أخبار - 2025.12.22

كتاب "صفاقس الحقوقية تحديات وإنجازات (1978/2010)" لفتحي الهمامي: احترام الرأي أقوى من انتصار الرأي

كتاب "صفاقس الحقوقية تحديات وإنجازات (1978/2010)" لفتحي الهمامي: احترام الرأي أقوى من انتصار الرأي

•    مصنف حقوقي فريد، وباكورة انتاج تاريخي يهم جهة صفاقس. 
•    ذاكرة تأسيس فرع الرابطة التونسية لحقوق الانسان بصفاقس في 4 أوت 1978

بقلم رضا القلال (مؤرخ وكاتب صحفي)

المسألة الحقوقية اوكسجين حياة

أتذكر جيدا التاريخ والمكان والمقهى وتقريبا الوقت حين تعرفت على الصديق فتحي الهمامي. وهذا التاريخ الذي أتذكره، يرتبط بالإعداد لهذا الكتاب الذي أصدره هذا الصديق، منذ فترة وجيزة، تحت اسم: "صفاقس الحقوقية" وبعنوان فرعي، "تحديات وإنجازات (1978/2010).

وعندما أهداني كتابه الصادر في صائفة 2025 صعد تاريخ 2022، إلى الذاكرة، واتفقت معه على قراءة كتابه عند الصدور وتقديم ورقة عنه.  تذكرنا ذلك الموقف، وشغفنا حنينا إليه، وانتبهنا كيف مضت 3 سنوات بسرعة الضوء، وأكثر من سرعة البريد الالكتروني، الذي يصل إلى نقل البيانات من 66% إلى 96% مقارنة بسرعة الضوء. ومنذ ذلك الوقت نشأت بيننا صداقة "العروة الوثقى"، كما عرَفها جمال الدين الافغاني وتلميذه محمد عبده في باريس. وفتحي الهمامي هادئ الطبع وطيب ومبتسم ويتمتع بروح دعابة لطيفة. وهو شغوف بالقراءة لا تنقطع اسئلته. لهذا سطّر حكمته ومواقفه الإنسانية في هذا الكتاب، الذي ترك فيه لمسته الواضحة. والمسالة الحقوقية عنده اوكسجين حياة، ودم في الأوردة.

لا تصدق أنه لا يوجد وقت! فنحن في حاجة إلى تنظيم أوقاتنا، بهذه الصورة سنعمل وسنكتب وستستمر الحياة. وتقاليدنا المحلية علمتنا "العمل إلى الموت"، ورددت علينا جداتنا وأجدادنا "الراحة في القبر".... لقد عاش فتحي الهمامي حالة تسبق الشروع في الكتابة، وفُتحت له كل الأبواب.

الكتاب يعرف من عنوانه وهو سلطة مرجعية ووثيقة قيمة

كتاب "صفاقس الحقوقية، تحديات وإنجازات 1978/2010" جاء بعد 3 سنوات من تدريب العقل على ممارسة التفكير والتحليل والمقارنة والحفر في حرقة السؤال. وفك خيوط أحداث وأسماء وأماكن ومواقف طولها عدة سنوات، وتحديدا 32 سنة بين 1978 و2010. وكان التاريخ الأقرب يبعد 15 سنة، في حين قارب التاريخ الابعد 50 سنة، وامتاز في كل هذا المسح بجدّة الطرح وجدّيته. وتحكي لي زوجته.....أن هذا الكتاب قاسم بيته مدة 3 سنوات، ملأه بالأوراق والتسجيلات والكتب المكتظة، بخلاف النصوص والأفكار التي دونها في ذهنه. ولا شك انها كانت رحلة بحث مشحونة بكثير من القلق وبراكين الذكريات، وطارد فيها الكثير من المواضيع.  

وكما يُعرف البيت من بابه، ويدخل منه، يعرف الكتاب من عنوانه. والعنوان يتكون من عنوانين. عنوان رئيسي: "صفاقس الحقوقية" وعنوان ثانوي أو جانبي: "تحديات وإنجازات (1978/2010). وقد قُسم هذا الكتاب إلى أبواب أربعة:

الباب الأول: مؤتمرات فرع الرابطة بصفاقس من التأسيس إلى إحداث فرعين 
الباب الثاني: صفاقس الحقوقية، جدلية الجهة والمركز 
الباب الثالث: لمحة عن حياة الرابطة التنظيمية وجوانب من حياتها بصفاقس 
الباب الرابع: شخصيات حقوقية لامعة قادت الرابطة في الجهة

ونستحضر هنا بالتوصيفات التي قدمها الكاتب فتحي الهمامي، الاسماء الحقوقية التاريخية بصفاقس: الهادي محفوظ (رمز المبتدأ)، ومحمد عبد السلام بسباس (صوت الحق)، ومحمد الأمين اليوسفي (بوصلة الرابطة ودفة قيادتها)، ومحمود بن محمد بن جماعة (أيقونة الرابطة وعنوان استقلاليتها)، وعبد الحميد بن محمد الحصايري (الحقوقي المتعدد) ونعيمة الهمامي اليوسفي ( لا حرية للرجل من دون حرية المرأة) ونورالدين الفلاح (الخطاب الحقوقي البليغ) ود. محمد بن محمد السماوي (طبيب للمجتمع التونسي يعالج أمراضه التي يصيبه بها حكامه) ولسعد الجموسي (قطب من أقطاب الرابطة بصفاقس وبه تفتخر) وعبد العزيز عبد الناظر (مناضل ثابت الجأش).

