الدرس البريطاني
في الوقت الذي تتأهّب فيه بريطانيا لمناقشة شروط خروجها من الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت الذي سارعت فيه شعوب بعض البلدان الأوروبية الأخرى إلى مطالبة حكوماتها بالنسج على المنوال البريطاني، وفي الوقت الذي تواترت فيه التحذيرات من نوازع الانفصال والبلقنة في البلدان الأوروبية وفي أوروبا ككل، وفي الوقت الذي تحوّل فيه البحر الأبيض المتوسط، بعد مرور عقدين من الزمن على إطلاق مسار برشلونة الذي كان يهدف، نظريا، إلى جعله "منطقة سلام واستقرار وأمن"، إلى مقبرة حقيقية للآلاف من الفارّين إما من ويلات البؤس والفقر، أو من جحيم الحروب المشتعلة في العديد من بلدان الضفة الجنوبية، وفي الوقت الذي ازدادت فيه الهوّة الفاصلة بين بلدان ضفتيه اتّساعا، بدل أن تتقلّص، في هذا الوقت بالذات، تجد تونس نفسها مدعوّة إلى مفاوضة الاتحاد الأوروبي على ما يسمى بـ"اتفاق التبادل الحرّ الكامل والمعمّق".
وإذا لاحظنا أن ما تعيشه تونس اليوم من أوضاع صعبة هو في جزء منه نتيجة من نتائج السياسات المملاة علينا طوال العقود الأخيرة من الجانب الأوروبي، فإنه يحقّ لنا أن نسأل أنفسنا: ما الذي سنكمّل وما الذي سنعمّق؟
إنه من الضروري أن نسأل هذا السؤال وأن نحاول الإجابة عليه بكل موضوعية حتى "نحوكم" قدر الإمكان مفاوضاتنا مع الاتحاد الأوروبي على هذا الاتفاق، وحتى لا نواصل الانسياق، بعيون مغمضة، وراء السياسات التي يضعها الاتحاد بمفرده، والتي يفرضها علينا فرضا ولا يترك لنا أي خيار في قبولها أو رفضها.
وفي هذا السياق، أرى أننا مدعوّون بإلحاح إلى التمعّن في درس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من حيث دلالاته وتداعياته حتى نقوم بالمراجعات المستَوْجَبَة للعلاقات شبه الحصرية التي تربطنا بالاتحاد الذي يبدو أنه بدأ يتصدّع من داخله لأنه لم يحقّق أحلام أعضائه... فكيف بأحلام شركائه؟...
وربما سيكون من المفيد أن تتم هذه المراجعات لا فحسب على الصعيد الوطني وإنما أيضا على صعيد مغاربي... وهذا عمل يمكن أن يدشّن به الأمين العام الجديد لاتحاد المغرب العربي مهامه على رأس هذا الهيكل الذي لطالما شكا من الفراغ.
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق