لإفريقيا دور رئيسي في اختيار الأمين العام القادم للأمم المتحدة (1)

طوال 80 سنة من وجود منظمة الأمم المتحدة، لم تتولّ أي امرأة قيادة المنظمة. وعلى الرغم من أن التعيين الرسمي للأمين العام القادم لن يتم قبل سنة 2026، إلا أنه قد حان الوقت للتساؤل عن مواصفات القائد الأنسب لتعزيز مبادئ الإنصاف والمساواة وصياغة الدبلوماسية العالمية. وفي خضم بدء مرحلة اتخاذ القرار، هل ستستغل إفريقيا هذه الفرصة لتأكيد قوتها الجماعية، أم ستسمح لانقساماتها بإضعاف تأثيرها؟
قد يبدو هذا الموضوع بعيدًا عن الأولويات السياسية الفورية، لكن آثاره عميقة. فالقائد أو القائدة المختار(ة) سيُشكّل مستقبل الدبلوماسية العالمية، وسيتعين عليه/عليها توجيه التعاون متعدد الأطراف ومواجهة التحديات الكبرى لعصرنا الحالي. ففي عام 2014، نجحت حملة "1 من أجل 7 مليارات" في المطالبة بمزيد من الشفافية في عملية اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، مما وضعها تحت المراقبة العامة وفي صلب النقاش. واليوم، تعتمد حملة "1 من أجل 8 مليارات" على هذه المكتسبات وتطرح دعوة جريئة: لقد حان الوقت لتعيين امرأة كأمين عام – قائدة تجسد مبادئ الإنصاف والمساواة والشمول، معترفة بالتمييز المستمر ضد النساء والأشخاص الذين لا تتوافق هويتهم الجندرية مع المعايير المعتمدة، وبالترابط بين أشكال التمييز القائمة على النوع الاجتماعي والعرق والطبقة الاجتماعية وعوامل أخرى.
لا يمكن التقليل من دور إفريقيا في هذه اللحظة الحاسمة. ففي ظل وجود 54 دولة، تشكل القارة أكبر كتلة تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أظهرت إفريقيا قوتها الجماعية في السنوات الأخيرة، خاصةً من خلال حصول الاتحاد الأفريقي على مقعد في مجموعة العشرين. ولن تشهد أي قارة أخرى نموًا سكانيًا بهذه الوتيرة في العقود القادمة. ومع ذلك، تظل إفريقيا محرومة من التمثيل الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – وهو تذكير صارخ بوجود عدم مساواة مستمرة في حوكمة العالم. وقد أشارت الدول الأعضاء نفسها إلى هذه الحقيقة في "الميثاق من أجل المستقبل" (انظر الإجراء 39) مما يمنح إفريقيا في الانتخابات القادمة موقعا بالغ الأهمية. فمن خلال توحيد جهودها خلف مرشحة نسائية واحدة، يحظى قادة القارة الإفريقية بفرصة تاريخية لتغيير ديناميكيات هذه العملية بشكل جذري. إنها فرصة للقارة لتثبت نفسها كقوة موحدة وتقدم أنموذجًا لتكريس مبدإ التضامن.
نحن في لحظة حرجة، إذ ستتزامن ولاية الأمين العام القادم مع مواقيت سياسية وإصلاحات محتملة كبرى، منها إعادة هيكلة مجلس الأمن المنتظرة وإعادة تنشيط أجندة 2030 للتنمية المستدامة. وسيتعين على القائد(ة) المستقبلي(ة) للأمم المتحدة إعطاء الأولوية لهذه القضايا، إلى جانب مواجهة عدم المساواة الهيكلية التي طالما أدّت إلى تهميش أصوات الجنوب العالمي.
إن تعيين مرشحة مدعومة من إفريقيا سيشكل انقطاعًا حقيقيًا عن الوضع الراهن. فلعدة عقود، حثّت الأمم المتحدة الدول الأعضاء على تعزيز المساواة بين الجنسين ودعم القيادة النسائية، ومع أن التوازن النسبي قد تحقق في المستويات العليا للمنظمة، لم تعين حتى الآن الدول الأعضاء امرأة في أعلى منصب بالمنظمة. وإذا توحدت جميع الدول الأفريقية خلف قائدة مؤهلة، فإنها ستجسد المبادئ التي تدافع عنها الأمم المتحدة نفسها: العدالة والشمول والإنصاف.
إن تعيين امرأة كأمين عام سيكون خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين داخل الأمم المتحدة، وسيشكل رمزًا قويًا للقيادة النسائية على المستوى العالمي. فالنساء القياديات يقدمن منظورًا أساسيًا يتحدى الحواجز النظامية ويشجع على تبني سياسات شاملة في مختلف المجالات لما فيه مصلحة الجميع. كما ستعزز القيادة النسائية دور الأمم المتحدة في دعم قضايا حقوق المرأة والمساواة والعدالة الاجتماعية. وفي ظل الأزمة المناخية التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء، وتصاعد وتيرة النزاعات، أصبحنا بحاجة ماسة إلى التعاون والتجديد والابتكار وإلى منظمة أممية أكثر فاعلية.
إن هذه المبادرة من شأنها أن تلهم كتلًا إقليمية أخرى لإعادة النظر في مقارباتها المشتتة، ومن شأنها أن تحفزها على دعم المرشحين الذين يولون المساواة والتعددية أهمية أعلى من المصالح القطرية. كما أنه من شأنها أن ترسل رسالة قوية مفادها أن إفريقيا، التي غالبًا ما يُنظر إليها كمتلقّ للقرارات العالمية، هي في الواقع فاعل محوري للتغيير في صميم الحوكمة العالمية.
إن هذا التغيير المنشود يستوجب إرادة سياسية مشتركة ووحدة حقيقية. حيث يتعين على قادة القارة الإفريقية صياغة اتفاق حول مرشحة ذات رؤية، امرأة تجسد تطلعات القارة والأهداف الأوسع للجنوب العالمي. من المؤكد هذا الاختيار سيعزز التأثير المتزايد لإفريقيا في السياسة العالمية.
كما أن هذا الاختيار سيضمن حتما قيادة للأمين العام القادم وفقا لمنظور إدماجي ومتجدد يلبّي احتياجات أكثر من 8 مليارات نسمة. إن الخيار واضح، يجب على القادة الأفارقة التحرك فورًا بوحدة وعزم وفق رؤية مستقبلية.
غابرييلا كيسبيرج دافالوس عضوة في اللجنة التوجيهية لحملة "1 من أجل 8 مليارات"، ممثلةً لـ "Southern Voice"، وهي شبكة من مراكز البحوث في الجنوب العالمي تضم أكثر من 30 مركزًا في إفريقيا.
لبنى جريبي، رئيسة منظمة سوليدار تونس، عضو "Southern Voice" عن قارة إفريقيا.
(1) تم نشر المقال الأصلي من قبل "Policy Centre for the New South"، ونُشرت نسخة مشابهة باللغة الإنجليزية لأول مرة من قبل "Devex".
- اكتب تعليق
- تعليق