أخبار - 2016.02.11

أوروبا/ هجرة - عجز أوروبي كامل عن التصدي لتدفق اللاجئين

أوروبا/ هجرة - عجز أوروبي كامل عن التصدي لتدفق اللاجئين

قرّرت المستشارة الألمانية أنجلا ماركل الاستنجاد بمنظمة الحلف الأطلسي علها تهُبُّ لنجدة ألمانيا، وتساعدها على التصدي بالقوة المسلحة لتدفق اللاجئين الوافدين عليها بمآت الآلاف شبابا وأطفالا وشيوخا ونساء  بعد أن اضطروا اضطرارا الى إخلاء بيوتهم في سوريا بالخصوص، وكذلك في العراق وفي بلدان اخرى حيث انعدمت كل مقومات العيش وأتت الحرب على الأخضر واليابس وانعدم الأمان تماما. وكذلك فعل الرئيس التركي طيب أردوغان.
رحّبت ماركل بقدوم المهاجرين في بادئ الأمر، وسارعت ألمانيا لاستقبال أكثر من مليون مهاجر خلال سنة 2015 وبدأت تخطط لتيسير إدماج الوافدين عليها صلب المجتمع الألماني، مقدِّرةً أن انخراط أعداد وفيرة من الشباب من سوريا والعراق وشمال افريقيا في ميادين العمل والإنتاج سيكون عامل رخاء وازدهار في قادم السنوات، وأنّ ذلك سيساعد على تشبيب السكان، ووضع حد للاختلالات الديموغرافية في البلد، وتقوية البنية الاقتصادية والاجتماعية. ولم تتردد تركيا من جهتها في فتح حدودها وإعداد العدة لاستقبال "الضيوف" العابرين للحدود والذين بلغ تعدادهم في نهاية السنة المنقضية حوالي مليونين ونصف لاجىء. لكن أفواج الوافدين الى القارة العجوز ظلت في ازدياد، وهو ما أثار استنكار أحزاب اليمين وعديد القوى النافذة، فاضطرت الدول المستقبلة الى تشديد مواقفها واتخاذ إجراءات صارمة لوقف تدفق المهاجرين.

حصل ذلك في ألمانيا وفي كل بلدان أوربا الشمالية كالسويد والدانمارك وفنلاندا واضطرت أوروبا الى محاولة غلق حدودها بالكامل، لكنها اصطدمت بمشكلات عويصة لا عهد لها بها من قبل في سعيها إلى تخفيف الضغوط والأعباء المسلطة عليها جراء تدفق المهاجرين، وكانت الانظمة والاليات التي تستخدم عادة في مثل هذه الأحوال في نطاق الاتحاد الاوروبي أعجز من أن تفي بالحاجة، وزاد الهاجس الأمني الطين بلَّة بعد استفحال ظاهرة الاٍرهاب وتفاقم التهديدات الإرهابية وهو ما عمق الشعور بالخوف وجر المجتمعات الأوروبية الى حال من الانغلاق والانكفاء والانطواء.

تدفق المهاجرين الى أوروبا بكثافة آخذ في الازدياد رغم العذابات التي يلقونها ومخاطر الموت والتشريد التي تستهدفهم  في رحلتهم الى أوروبا. هنالك عجز أوروبي كلي عن مواجهة تبعات عدد التدفق للمهاجرين. لم تكن الدول الأوروبية خلال العشرين سنة الماضية مهيَّأة للتصدي لهذه الظاهرة ولم تدرج المسألة في سلم أولويات الاتحاد الاوروبي، وتُرِك أمر معالجتها الى كل دولة عضو على حدة.

وقد ظهر هذا العجز على وضع سياسة أوروبية واضحة في هذا المجال على نحو جلي خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث استقبلت تركيا مسؤولين سامين وافدين عليها على انفراد، وبدون اي تنسيق على مستوى الاتحاد الاوروبي، من فرنسا (وزير الداخلية) ومن ألمانيا (وزير الداخلية كذلك) ومن بريطانيا ودول أوروبية اخرى لاقناع أنقرة بضرورة فتح الحدود التركية أمام أفواج النازحين من شمال سوريا هربا من تردي الأوضاع على نحو مفجع هناك، وغلقها في نفس الوقت حتى لا يُحَوِّلوا وجهتهم الى الدول الأوروبية الاخرى، وذلك مقابل بعض المساعدات النقدية. ولا غرابة والحالة تلك أن تدفع تركيا الى اتخاذ هجرة طالبي اللجوء سبيلا إلى ممارسة الضغط على الاتحاد الاوروبي لحمله على الوقوف الى جانب أنقرة في بعض القضايا المهمة كمشروع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وموقف تركيا من المعارضة الكرديةالخ.

