عمر منصور:القاضي الذي اصطادته السّياسة
عندما عيّن عمر منصور واليا على أريانة في أوت 2015 لم يكن الجميع يعرف الكثير عن هذا القاضي الذي زجّ به في عالم السياسة، ولعّله كان في البداية كارها لها. كان الظرف الذي تمرّ به البلاد يفرض الاستنجاد بقضاة للاضطلاع بمهمّة الوالي لما تتطلبه من شروط الحياد، إلى جانب الكفاءة والنزاهة والإلمام بأبعاد المسؤولية. لم يخب ظنّ رئيس الحكومة في هذا القاضي، أصيل الحامة من ولاية قابس، والمولود في العاصمة سنة 1958والذي يتميّز بخبرة واسعة في مجال اختصاصه، بعد أن تدرّج بثبات في السلّم القضائي، من عميد قضاة التحقيق ووكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس 2 إلى رئس دائرة بمحكمة التعقيب بتونس، أعلى درجات القضاء، إذ سرعان ما جلب عمر منصور، والي أريانة، له حبّ الأهالي وتقديرهم ونال رضا رؤسائه، فأضحى أداؤه وخصاله في وقت وجيز حديث الناس، ليس فقط في ولاية أريانة بل وكذلك على الصعيد الوطني.. كانت تصل إلى الرأي العام أصـــداء متــواترة عن نشاط هذا الـــوالي الــذي كسر بأسلوبه الخاصّ ما علق بالمسؤول الجهوي منذ عقـــود طويلة من صورة نمطية.كان الكثير يرون فيه مثال الـــوالي الحــــازم المقتدر الذي يواجه المشاكل بشجاعة وتصميم مع السعــــي إلى حلّها بالسرعة اللازمة، والـــذي يحرص على تطبيق القانون وفرض هيبة الدولة ومقاومة مظاهر التسيب والاعتداء على الفضـــــاء العام، دون تردّد أو إبطاء، منتهجا سبيل الحوار والإقناع، بديلا للعنف والتسلّط. فتح باب مكتبه للمواطنين واختلط بهم في زياراته الميدانية، مبديا قدرة فائقة على الإصغاء لشواغلهم وهمومهم ومجتهدا في إيجاد طرق الاستجابة لها.
لم يمض أكثر من ستّة أشهر على رأس ولاية أريانة حتّى دعاه الحبيب الصيد إلى الانضمام إلى حكومته الثانية في 6 جانفي 2016 وزيرا للعدل. أهّله نجاحه في تحمّل أعباء مسؤوليته السابقة، فضلا عن سعة تجربته المهنيّة وثقة الأسرة القضائية فيه لتبوّؤ هذا المنصب الرفيع ضمن الفريق الحكومي. وما إن حلّ بباب البنات حتّى أقبل بجدّ على معالجة ملفات دقيقة ومتشعّبة، مدركا أنّ من أوكد أولوياته العمل على إصلاح المرفق القضائي الذي يشكو من عديد النقائص ومواطن الخلل، وتحسين ظروف عمل القضاة وتطوير المنظومة المعلوماتية في المحاكم، علاوة على إصلاح الأوضاع المتردية داخل السجون وإيجاد الحلول الملائمة للتصدي للاكتظاظ الذي تشهده.فتح عمر منصور العديد من ملفات الإصلاح منذ مجيئه إلى وزارة العدل، مقدّرا البون بين الموجود والمنشود، في ظلّ الظروف الاستثنائية التي تواجهها البلاد وتواضع إمكانيات الدولة، لكنّه لا يخفي تفاؤله بمستقبل أفضل للمرفق القضائي في تونس ما بعد الثورة. في موقعه وزيرا للعدل، يبدو عمر منصور- وهو ثالث قاض يتولّى هذا المنصب بعد المرحومين رضا بن على ومحمد صالح العياري- وكأنّه وقع في حبّ السياسة التي اصطادته، فله من الكاريزما وسعة الأفق الذهني والقدرة على التواصل مع الآخرين والوعي بمتطلبات خدمة الشأن العام ما يؤهله لخوض غمارها. ولا شكّ أنّ الأيّام القادمة ستحمل معها الجديد بشأن مستقبله السياسي.
- اكتب تعليق
- تعليق