وسائل الإعلام: الفيضان والفوضى (3)
علاوة على افتقار العديد من وسائل إعلامنا إلى رؤية واضحة لـ"رسالتها الإعلامية"، أو رؤيتها المنحرفة، عمدا، لهذه "الرسالة"، وبالإضافة إلى النقائص "التكوينية" التي ولدت معها منذ نشأتها الأولى، أعتقد أن حالتي الفيضان والفوضى اللتين يعاني منهما المشهد الإعلامي في بلادنا اليوم، ترجعان أيضا، في جانب كبير منهما، إلى ما أسمّيه تداخل أجندات الذين يقومون بإنشاء هذه الوسائل وأجندات الذين قد يقفون وراء إنشائها، وكذلك عن التحالفات المصلحية التي قد تجمع بين هؤلاء وأولئك...
وإذا شئنا تصنيف هؤلاء وأولئك فإنّنا يمكن أن نقسّمهم إلى ضَرْبَيْنِ اثنين، ضَرْبٍ أوّل يشمل منشئي هذه الوسائل الذين قد يكونون من أصحاب رؤوس الأموال الذين يرون في الإعلام استثمارا مربحا تجاريا، وقد يكونون من الذين يستهدفون توظيف الإعلام في الدفاع عن مصالح طبقتهم الاجتماعية، وقد يكونون من الذين يريدون أن يتخذوا من الإعلام سلّما يرتقون بواسطته في مدارج التمكين السياسي.
أما الضرب الثاني فهو يشمل الذين قد يقفون وراء إنشاء هذه الوسائل أو دعمها بالمال أو رسم خطوطها الإعلامية في الخفاء، وهؤلاء قد يكونون أطرافا سياسية داخلية وقد يكونون أطرافا خارجية لها أجندات معيّنة تسعى إلى تحقيقها إما من أجل الترويج لأسلوب معيّن من العيش، أو لنشر منوال فكري مخصوص...
وربما تجلّى ذلك في هذا الكمّ الهائل من البرامج و"البضائع" الإعلامية المنمَّطَة المستنسخة، شكلا ومضمونا، عن برامج و"بضائع" أجنبية غزت وسائل إعلامنا حتى لكأنّنا فقدنا كل قدرة على التصوّر والخلق والابتكار بالانطلاق من خصائص مجتمعنا...
على أن أخطر ما يمكن أن ينجم عن اختلاط الاقتصادي بالسياسي، والداخلي بالخارجي والظاهر بالخفي من الأجندات هو الانحراف المضاعف الذي يتولّد عن تحالف بعض أصحاب وسائل الإعلام الجَشِعِين مع أطراف سياسيّة مكيافيلية، فمثل هذا التحالف يفرز، عادة، وسائل إعلام ذات دور هجين يجمع بين همّ الربح التجاري وهاجس التموقع السياسي، فلا ينتج غير مواد اعلامية خطيرة على مقوّمات المجتمع، لأنّها لا تعير أي اهتمام لضوابط القانون والأخلاق والدين.
وذلك، مع الأسف، هو ما تردّى فيه العديد من وسائل إعلامنا حاضرا...
محمد ابراهيم الحصايري
إقرأ المزيد
وسائل الإعلام: الفيضان والفوضى (1)
- اكتب تعليق
- تعليق
