محمد ابراهيم الحصايري: ولماذا الاستياء من الحقيقة؟..
بقلم: محمد ابراهيم الحصايري - أثارت تصريحات سفير ألمانيا بتونس حول "ضرورة تنظيف جزيرة جربة من قمامتها حتى يعود اليها السواح" استياء أرى أنه مفتعل في جانب كبير منه، لأنّ السفير لم يقل إلاّ الحقيقة المرّة التي لا نريد أن نراها وأن نواجهها. وقد عادت بي الذاكرة عند قراءة بعض ردود الفعل الانفعالية على هذه التصريحات إلى مقال كنت نشرته في 26 ماي 2015 تحت عنوان "حفر الطريق وأوساخه"، وقد انطلقت فيه من تصريح مماثل لنفس السفير غير أنه لم يأخذ، في ذلك الوقت، نفس الصدى لأنه قيل في دائرة ضيّقة...
ولأنني أعتقد أنما قلته في هذا المقال هو ما ينبغي أن نقابل به تصريحات السفير الالماني الجديدة لا سيما وأنه تزامن، ويا لها من مفارقة محزنة، مع إعلان رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات عن استحالة تنظيم الانتخابات البلدية المنتظرة بفارغ الصبر في مارس 2017، وعن ضرورة تأجيلها إلى موعد لاحق...
وقد رأيت من المناسب أن أعيد نشر هذا المقال باللغتين العربية والفرنسية حتى يتسنّى لقراء "ليدرز" الاطلاع عليه:
حُفَرُ الطّريق وأوْساَخُهُ...
في افتتاح أشغال الندوة التي نظّمتها يومي الجمعة والسبت 8 و9 أفريل 2015 "جمعية دراسات دولية" بالتعاون مع "مؤسسة فريديريخ ايبرت" الألمانية تحت عنوان "فضاء الساحل والصحراء: الرهانات والآفاق"، ألقى سفير ألمانيا بتونس كلمة مُرْتَجَلَة استهلّها بالتعبير عن ارتياحه للموضوع الذي اختارت الندوة أن تتناوله بالدرس، لأنّه، كما قال، يُخْرِج المشاركين فيها من خضمّ الهموم اليومية التي تعيشها البلاد، ومن "واقع الحفر والأوساخ" التي لا شك أنهم صادفوها وهم في طريقهم إليها...
وأعترف بأن "غمزة" الدبلوماسي الألماني أزعجتني، للوهلة الأولى، لسببين اثنين... أوّلُهُما أنها عبّرت، بطريقة فيها بعض الفجاجة، عن تبرّمه الصريح من مشهد بلادنا الذي أصابته التشوّهات بمختلف أصنافها، وثانيهُما أنها، عند التعمق في معناها، كأنما تريد أن تقول لمنظمي الندوة والمشاركين في أعمالها أما كان أجدر بكم أن تهتمّوا بترميم طرقاتكم وتنظيفها قبل أن تهتمّوا بمثل هذه المواضيع التي كانت وينبغي أن تظل من اختصاص "كبار العالم" الذين ستستضيفهم ألمانيا قريبا في إطار قمة مجموعة الدول السبع؟...
غير أنني بعد التمعّن قليلا فيما قاله السفير الألماني أحسست بأن فضيلة الرجوع إلى الحق تقتضي منّا، موضوعيا، أن نعود باللائمة على أنفسنا، فالعيب ليس فيما قاله عنّا، وإنما العيب فينا وفيما صنعناه ببلادنا حتى آلت إلى ما آلت إليه...
بل إنني، أكثر من ذلك، رأيت أنه قد يكون أحسن عملا عندما أهدى إلينا عيوبنا، فنبّهنا إليها بعد أن كدنا أن نألفها، وأن نتعوّد عليها، وأن نتعايش معها، وبعد أن أصبحنا لا نشعر بخطورة التشوّهات التي أصابت مشهد بلادنا فضلا عن أن نسارع إلى معالجتها... وإلا فما معنى هذا التلكؤ في العمل على إعادة الأمور إلى نصابها؟ ولماذا هذا التباطؤ في تنظيم الانتخابات البلدية التي كان يفترض أن تكون إحدى أولويات حكومتنا الجديدة "القارّة"؟ وكيف يمكن أن نفسّر هذا الإصرار المريب على استبقاء هذه "النيابات الخصوصية" التي أثبت أغلبها، على امتداد السنوات الماضية، مهارة منقطعة النظير في "ترييف" مدننا في الوقت الذي يريد فيه الدستور الجديد، "تمدين" أريافنا، ولو بالتعسّف والإكراه؟..
م.ا.ح
- اكتب تعليق
- تعليق