فتحي زهير... من النادي الافريقي الى جامعة كرة القدم: مسيرة مثالية
بقلم فاخـر الرويسي - يتزامن يوم 28 نوفمبر 2024 بالذكرى الأربعين لوفاة المناضل الكبير ورجل الدّولة الاستثنائي الأستاذ العميد السابق للمحامين فتحي زهير. الذي وافته المنية سنة 1984 بعد مسيرة ثرية مميّزة ساهم خلالها في ملحمة الكفاح الوطني وإرساء مقوّمات الجمهورية والدولة الوطنية. وقد تقلّد بحنكة ودراية وتفان العديد من المسؤوليات السياسية والدبلوماسية والرّياضية وبهذه المناسبة أرى أنّه من واجبي ومن واجب كل وطني التذكير بمناقب الشخصيات التي لعبت في يوم ما دورا في تاريخ بلدنا.
لقد خصّصت كتابا يروي سيرة ومسيرة هذا الرّجل الفذّ، الذي كرّس حياته لخدمة قضايا متعدّدة ومجالات مختلفة تهمّ البلاد والعباد، صدر سنة 2016، عنوانه" العميد فتحي زهير، الوساطة الضائعة في الخلاف البورقيبي اليوسفي".
أربعون سنة مرّت على وفاته، وهي مناسبة أتوجّه فيها من خلال هذه الأسطر لجمهور النادي الافريقي والجماهير الرّياضية بصفة عامة، التي لم يسعفها حظّ معايشة فترة ذهبية مرّ بها النّادي الإفريقي العريق، وفرصة مواكبة تلك الفترة من الرّياضة التونسية،ولأطلعهم على جانب وصفحة ناصعة مرّ بها فريق باب الجديد، ومحبّيه ولاعبيه ورئيسه السابق الأستاذ فتحي زهير.
فقد مرّ هذا النادي الوطني منذ نشأته بتاريخ مجيد، وبمواسم متعاقبة عرف فيها الانتصارات، الوطنية والعربية والاقليمية أبهرت الجماهير التي يحق لها بأن تتفاخر وتتباهى به... ولكنّه مرّ كذلك بهزّات وفترات مدّ وجزر...وكرّ وفرّ... شأنه شأن كلّ النّوادي الكبرى التي تنشط على السّاحة.
من ربض باب سويقة الى ربض باب الجديد
بدأ فتحي زهير مشواره الرياضي في الترجي الرياضي، قضّى فيه فترة. و انتقل بعد ذلك الى النادي الافريقي كلاعب، ثم تدرّج في المسؤوليات الى ان تولّى رئاسته سنة 1967.
في ثلاثينات القرن الماضي كان فتحي زهير شغوفا بكرة القدم... اختصاصه حراسة المرمى. مارس هذه الهوايـة مع أقرانه وأصدقائه من الجيــران وزملاء في الدّراسة، بالسّاحات المحيطة بمنزل العائلة الكائن بنهج الأندلس. وكان شقيقه المنصف ترجّيا، يشاركه في هذه اللعبة أيام العطل، فهو هدّاف ماهر. وكانت الوالدة جميلة درغوث حريصة على تمتين الصلة بين الشقيقيـن.
في السنوات الأخيرة لدراسته الثانوية بالمعهد الصـّادقي تدخّل والده القاضي الشاذلي زهير صديقا لمصطفى الكعاك رئيس الترجي الرياضي وقتئذ، والشاذلي زويتن لانتدابه كحارس مرمى ضمن تشكيلة هذا الفريق الوطني العتيد.
كان حارس مرمى أسطوري في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي لاعبا أساسيا في تشكيلة الترجي... وكان ماهرا جدّا... ومحبوبا من الجماهير الترجّية التي كانت تتغنّى بصولاته وجولاته في المدارج:
" لعْرُوسي يَامَبنُّو كِي يشدّْالبيلانْتِي*** يتلوّحْ كيفْ الحُوتة يخرّجْها مِن الفِيلِي"
وكان فارِهَ القامة ...أقوى من فتحي زهير بُنية... وقادرا على الصّمود والتصدّي للتصويبات القويّة، علاوة على تفرغه ومتابعته المستمرّة لحصص التمارين والمقابلات.
