الصمود قد يعني أحيانا المغادرة...

بهذه العبارة البليغة، أعلنت كريستيان توبيرا وزيرة العدل الفرنسية، يوم الأربعاء 27 جانفي 2016، عن استقالتها من منصبها، ثم غادرت الوزارة على "درّاجتها الصفراء"، وَسِيلَةِ نقلها المفضّلة...

أصل هذه الوزيرة من جزيرة "غويانا الفرنسية"، ومن أبرز المعارك الحقوقية التي خاضتها في حياتها السياسية معركة القانون الذي يرمي إلى الاقرار بأنّ تجارة الرقيق والاستعباد جريمةٌ ضد الانسانية.

ويعود سبب الاستقالة المباشر إلى أن الوزيرة التي أرادت، كما تقول، "أن تكون وفيّة لنفسها والتزاماتها ونضالاتها..." عارضت مشروع التعديل الذي أعلن الرئيس الفرنسي، على إثر الأحداث الإرهابية التي شهدتها باريس يوم الجمعة 13 نوفمبر الماضي، عن رغبته في إدخاله على الدستور بهدف إسقاط الجنسية الفرنسية عن مزدوجي الجنسية الذين يرتكبون أعمالا ارهابية...

وقد أثار مشروع هذا التعديل جدلا كبيرا في فرنسا، لا سيما وأنه، كما يرى بعض الفرنسيين أنفسهم، يميّز بين "الفرنسي الأصيل" وبين "الفرنسي الطارئ"، غير أنه، رغم خطورته، لم يحظ بأيّ اهتمام من قبل البلدان المغاربية...

وقد يقول قائل إن هذا الموضوع شأن فرنسي داخلي، ولا دخل للبلدان المغاربية فيه، غير أن هذه البلدان، في الحقيقة، معنية به من قريب وبشكل مباشر... ففي فرنسا يبلغ تعداد الجاليات المغاربية ما بين أربعة وستّة ملايين نسمة، وسيعني إسقاط الجنسية عن "ارهابي" مزدوج الجنسية من أصل مغاربي ترحيله أو محاولة ترحيله إلى أحد بلداننا رغم أنه قد لا تكون له أي صلة به لأنه ولد وتربى وعاش في فرنسا وارتكب جريمته الإرهابية فيها...

من هذا المنطلق، أعتقد أن الوزيرة المستقيلة جديرة بالتحية لسببين أولهما أنها باستقالتها برهنت على شجاعة والتزام نادري النظير، وثانيهما أنها بمعارضتها لمشروع هذا التعديل، دافعت لا عن بني جلدتها فحسب وإنما عن بني جلدتنا أيضا...

فكل الثّناء على موقفها النبيل... وعسى أن يحرّك هذا الموقف سواكن بلداننا المغاربية وينبّهها إلى ما سيكون لاعتماد هذا المشروع من تداعيات ستزيد من تعقيد العلاقات بين ضفتي البحر الابيض المتوسط فيما يتعلق بملفي الهجرة واللجوء وهو ما سيتطلّب الاستعداد للتعاطي معه تعاطيا مدروسا ومنسَّقا...

محمد ابراهيم الحصايري
تونس في 29/01/2016