الترجي الرياضي التونسي يؤبن فقيد الرياضة عامر البحري

تولى الأستاذ فاروق كتو، نيابة عن اسرة الترجي الرياضي التونسي تابين الفقيد عامر البحري بكلمة مؤثرة، جاء فيها:
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
"كل نفس ذائقة الموت".
نجتمع اليوم في هذه اللحظة المؤثّرة، ونحن محمّلون بالحزن، لنودّع أحد أعمدة نادينا، ورمزاً من رموزه الخالدة، وصديقاً قريباً من القلوب جميعاً: السيّد عامر البحري، رحمه الله رحمة واسعة.
لقد غادرنا الفقيد عن عمر ناهز أربعةً وتسعين عاماً، بعد حياة حافلة بالعطاء والوفاء، خصّص منها ما يزيد عن اثنين وسبعين عاماً في خدمة نادينا العزيز. لم يكن عامر البحري مجرّد إداري أو مدرّب، بل كان روحاً حيّة تتدفّق في شرايين النادي، وذاكرةً ناطقة تحفظ تاريخه، وشاهداً على كل مراحله.
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
بدأ الفقيد مسيرته في النادي كلاعب كرة قدم ثم مدرّبٍ للشبّان. هناك، حيث تُصنع البدايات وتُزرع القيم، كان الأستاذ عامر يعتني بالناشئة كما يعتني الأب بأبنائه. لم يقتصر دوره على تعليم تقنيات اللعبة، بل غرس فيهم الانضباط، حبّ الانتماء، روح التضامن والعمل الجماعي. وكان كثيرون يرونه مدرسة في التربية قبل أن يكون مدرّباً في الرياضة.
وبفضل حكمته وصبره، خرج من تحت يده جيل بعد جيل من اللاعبين الذين حملوا راية النادي، وساهموا في صنع أمجاده. وما زال كثير منهم إلى اليوم يردّدون عباراته، ويستذكرون نصائحه، ويذكرون مواقفه الإنسانية التي كانت تسبق في قيمتها أيّ إنجاز رياضي.
ثمّ واصل طريقه كمسير ثم كاتب قار لفريق الأكابر، حيث كان مثال الانضباط والدقّة. تولّى مسؤولية دقيقة وحسّاسة، فكان يعرف تفاصيل كل ملفّ، وكل إجراء، وكل لائحة. لم يكن يعتبر مهمّته مجرّد وظيفة، بل رسالة ومسؤولية، يؤدّيها بضمير حيّ، وإيمان صادق بضرورة الحفاظ على صورة النادي وهيبته.
لقد كان السيّد عامر بحقّ ذاكرة النادي الحيّة فقد عاصر معظم محطاته الكبرى من. انتصارات تاريخية إلى لحظات صعبة، وكان شاهداً على تحوّلاته وتطوّره عبر عقود طويلة. وفي كل موقف، كان المرجع الأمين الذي يلجأ إليه الجميع لمعرفة الحقيقة، أو لاستخلاص العبرة.
وإلى جانب ذاكرته الواسعة، كان يُعرف بكونه مرجعاً في القوانين واللوائح. لم يكن أحدا. يضاهيه في معرفته الدقيقة بالنصوص، ولا في حرصه على تطبيقها بعدل وصرامة. وفي لحظات الخلاف، كان صوته صوت الحكمة، وكلمته كلمة الحقّ التي تُنهي النزاع وتعيد الأمور إلى نصابها.
ومع كل ذلك، لم يتجرّد الفقيد يوماً من عاطفته الصادقة. فقد ظلّ، إلى آخر عمره، مشجّعاً وفياً، يعيش المباريات بكل جوارحه، يهتف للانتصارات، ويشدّ من أزر اللاعبين في الهزائم. لم يكن موقعه كإداري يمنعه من أن يظلّ عاشقاً للمدرّجات، متحمّساً للألوان التي أحبّها منذ صباه.
وكان، إلى جانب ذلك، صديقاً للجميع. لم يعرف الغلظة ولا القسوة في التعامل. كان لطيفاً، ودوداً، حسن المعشر، سريع البسمة، قريباً من الصغار والكبار، من اللاعبين والقياديين، من المشجّعين والأنصار. لم يكن هناك من يطرق بابه أو يستوقفه في الطريق إلّا ووجده منصتاً، ناصحاً، ومشاركاً لهمومه بصدق وإخلاص.
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
إنّ ما يتركه لنا الفقيد اليوم ليس مجرّد سيرة رجل قضى سنوات طويلة في خدمة نادٍ رياضي. إنّه يترك لنا إرثاً أخلاقياً وإنسانياً ثميناً. يعلّمنا أنّ الانتماء ليس مجرّد شعار، بل التزام طويل الأمد. وأنّ الوفاء ليس كلمةً تُقال، بل مسيرة حياة كاملة. وأنّ العمل الصادق يظلّ أثراً لا يُمحى مهما طال الزمن.
إنّ وفاته تُحزننا، لكنّها تضع على عاتقنا مسؤولية. مسؤولية أن نواصل المسيرة على خطاه، وأن نحمل القيم التي عاش من أجلها: الصدق، التضامن، الانضباط، حبّ النادي، والإخلاص له في السراء والضراء.
رحل عنّا السيّد عامر البحري، لكنّه سيبقى حيّاً في ذاكرتنا. وسنسمع صوته في أهازيج المشجّعين الذين شاركهم الحماسة، وسنشعر بروحه في كل مرّة نرفع فيها راية نادينا ونخوض بها غمار التحدّيات.
فليرقد بسلام في رحاب الله الواسعة، ولتظلّ ذكراه منارة تضيء دروبنا.
وداعاً أيّها الرجل الطيّب. وداعاً أيّها المخلص الوفيّ. سيبقى اسمك منارة على غرار عديد المنارات في سجلّ النادي، وفي قلوب كل من عرفك وأحبّك.
- اكتب تعليق
- تعليق