اللاعب بالنادي الإفريقــي
لم يستسغ الشاب فتحي الاستنقاص من شأنه واعتباره "حارس مرمى ثاني، "على "البنك" كما يقال. ولم يرُم حرمانه من اللّعب في التشكيلة الأساسية،ولم يقبل أن يُفضّل عليه المدرب القدير حمادي بن غشام زميله العروسي معتبرا أنّ هذا التصرّف اهانة وعدم اعتراف بطاقاته وقدراته الرياضية...أحسّ بالمرارة والحسرة وقرّر المغادرة... والرحيل عن الترجي... مُكرها. وفضّل الانضمام إلى جمعية النادي الإفريقي... عملاق ربط باب الجديد العتيد.
وبفضل ذلك تمكّن اللّاعب فتحي من تجاوز الأزمة، وفرض رهانه بتواجده بفريقه الجديد، صاحب اللونين الأبيض والأحمر. فنال ثقة مسيـّري النادي وأحبائه، وأصبح حارس مرمى الفريق... كان يتّقد حماسة ليثأر من صديق الأمس الفريق المنافس الترجي الرياضي. وبدأ في التمارين... وخاض أولى مباراته، محققا نتائجا إيجابية خلال العديد من المقابلات التي جمعت ناديه الجديد بالنوادي الأخرى.
بالزّي الأسود، فتحي زهير حارس مرمى أواسط فريق النادي الافريقي معأ واسط فريق الترجي الرّياضي، ويظهر خلفه الهاشمي الشريف
وكانت الحماسة والمنافسة شديدة بين الجارتين الإفريقي والترجي، وكانت النقاشات في مقاهي الرّبضين: باب الجديد وباب سويقة مشوّقة وحماسية إلى أبعد الحدود. ورغم اختلاف الانتماءات والطموحات، كان الوفاق والتآخي سائدا بين الهيئتين المديرتين، والطاقمين الرّياضيين خاصّة خلال إحياء الأعياد أو المناسبات الوطنية. فكثيرا ما يقيم الفريقان لقاءات ودورات رياضية إلى جانب تواصلهما النّضالي الوطني سنوات الكفاح التحريري.
كان اللاعب فتحي يبذل قصارى جهده لحراسة مرماه من الأهداف. وكان مدافاعا شرسا على شباكه، ما جعله يتعرض إلى كسر بليغ في رجله خلال مقابلة حماسية بعد ارتطامه بهداف من الفريق المنافس، سبّب له ضررا وكسرا في قصبة رجله، أرغمه على عدم مواصلة ممارسة هوايته المفضلة... فاعتزلها مهزوما... مكرها... مكسور الخاطر.
الهجرة
طيلة سنوات دراسته بتولوز(بفرنسا) لم ينقطع اللاّعب السّابق فتحي زهير عن متابعة أخبار فريقه المفضّل عبر الصّحافة والبعض من أصدقائه الذين كانوا يحيطونه علما بالأخبار والمستجدات الرياضية، إلى أن أتمّ دراسته ورجع إلى ارض الوطن، ليتدرج سلم المسؤوليات بالهيئة المديرة للنادي الإفريقي.
المسير بالنادي الافريقي
تحمل فتحي زهير من سنة 1945 إلى سنة 1947 مسؤولية الإشراف على الجانب القانونــــــــي لنشاط النادي الإفريقي (Assesseur). التي كانت تركيبة هيئته المديرة ل موسم 1945 - 1946 من الآتــي ذكرهــــــــم:
• الرئيس: المنصـــف العــــقبــي.
• مساعدو الرئيس: صالح عويــج- الأميـــــر محي الدين بـــــاي ومحمد العاصمــــــي.
• الكاتب العام: عبد الملك بن عاشــــــــور.
• مساعد الكاتب العام: محمد الجوينــي.
• أمين المال: الدكتور صالـح عويـج.
• مساعد أمين المال: العربي بالحاج صادق.
• أعضاء: فتحي زهير- التيجاني الفالح- الدكتور احمد سطا مراد- مصطفى سكيكن وعبد الحميد بن الأمين.
1957-1947 : مساعدا لرئيس النّادي لمدة عشر سنوات.
