أخبار - 2016.09.08

مصطفى التليلي: أيعقل أن يرتهن الإسلام بالتقوى القائمة على تفسيرات حرفية تستخدم لتبرير العنف

أيعقل أن يرتهن الإسلام بالتقوى القائمة على تفسيرات حرفية تستخدم لتبرير العنف

بقلم : مصطفى التليلي - قلة اليوم يشككون بأن اسم الإسلام في الغرب تلطخ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011. ورسخت أحداث مروعة أخرى شهدها العالم في السنوات الخمسة عشر   التي أعقبت أحداث سبتمبر سمعة الإسلام السيئة. وقد بلغ بنا الحال أن بعض القادة السياسيين الغربيين باتوا اليوم يجعلون من شجب الإسلام منصة ينطلقون منها في حملات ترشيحهم لمناصب رسمية، غالباً ما كانت ترافقها تصريحات نارية تنم عن جهل مطبق.

لا يبدوأننا اتفقنا نحن المسلمون في بدايات القرن الحادي والعشرين   ــ سواء كنا نعيش في الغرب أو في بلدان ذات غالبية مسلمة ــ على ما يعنيه كوننا مسلمين. ويزيد غياب سلطة مركزية في التراث والفكر الإسلامي من حدة هذه المشكلة. فغالباً ما يكون السعي للوصول إلى السلطة هو الدافع الأساس لهؤلاء الذين يتحدثون باسم الإسلام ويتصرفون على أساس قواعده.  ونراهم في معظم الأحيان يقدمون صورا متضاربة عن الإسلام ونصوصه المقدسة. كما تضخم وفرة وجهات النظر المطروحة عبر وسائط التواصل الاجتماعي من الالتباس إلى قدر ما كنا لنتصوره قبل أعوام قليلة خلت. فمن غير المدهش أن نجد اليوم ما أطلقتُ عليه اسم "سوق أسهم" مزدهر للفتاوى في العالم الإسلامي غالباً ما يعتمد على الشبكة الدولية (الإنترنت) لإيصال هذه الرسالة محبطا بذلك، عن عمد، الحوار مع الثقافات والأديان الأخرى.

بيد أن التاريخ ينبئنا بأن البحث عن حقيقة معترف بها عالمياً كان دائماً جزءاً من التراث الإسلامي خلال القرون الأربعة عشر الماضية. وإن جرّدنا التاريخ الإسلامي من تنافسه على السلطة السياسية، لاستطعنا أن نُوضّح كل ما بقي من الإسلام كدين في سياق العقيدة ومرتكزاتها ونصوصها الرئيسية وخاصة وقبل كل شيء القرآن. ولا يمكن فهم مختلف أبعاد الحضارة والثقافة الإسلامية بشكل صحيح إن لم نؤوّلها في السياق الذي انتجها سواءً كنا نتحدث عن الصراحة الجديرة بالإعجاب التي تمتع بها "المعتزلة" وهم مجموعة جريئة من العقلانيين ظهرت في العصر الكلاسيكي للإسلام، في أو أصولية "الموحدين" الذين دمّر تشددهم وتعصبهم اسبانيا المسلمة في العصور الوسطى، أو المخططات السياسية والدينية للسلفيين الجهاديين والوهابيين اليوم.

ما يجعل لحظتنا اليوم مختلفة هو وزن القواعد التي تنظم النظام الدولي والتحديات التي تمثلها والتي تعتمد بمجملها على ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يضاف إلى ذلك وزن العولمة والتحدي الذي تفرضه، الأمر الذي يقتضي أن يرد العالم الإسلامي على سؤال هام ألا وهو: " كيف يمكن أن يكون المرء مسلماً في القرن الحادي والعشرين؟".

