وسائل الإعلام: الفيضان والفوضى (1)
تماما مثلما هو الشأن بالنسبة إلى المشهد الحزبيّ والمشهد الجمعيّاتي، انقلب المشهد الإعلامي في بلادنا بعد الرابع عشر من جانفي 2011 رأسا على عقب، والمشكلةُ أنّ رأْسَهُ ما يزال، منذُئِذٍ، على عَقِبِهِ.
وبالفعل، فمثلما توالدت الأحزاب حتى استعصى حصرُها، وتناسلت الجمعيّات حتى تعذّر إحصاؤُها، تكاثرت وسائل الإعلام بمختلف أصنافها المسموعة، والمرئية المسموعة، والمقروءة ورقيّةً كانت أو ألكترونية، بِنَسَقٍ أحبّ وَصْفَهُ بالـ"فئراني" لأنه يقرن بين كثرة المواليد وسرعة الإنجاب... وهو ما جعل الساحة الإعلامية تعاني من حالة فيضان سرعان ما أفضت بدورها إلى حالة فوضى، كثيرا ما تتدثّر بدثار الحرية الفضفاض...
وفي رأيي، فإن هاتين الحالتين اللتين تداخلتا تداخلا شديدا وباتتا تتبادلان التأثير والتأثّر هما المسؤولتان عن "الأمراض" التي أصابت العديد من وسائل إعلامنا...
وربما كانت أفضل وسيلة لتشخيص هذه "الأمراض" هي إلقاء نظرة على المشهد الإعلامي من زاويتي الحضور والغياب، فبهذه الوسيلة يمكن توصيف "الموجود" ورصد نقائصه، وتحديد "المنشود" ووصف مستلزمات بلوغه...
واعتقادي أن أوّلَ هذه "الأمراض" وأخطرَها هو نزوع قسم كبير من وسائل الإعلام الخاصة وحتى العمومية إلى الاهتمام بالحوادث وإهمال الأحداث، وإلى التركيز على المواضيع الهامشية وتجاهل القضايا المركزية التي باتت غائبة أو تكاد، سواء عن موادّها الإخبارية أو عن موادّها الحوارية، أو عن برامجها المنوّعة...
ومما يُفَاقِمُ من مخاطر هذا السلوك أنّ بعض هذه الوسائل قد تتناول هذه القضايا بطريقة مُجْتَزَأَة، أي من خلال بعض الأخبار أو الموادّ المتفرّقة المقتضبة التي تكتفي، بين الفَيْنَة والفَيْنَة، بتغطية جوانب منتقاة منها، أو هي تتناولها بطريقة متحيّزة، تعمد من خلالها، بواسطة أدوات معيّنة، إلى التقليل من شأنها والتشكيك في قيمتها...
وعند التأمّل في أسباب هذا الاجتزاء أو هذا التحيّز، نلاحظ أنها متعدّدة ومتنوّعة، وأن بعضها ذاتي وبعضها الآخر موضوعي، وبعضها ظرفي وبعضها الآخر هيكلي.
وربما جاء على رأس هذه الأسباب أن العديد من وسائل الإعلام إما لا تتوفر على رؤية واضحة لـ"رسالتها الاعلامية"، أو هي تتوفّر على رؤية منحرفة لها، عن عَمْدٍ من أجل تحقيق مآرب ستكون موضوع مقالي القادم.
محمد ابراهيم الحصايري
إقرأ المزيد
وسائل الإعلام: الفيضان والفوضى (1)
وسائل الإعلام: الفيضان والفوضى (2)
وسائل الإعلام: الفيضان والفوضى (3)
- اكتب تعليق
- تعليق