إبراهيم بن صالح يمحص الكتاب تمحيصا خاصا

خط مقدمة هذا الكتاب، الأستاذ والحقوقي إبراهيم بن صالح، الذي سبق وأن ألف كتابا جيدا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عنوانه։ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بين الرهانات القديمة والتحديات الجديدة. وبصيغة أخرى، كما كتب في الصفحة الرابعة من الغلاف حول هذا الكتاب: "يحاول ان يجيب عن أسئلة تهم القارئ: ماهي الرابطة؟ ما تاريخها؟ ما قضاياها؟ بماذا تفيد الناس؟...." وهو عضو بالرابطة منذ 1982، ورئيس فرع صفاقس الجنوبية (2013/2016)، وعضو هيئتها المديرة منذ سنة 2016.  لقد قرأ - صاحب التقديم -  كتاب فتحي الهمامي المرة الأولى والثانية لتقديم الكتاب، وقرأ الكتاب مرة ثالثة لتقديم المؤلف وكتابه في احتفاء استحق أن يناله من فرع صفاقس الجنوبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ77 للإعلان العالمي لحقوق الانسان. انتظم هذا المجلس بقاعة المؤتمرات والأفراح لبلدية صفاقس، وأداره د. محمد بن حمودة.  وفي هذا المجلس قدم الأستاذ إبراهيم بن صالح الكتاب، وهو مزود بدرجة معرفية كبيرة به، بعد أن محّصه تمحيصا خاصا ودقيقا، وبسياقاته التاريخية، وقدم أيضا صاحب الكتاب زميله الحقوقي فتحي الهمامي، فظهر تجاوب الأفكار وتراسلها بينهما.

الكاتب فتحي الهمامي، ليس بباحث اكاديمي وهو ليس بمؤرخ وليس بالباحث الاجتماعي، هؤلاء كلهم صمتوا عن تاريخ فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بصفاقس، وعن تقييم تاريخ الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، وعن النظر في تاريخ الحزب الشيوعي التونسي بصفاقس وجمعية المحافظة على البيئة والمحيط... وتركوا هذه (التواريخ) جانبا، تماما مثل تاريخ صفاقس القديم، وتاريخ الحرب العالمية الثانية بصفاقس، وعلاقة صفاقس التاريخية بالبحر...كلها، ومواضيع أخرى، مازالت  تعاني من الإهمال وتعيش على التخوم والهامش. ومن حسن حظ الرابطة أن عرفت فتحي الهمامي، ليخوض هذه المغامرة بشجاعة تستند إلى التجربة والمعاينة وإلى طرح إشكاليات الباحث، ومعالجة صخب السؤال والتساؤل.

فقد راكم في كتابه الوثائق والأرشيفات والمصادر المعرفية (جرائد شمس الجنوب، الطريق الجديد، الرأي، الشعب، الموقف...) إلى جانب مؤلفات (إبراهيم بن صالح والهادي التيمومي، وزهير النيفر والبشير كمون، والعربي شويخة، وسهير بلحسن...)  واستعان بذاكرة من التقى بهم، ومنحوه وقتهم وذكرياتهم، وكانوا له المرجع والمعين. فنجد على جانب النخبة المؤسسة (د.محمد علولو، عمر بن ضوء، جمال الدين بالعربي، المنجي الناصري، مختار اللواتي،....).  

ومن الواضح أن الحقوقي فتحي الهمامي كتب في حدود صلاحياته، ولم يتجاوزها، فهو حقوقي وكتب عن صفاقس الحقوقية، وهو رابطي، وكتب عن الرابطة محليا ومركزيا. ونشر كما يظهر في الصفحة الأخيرة من الكتاب "عديد المقالات في قضايا حقوق الانسان والشأن السياسي ومشاغل مدينة صفاقس صدرت في الصحافة الجهوية والوطنية".

مولود جديد للأسرة الحقوقية بصفاقس: من حسن حظها أن عرفت فتحي الهمامي

قبل الختام، كتاب فتحي الهمامي "صفاقس الحقوقية، تحديات وإنجازات 1978/2010"، جاء في 317 صفحة من الحجم المتوسط، تزيّن غلافه، بنوع من البريق الجمالي، أعلام تونس العزيزة في باب بحر. هذا الكتاب سدّ الكثير من الفراغ التاريخي والمعرفي لصفاقس الحقوقية. قدم فيه المؤلف مسحا تاريخيا ومراجعة رصينة، ومنحه علامته المميزة. وهو تاريخ يناقش موضوعات ذات وزن ثقيل لا يمكن اقتطاعه من الذاكرة التاريخية الجمعية ولا يمكن نسيانه أو تجاهله بإنجازاته، وبجراحات الحقب التاريخية الملتهبة (أزمة 26 جانفي 1978، انتفاضة الخبز عام 1984، الازمة النقابية 1985...)

وككل كتاب، يمنح هذا الإصدار مجالا واسعا لإعادة قراءة هذه المساحة التاريخية وموضوعها الرئيس، وفق رؤى مغايرة تستخلص السمات الأساسية التي ميزت مقاربة فتحي الهمامي. ومن الواضح أنه يستحيل، في إطار مثل هذا العرض، استنفاد جميع جوانبه، والاحاطة بكل مكونات تفاصيله.  كما يبدو أن الكتابة عند فتحي الهمامي، بعد هذا الكتاب الأول، مازالت متدفقة بين أصابعه ولا شك أنه مازال هناك ما يكتب، واعتقد أن طاقته التي سخرها ونمّاها في الكتابة لا يمكن أن تنقطع.

رضا القلال
مؤرخ وكاتب صحفي

 
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.