وفي مفارقة واضحة مع زمن المعتزلة والموحدين والمؤسسين الوهابيين في القرن الثامن عشر أو حتى حركة الإصلاح الإسلامي في القرن التاسع عشر، أضحت المرويات التي تتعارض مع القيم العالمية المكرسة في الوثائق المؤسسة للأمم المتحدة وغيرها من الصكوك الدولية الملزمة قانونياً مرفوضة اليوم من قبل الأسرة الدولية. وثمة اختلافٌ آخر وهو أن البلدان الإسلامية لم تعد قادرة في عالم اليوم المترابط إلى أبعد الحدود أن تخفي بعض الحقائق حول افتقارها للتنمية الاقتصادية والتعليم وحقوق المرآة وحرية التعبير وسيادة القانون وتقبل الاختلاف. وما عاد بإمكانها أن تغمض عينيها عن الضرر الهائل الذي ألحقته المرويات الإسلامية الحرفية سواءً في العالم الإسلامي أو ما تجاوز حدود هذا العالم. إن أي مفكر مسلم أو مثقف أو قائد متفتح الذهن اليوم موجب بالاعتراف بتلك العلل التي يرزح تحتها الإسلام من ماليزيا إلى نيجيريا ومن المغرب إلى أذربيجان. وعليهم أن يسلّموا بالحاجة إلى مرويات مضادة ترتكز إلى تفسيرات مختلفة للنصوص المقدسة. كما أن عليهم أن يعترفوا بأن هذه المهمة تقع على عاتقهم. لا يمكن أن يقوم بها بالنيابة عنهم أي طرف من الخارج.

قراءة القرآن والحديث وتأويلهما ــ وفيهما النصوص التي يرتكز إليها الإسلام ــ كانت دائماً الأساس المطلق لتفهّم ما يعنيه مفهوم أن يكون الإنسان مسلماً. الإسلام دين وأسلوب حياة يُستلهما من فهم العقيدة. وبالنسبة للمسلمين، ليس تفسير القرآن والحديث مجرد مسألة تقوى. إنها مسألة تترتب عليها تبعات حقيقة تنظم الطريقة التي تبني من خلالها المجتمعات الإسلامية دولها واقتصاداتها ونظمها الأخلاقية والقانونية وعلاقاتها مع من تبقى من دول العالم. لقد تطور علم تأويل النصوص المقدسة  عبر القرون لكن إن اعترف مثقفو المسلمين وقادتهم الدينيين والسياسيين المستنيرين بأن التأويل، مثله في ذلك مثل أي علم آخر، يعتمد على أدوات وتصنيفات فكرية،  عليهم إذاً أن لا يترددوا في تطبيق العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة. ولن يتمكنوا من الخروج بمروية جذرية جديدة يستعاض بها عن مروية التطرف العنيف القائم على قراءات مضللة حرفية للنص المقدس إلا إن إعادوا النظر بشكل ثاقب في النصوص المؤسِّسة للعقيدة.

للتقوى غايتها التي من أجلها وجدت، لكن لا أحد يمكن أن يعرف في النهاية دورها في خلاصنا. وللفكر النقدي دور مختلف يخضع بموجبه المقدس لتدقيق واضح وثاقب. ونظراً لأن الخطر أضحى كبيرا كما هو حالنا اليوم، أيعقل أن يرتهن الإسلام بالتقوى القائمة على تفسيرات حرفية تستخدم لتبرير العنف؟ أو هل يمكن للمثقفين والقادة المسلمين أن يتوصلوا إلى فهم جديد للإسلام في القرن الحادي والعشرين بتطبيقهم لأدوات الفكر النقدي؟ هذا هوأهم سؤال يطرح على العالم الإسلامي اليوم وهو سؤال تترتب عليه آثار هائلة للمجتمع الدولي.

مصطفى التليلي 
مصطفى التليلي زميل في معهد الشرق والغرب في نيويورك
ومؤسس ومدير فخري لمركز حوارات التابع لجامعة نيويورك.

(نشر في جريدة المغرب في عددها الصادر يوم 8 سبتمبر 2016)

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.