أخبار - 2025.06.19

منصُـور المَجْـدُوبْ... الزّيتونــي الفنّـان

منصُـور المَجْـدُوبْ... الزّيتونــي الفنّـان

بقلم فاخر الرّويسي - غادرنا صباح يوم الأحد 15 جوان 2025 المطرب والملحّن، صاحب شركة "سمكة فنّ " لتسجيل الأسطوانات والكاسات والاقراص الموسيقية، ومنتج المنوعات الأستاذ منصور المجدوب الذي ترجّل في احدى مستشفيات باريس عن سن تناهز الثلاثة وتسعون سنة.  

من الزّيتونـة الى الرّشيدية

ولد الفقيد يوم 20 جانفي 1930 بمدينة المكنين من ولاية المنستير (سوسة سابقا). زاول تعليمه بجامع الزيتونة أين تحصّل سنة 1949 على شهادة الأهلية.

ويعتبر أحد أبرز الزّيتونيين القلائل الذين سلكوا طريق الفنّ وثناياها الوعرة. ووهبوا حياتهم ووجودهم للفنّ وإطراب النّاس. فظلّت أغانيهم وآثارهم خالدة في المدوّنة الموسيقية التونسية مثل صالح المهدي الحاصل على شهادة التحصيل، والدّكتور في الموزيكولوجيا الملقّب بـ "زرياب"، والشيخ محمّد الأصرم عازف البيانو، والشيخ الإمام الخطيب محمّد الشريف وغيرهم من الفنّانين الذين أنجبتهم الجامعة الزيتونية العريقة.

كان شغوفا ومهتمّا بالفنّ منذ صغره، وكان يجالس مشاهير الفنّانين ويطرب لسماع المطربين التونسيين وكذلك الشرقييين. فتمكّن سنة 1951 من متابعة دروس في الترقيم الموسيقي والعزف بالمعهد الرشيدي على يد شيــــوخ الموسيقى، ليتحصّل سنة 1954 على ديبلوم ختم الدّروس.

بدأ مسيرته الفنية كمطرب وفتح محلا لبيع الإسطوانات بالكوليـــزي ثم انتقل إلى عمارة بالبالماريوم.

الهجـرة

ولم تدم مدّة تعاطيه لهذه التجارة طويلا حتّى قرّر الهجرة والإستقرار بالسّكن في الدّائرة الحادية عشرة. وفي بلاد الأنوار التحق بالـ "كنسرفاوتوار" Le Conservatoire de Paris ليواصل دراساته العليا في الموسيقى. وفي الأثناء اقتحم الوسط الموسيقي الباريسي وتعرّف على الأخوين الشهيرين أحمد ومحمّد حشلاف وعلى عدد من الفنانين المغاربة والشرقيين والغربيين. واحتك بهم وأنتج معهم العديد من المنوعات والمشاريع الموسيقية. وسجّل لهم عديد الأغاني بعد أن انخرط بجمعية المؤلفين والملحّنين والمنتجين الموسيقيين الفرنسية SACEM، وبعد أن بعث شركته الخاصّة "سمكة فنّ" SAMAKA FEN لتسجيل وترويج الأسطوانات في مرحلة أولى، وأشرطة الكاسّات والأقراص المضغوطة في مرحلة ثانية(CD).  

وفي باريس حضن بمعيّة صديقيه موريس ميمون ومحسن الرّايس العديد من المطربين التونسيين الذين خاضوا مغامرة الهجرة للعمل والتعريف بالأغنية التونسية بفرنسا، فسهّل عليهم الإقامة وساهم في التعريف بهم وأعانهم على ترويج اغانيهم.

المطرب والملحّن...والدّاعم

لحّن منصور المجدوب عديد الأغاني أدّى منها بصوته:
"على جال مرادي يا أحبابي"، " مشموم فلّك عندي"، " ليلة من العمر"، " حياتي"، " هذا عهد بيني وبينك"، " على شط بوجعفر"، " عيني راتك مرّة"، " يا قاصد زغوان"، "يا أرض الخير"، "يا ربي تقرّب عودتي لبلادي"، " أنا موش كي الناس"، " الّي مشى ما عاد يولّي"، "يا بو نظرة حنينة"، " يا عروستنا"، " أنا ما نيش كالناس"، " سوڨ جمالك"، " يا أم التقريطة" وغيرها…

كما لحّن للعديد من المطربين مثل: الهادي القلال " ليالي القمر"، ولصفوة " "حيّ محتار" و " كنت رايح"، ولإلهام " لاموا عليّ" ومحسن الرايس" تكذب العين وما رات وأغنية أخرى لم يقع تسجيلها، وغيرها...

