أخبار - 2017.11.28

اللّيبيّون بين الانفلات الأمني فـي بلدهم وشظف العيش في تونس

اللّيبيّون بين الانفلات الأمني فـي بلدهم وشظف العيش في تونس

لم يكن قدوم الليبيين إلى تونس في الماضي يثير التساؤل، فقد تعوّدوا على زيارة تونس وقضاء فترات تطول وتقصر حسب ظروف الزيارة إن كانت سياحية أو علاجية أو عائلية..لكن منذ قيام الثورة الليبية في فيفري 2011، لجأ أكثر من مليون ونصف مواطن  ليبي إلى تونس، تفاديا لمخاطر القتال الذي اندلع في عدة مناطق هناك.

بسبب هذا الهاجس الأمني التجأت موجة أخرى من العائلات الليبية إلى تونس سنة 2014 و2015 بعد اندلاع المعارك بين الفصائل الليبية المختلفة وأصبح في تونس جالية ليبية هامة عدديا منها المقيم نهائيا ومنها المقيم ظرفيا يتنقّل بين تونس وليبيا لكنّه يقضي أغلب الوقت في تونس. عن هؤلاء أجرينا هذا التحقيق لنتعرّف عليهم وعلى ظروف إقامتهم ولنستجلي مشاغلهم ومدى تأثير حوالي 6 سنوات من الإقامة خارج الوطن عليهم.

تشابك اجتماعي بين الشعبين

يعيش العالم العربي منذ فترة مرحلة هجرة بشرية كبيرة شملت حسب الإحصائيات الأممية ما بين 14 و15 مليون لاجئ معظمهم من سوريا والعراق. ويبلغ نصيب ليبيا من هؤلاء بعد الثورة مليوني ليبي مهجّر يتواجدون في مصر والمغرب وتركيا والأردن وخاصّة في تونس التي بذلت لصالحهم مجهودا تضامنيا تاريخيا نظرا للعلاقات المميّزة بين الشعبين اجتماعيا واقتصاديا وللقرب الجغرافي وللتشابك بين الأسر الليبية والتونسية. ويوضّح هذا التشابك الاجتماعي الليبي التونسي ما يذكره الباحث الليبي فرج عبد العزيز نجم في دراسة حول أحياء «الليبيين» بتونس من أنّ عديد الأحياء في المدن والقرى التونسية تعود تسميتها إلى مدن وقرى وقبائل ليبية مثل حومة الطرابلسية بالمنستير التي أنجبت الحبيب بورقيبة. كما يشير إلى تطابق ألقاب عدّة عائلات تونسية مع أسماء مناطق أو قبائل ليبية مثل الطرابلسي والطرهوني والورفلي والغرياني والغدامسي والمصراتي والزليطني والورشفاني وغيرها. ويذهب الباحث إلى التأكيد أنّ السيد الباهي الأدغم ينتمي بدوره الى مدينة مصراتة الليبية، كما أن التشابه بين البلدين يبرز في اللهجة وخاصّة لدى أبناء الجنوب التونسي وكذلك في أصناف الطعام وخاصّة الشعبي منه وفي الغناء وبصفة خاصة المالوف.

من هم وأين يوجدون؟ 

هذا التّقارب بين الشعبين جعل الليبيين ينتشرون في معظم ولايات الجمهورية بأعداد متفاوتة ناهيك وأنّ تونس لا تفرض تأشيرة على دخول الليبيين كما فعلت دول الجوار الأخرى بعد الثورة. وتتضارب الأرقام الاحصائية حول عدد الليبيين المقيمين في تونس إذ تتراوح بين 8800 وهو العدد الرسمي الذي أفادتنا به المنظمة الدولية للهجرة والذي يتطابق تقريبا مع إحصائيات السفارة الليبية في تونس إذ يبلغ عدد المسجّلين لديها رسميا 7207 ( تضم 1256 عائلة و 365 أعزبا) ومع إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء الذي يقدّر عددهم بحوالي 8 آلاف. بينما يؤكد د.رافع الطبيب الباحث في الشأن الليبي أن العدد الجملي للمقيمين يتجاوز حاليا 100 ألف شخص وهؤلاء لم يشملهم الإحصاء وهم غير مسجّلين لدى السلطات الليبية. ولعلّ الإشكال في تضارب هذه الأرقام يكمن في التداخل بين المقيمين  وجزء هامّ من الليبيين المتنقّلين باستمرار والذين يزورون تونس لفترات قصيرة قد لا تتجاوز الشهر. لذلك يبقى تعداد الليبيين المقيمين في تونس إقامة كاملة غير مدقّق.

