ سياسي في المنطقة.

وإذ نؤمّل أن يكون الجانبان الروسي والسعودي صادقي النية فيما أكّداه، وأن يلتقي تحرّك موسكو في اتجاه المنطقة مع بوادر رغبة واشنطن ولندن حليفتي الرياض في الخروج من النزاع اليمني، فإننا نعتقد أن على العرب ممّن يشاركون وممّن لا يشـاركون في التحالف السعودي العربي أن يراجعوا مواقفهم وأن يساهموا كل حسب إمكاناته في الدّفع نحو إنهاء هذه المأساة ووقف نزيف الدّم والمال العربيين، لا فحسب من باب مساعدة «الأشقاء الأعداء» على الخلاص من ورطة هذه الحرب «العبثية»، بل كذلك  من باب رد البلاء الذي يتربّص بها هي أيضا من جراء استفحال التطرف والإرهاب وتأجّج نيران الفتنة المذهبية في هذه البقعة بالغة الحساسية من البلاد العربية./..

محمد‭ ‬ابراهيم‭ ‬الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.