صحيح أنّ الدوائر المسؤولة في الاتحاد الاوروبي لا تنكر أنها مضطرة لدواعي قانونية وأخلاقية لاستقبال طالبي اللجوء، لكن ذلك لا ينبغي أن يحجب حقيقة أخرى لا مجال لإنكارها وهي أنّ الغرب يتحمل جانبا ذَا بال عن مسؤولية العجز عن كبح الهجرة وعن وضع السياسات والاستراتيجيات المناسبة في على هذا المستوى. لقد ظلت الدول الأوروبية الكبرى وخاصة فرنسا وألمانيا متشبثة بموقفها الداعي الى التخلص من الرئيس الدكتاتور بشار الأسد حتى يتيسر الدخول في مفاوضات مع مختلف الأطراف السورية الفاعلة لمعالجة الأزمة السورية المستفحلة، وقد تسببت الدبلوماسية الأوروبية العرجاء على نحو غير مباشر في تعقيد الأمور أكثر وأكثر وتعميق الفجوة والتنافر بين الأطراف السورية المختلفة وإلهاب نار الحرب المدنية في سويا.

ويمكن القول إنّ تدفق المهاجرين بأعداد مهولة ومتزايدة في اتجاه القارة الأوروبية قد تسبب في تقويض الحدود وانهيارها في أوروبا. لقد بلغ عدد المهاجرين الأجانب الى ألمانيا الى نهاية سنة 2015 حوالي مليون ومائة الف مهاجر، 60 ٪‏ منهم لا يتمتعون بحق اللجوء، ومن بينهم تونسيون ومغاربة وأفارقة من بلدان جنوب الصحراء وغيرهم يأتون اليوم الى أوروبا مرورا من تركيا حيث الحدود مفتوحة تماما، وترفض السلطات اليونانية استقبالهم أو هي تضطرهم الى التوجه الى مقدونيا التي تدفع بهم دفعا الى ألمانيا حيث يبقون وراء الحدود دون أي إمكانية للعبور الى الاراضي الألمانية.
ولا يبدو أنّ لاوروبا حاليا أي استعداد لتعديل موقفها الرافض لاستقبال المهاجرين. فحتى السويد، هذا البلد الذي فتح حدوده على مصراعيها لاستقبال الوافدين عليه من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا (حوالي 80 الف مهاجر) وتقديم العون لهم بمنح مساعدة نقدية بقيمة 150 يورو لكل طالب لجوء، أصبح اليوم مضطرا إلى تغيير موقفه في سعي إلى التخلص من نصف هؤلاء. ومثل السويد نجد له نظيرا في دول أوروبية أخرى كفنلاندة والدانمارك.

لقد أصبحنا اليوم ازاء موقف أوروبي من الهجرة يغلب عليه الغموض والتردد والقصور. الواضح أنّ أوروبا معرضة تماما عن مواجهة  أزمة تدفق طالبي اللجوء اليها بالإرادة السياسية اللازمة وفي كنف التضامن الكامل بين مكوناتها وتضافر الجهود بين كل الاطراف الفاعلة داخلها. وليس في مستطاع أي دولة اوروبية أن تتصدى بنجاح لهذا السيل الجارف من الأجانب الوافدين على القارة على نحو منفرد نظرا لعجزها التام عن مراقبة حدودها بالنجاعة الكافية . ولا من سبيل الى إيجاد مخرج حقيقي من أزمة اللاجئين غير سبيل التسامح والتوحد في كنف الفضاء الاوروبي المشترك، واعتبار  مسالة الهجرة  مسالة أوروبية بامتياز لا يمكن معالجتها على مستوى كل دولة على حدة وبمعزل على الدول الاوروبية الاخرى، ودون الفرز المتأني بين من تتوفر فيه الشروط التي تسمح له بالإقامة  والتمتع بحق اللجوء ومن لا تتوفر فيه هذه الشروط؛ بل لا بد من إدارتها بشكل جماعي فدرالي وتوفير كل الوسائل الضرورية حتى يتكلّل هذا المسعى بالنجاح.

يوسف قدية

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.