ويتمركز غالبية الليبيين المقيمين في تونس حاليا في العاصمة وفي الجنوب الشرقي. ففي العاصمة هم لا يوجدون حاليا بكثافة في الأحياء الراقية مثل النصر والبحيرة والمرسى والمنازه والمنار كما كانوا بعد هجرتهم الأولى سنة 2011 نظرا لظروفهم المادية، بل يقيم أغلبهم في مناطق ذات مستوى اجتماعي متوسّط فمثلا نجد أنّ عددا كبيرا منهم مقيم في أريانة والعوينة وعين زغوان وبن عروس وباردو وحلق الوادي وباب الخضراء... وهناك من يقيم في مناطق شعبية بالأحياء التي تحيط بالعاصمة Ùامثل حي هلال وحي التضامن ...أمّا في الجنوب التونسي فتتمركز نسبة هامّة من الليبيين في مدنين وتطاوين وصفاقس وجرجيس وجربة وبن قردان وقابس. ولعلّ العلاقات الوطيدة بالعائلات التونسية هناك قبل الثورة الليبية والقرب من التراب الليبي كانت من العوامل التي شجّعتهم على الإقامة في تلك الربوع. هذا إضافة إلى وجودهم بأعداد مهمّة في سوسة ونابل والحمامات والمنستير وبعض المناطق الأخرى. وتحصي السفارة الليبية 30 منطقة يقيم فيها الليبيون المهجّرون في تونس. ويشير ع.س، وهو شاب ليبي مقيم في تونس، إلى أنّ الظروف المادية اضطرّت العديد منهم إمّا إلى العودة إلى ليبيا في المناطق الآمنة وخاصة المنطقة الشرقية (بنغازي) وهناك من غادروا إلى مصر حيث يستطيعون الاستفادة في معيشتهم من فرق العملة (سعر صرف الدينار الليبي يساوي ضعف الجنيه المصري) لذلك تضاءل عدد الليبيين في تونس. ويقول لنا نادل في مقهى في شارع النصر أنّ العدد الذي يرتاد المقهى منهم اليوم قل بكثير عن السنوات الماضية وأنّ شارع النصر «فرغ».

أصنافهم وكيف يعيشون؟

في البداية طرحنا السؤال التالي على السيدة «لورينا لندو» رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة: هل يمكن اعتبار الليبيين المقيمين في تونس لاجئين أو مهجّرين فقالت: لا يمكن توصيفهم بـ«لاجئين» إذ لم يقدّم مطالب لجوء إلى تونس سوى ثلاثة ليبيين بل  يعتبرون مهجّرين بما أنّ الأغلبية السّاحقة منهم غادروا ليبيا لأسباب اضطرّتهم إلى ذلك.

وتضمّ الجالية الليبية في تونس رجال أعمال وتجّارا ومقرّبين من نظام القذافي ومقرّبين من ثوار فبراير وطلبة وعائلات وأناسا عاديين يبحثون عن الأمن والاستقرار ومتزوّجين من تونسيات، وهناك جزء من النخبة الليبية المقيمة كالقضاة والمحامين والأطباء والمهندسين والإعلاميين وحسب السيدة «لورينا لندو» فإنّ عددا من رجال الأعمال الليبيين حوّلوا إقامة عائلاتهم إلى تونس بينما واصلوا تسيير أعمالهم في ليبيا والتنقّل بين البلدين.

وإذا اعتبرنا فترة الدخول إلى تونس معيارا لتصنيف الليبيين المقيمين، يمكن حصر الليبيين المقيمين في تونس في ثلاث مجمـوعات:

تضمّ المجموعة الأولى المهجّرين الذين جاؤوا الى تونس عقب سقوط نظام القذافي 2011 بحثا عن مكان آمن لهم . أما المجموعة الثانية فتتكوّن من الذين قدموا إلى تونس ما بين 2012 وآخر 2015 وتضمّ عائلات ليبية اختارت المغادرة لعجز النظام القائم على توفير الأمن لها بعد أحداث مطار طرابلس وأحداث بنغازي وأحداث ورشفانة، وتتكوّن المجموعة الثالثة من الذين هاجروا بسبب تهديد نشاطات الجماعات المسلّحة أمنهم وأمن عائلاتهم. بينما يوضّح لنا مصدر مسؤول بالسفارة الليبية في تونس أنّ الليبيين في تونس ينقسمون إلى عدّة فئات فهناك الجالية (يقصد بها المتزوجون من تونسيات والطلاب المقيمون بغرض الدراسة والمستثمرون) والترانزيت والعبور (الذين يأتون إلى تونس بغرض الحصول على تأشيرة سفر لعدم وجود سفارات في ليبيا) والسياحة العلاجية وفئة المهجّرين (الذين يقيمون في تونس لظروف استثنائية).

وقد اعتمد أغلب الليبيين في معيشتهم في تونس بصفة كبيرة على مدّخراتهم لكن لما نفذت تلك المدّخرات أصبحوا يعتمدون على الإعانات المتأتّية من عائلاتهم في ليبيا ومن خارج ليبيا، وفي هذا الإطار يشير المصدر المسؤول بالسفارة إلى أنّ السفارة الليبية في تونس تقدّم إعانة للمهجّر المسجّل لديها وذلك حسب الإمكانيات المتاحة لها. ويشير الشاب ع. س إلى أنّ البعض منهم خيّر العمل ولو مؤقّتا في مشاريع صغيرة أنشؤوها بالمناسبة كالمقاهي والمطاعم وتقديم خدمات للقادمين للعلاج والاستيراد والتصدير، ويعتمد البعض الآخر على إيرادات إيجار العقارات التي اقتنوها في تونس وهذا خاصّ بفئة مرفهة من الليبيين الذين استثمروا أموالهم في هذا المجال بعد أن سمح القانون لليبيين بامتلاك عقارات في تـــونــس وتسجيل عقود الشراء منذ سنة 2016.

وحسب نفس المصدر في السفارة الليبية تعمل السفارة حسب الامكانيات المتاحة على اربط المهجّرين بالجهات ذات العلاقة في ليبيا لحلّ المشاكل التي تعترضهم وعلى التدخل لعلاج بعض الحالات الحرجة من خلال الملحقية الصحية وعلى إصدار جوازات سفر إلكترونية لهم. وأشار إلى أن السفارة تتواصل معهم عن طريق من يمثّلونهم وقد التقى بهم السفير الليبي في تونس في أكثر من مناسبة.

خالد الشّابي

قراءة المزيد:

هل يفيد الليبيون تونس اقتصاديّا

الصعــوبات التـي يـواجهها الليبيون في تونس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.