مع موريس ميمون وأحمد حمزة

وكانت له عديد الصّداقات في الأوساط الفنّية والإعلامية الفرنسية وكان مشهورا بإنتاجاته وإسهاماته في الرّاديوهات و التلفزات الفرنسية وخاصة منها الموجهة للجاليات العربية. وكان سبّاقا في استغلال تقنيات التسجيل المتطوّرة المتمثلة في اشرطة الفيديو كاسات الحديثة الاكتشاف وقتئذ. فسجّل عبر شركة "بوسيفيزيون" Bossovision فتوسّط لدى صديقه أحمد حشلاف وأنتج عدّة أغاني سُجّلت في شكل كليبات (جمع كليب Clip) لعدد من المطربين المغاربة والشرقيين والتونسيين منهم الهادي القلال وصفوة - كان سببا في جلبها من صفاقس واستقرارها بالعاصمة تونس- والهادي حبّوبة ومحمّد الجرّاري ويوسف التميمي. 

مع المطربة نعمة


مع المطرب التونسي دوخة

كما توسّط لدى حشلاف لتسجيل عدد من الألبومات والأغاني عبر شركة باتي ماركوني Pathé Marconi للبعض من صديقاته وأصدقائه المطربات والمطربين مثل فتحية خيري، وحسيبة رشدي، ونعمة، وأحمد حمزة وناريمان. وأعاد تسجيل الأغنية التي أدّاها المطرب مبروك التريكي بنجاح منقطع النّظير "يطول عمرك يا أمّيمة يا حنينة" التي كتب كلماتها ولحّنها محمد الجموسي...

كيـف عرفته؟

كان منصور المجدوب يتردّد سنويا على تونس ويقيم لدى صديقنا المشترك ورفيق دربه محسن الرّايس الذي مكّنني مشكورا سنة 2013 من الالتقاء به ومجالسته والتعرف اليه عن قرب. وبمرور السنوات توطّدت علاقتنا وتكثّفت اتصالاتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وواصلت مجالسته بمنزل سي محسن الرايس طيلة اقامته به كلّما زار تونس... 

يحتفي بكتابي فتحية خيري، فنّ وشجن

وقد مدّني رحمه الله بعدّة وثائق وصور من أرشيفه الخاص تخص المجال الموسيقي وتاريخه يأتيني بها مباشرة أو يرسلها لي عن طريق البريد عند الضرورة.

كانت جلساتنا وحواراتنا مطوّلة وموّثقة بتسجيلات، اكتشفت خلالها إلمام الرّجل بالشأن الفنّي والموسيقي العربية والتونسية بصفة خاصة.

كان سي منصور مرجعا... وكان يتمتّع رغم تقدّمه في السنّ، بذاكرة حيّة.. قويّة.. لم تنل منها السنون. ويتميّز بحضور ذهني مدهش...
كان طيبا.. مهذّبا.. وطريفا إلى أبعد الحدود...لا تملّ من الجلوس معه والاستماع اليه والاستمتاع بحكاياته الطريفة التي لا تنتهي...
كان سخيّا ...دمث الاخلاق.. شديد التواضع.. خجولا ...يتجنّب البروز والظهور الإعلامي... 
كان صادقا صدوقا ...محبوبا من الجميع...

تزوّج منصور المجدوب من فرنسية توفيت تاركة له ابن توفي السنة الفارطة وابنة أطال الله في عمرها. وتزوّج ثانية من تونسية ولم يعمر هذا الزواج طويلا...وتلك قصّة وأقدار أخرى ...
سيدي منصور يترجّل

كان بصحة جيّدة ويقوم مواظبا على حصة المشي اليومية. وكان ينوي القدوم الى تونس في شهر جويلية وقبل ذلك كان يستعدّ للدخول الى المستشفى لتغيير "دعامة القلب" Stent كما ذكره لي. لكنّه في الأثناء سقط على فجأة مغشيّا عليه، وهو ما عجّل بموته بعد مكوثه أيّاما بالمستشفى...

تلك مشيئة الله ولكلّ أجل كتاب

رحمه الله وأسكنه فراديس جناته...وانا لله وانا اليه راجعون

فاخـر الرّويسـي

 

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.