فتحي زهير مع قدماء الناديالافريقي موسم 1946/1947
الابتعاد لحيـــــن
غادر فتحي زهير مسؤولياته من النادي يوم 25 مارس 1956 عندما انتخب عضوا بالمجلس التأسيسي. وتفـــــــرغ لمهامّه الجديدة في هذا المجلس كمقرر للجنة صياغة الدستور... وفي شهر أكتوبر 1957 عيّنه الرّئيس الحبيب بورقيبة سفيرا ...فلم تعد اتصالته مباشرة مع ناديه.
رئيسا للنـّادي الإفريقـــي
رجع فتحي زهير إلى تونس بعد أن أنهيت مهامه كسفير بالمغرب وروما وموسكو. وعاوده الحنين إلى ناديه... وأجــــــوائه الحماسية الرياضية. فاختارته الأسرة "الإفريقية" سنة 1967 رئيسا لناديها خلفا لرئيسها المحبوب عبد العزيز الأصرم.
بقي سي فتحي رئيسا للنادي الإفريقي لثلاثة مواسم رياضيــــة (1967-1968) (1968-1969) (1969-1970) تحصّل خلالها النادي، لأربعة مواسم متتاليــــــة على كــاس تونــــس (1967-1968-1969-1970). كما تحصل في موسم 1970على الكأس المغاربيـــــة للأنديـــــــة البطلـــــة.
الباهي الأدغم رئيس الوزراء يصافح مراد حمزة، يليه من اليمين توفيق القليبي، الزيتوني، الطاهر الشايبي ثم بوعجيلة، ويظهر خلف سي الباهي حارس المرمى الصادق ساسي
الاحتفال بخمسينية النادي الإفريقي
شاءت التقاليد الكُروية أن تنظم الهيئات المديرة للنّوادي والجمعيات الرّياضية التونسية عند حصولها على الكأس أو البطولة، أو بمناسبة الاحتفال بمرور سنوات على تأسيسها، حفلات وتظاهرات ثقافية ودورات رياضية... مثالا على ذلك، فقد احتفى الترجّي الرّياضي التونسي بخمسينيته بأن نظّمت هيئته المديرة سنة 1969 حفلاساهرا متميــــــزا، أحيته المطربة القديرة نجاة الصغيرة. وقد رافقها آنذاك الفكاهي الشهير إسماعيل ياسين.
في سنة 1970 قد نسجت على منوالها الهيئة المديرة لجـمعية النادي الإفريقي. فدعت بمناسبة ذكــرى خمسينيتها، العندليب الأسمر،الفنان الصاعد-يومئذ-المحبوب عبد الحليم حافظ لإحيائها بقبـّة الرياضة بالمنزه. وهي المرّة الثانية التي يزور فيها هذا الفنان -المعشوق عربيا -تونس والذي اصطحب معه خلال إقامته طاقما موسيقيا، له مكانته وحظوته لدى التونسيين، إذ تكوّنت فرقته من الملحن الكبير بليغ حمدي وقائدها احمد فؤاد حسن، والمغنية شريفة فاضل، والفكاهي احمد غانم، والراقصة ناهد صبري. وقد حضر الحفل ما يربو عن 8 آلاف متفرج. قدّم فيه عبد الحليم بتألق أغاني:"زي الهوى"، و "الويل الويل"، و "كامل الأوصاف".
والطريف أن عبد الحليم كان يرتدي العلم المميّز للنادي الإفريقي....
كانت بحق ليلة فنية رائعة وخالدة انتشى، وتمتع، وصفــــق لها الجمهور كثيرا...
فتحي زهير محاطا بالوزيرين أحمد بن صالح وفؤاد المبزّع، ويظهر في الصورة حسن النويصري "ڤطّوس" وعبد الرحمان الرّحموني والهادي صاحب الطابع وعمر العمري ومحمود "بلدية" وأبناء النادي الافريقي
وقد أقام عبد الحليم مع الفريق الفنّي المرافق له لأيام بنزل بضاحية " قمرت"، وتكفل وفد من النــادي بمرافقته وفرقته لزيارة العديد من المعالم التونسية .حرص فتحي زهير على إنجاح هذه المناسبــة العزيزة عليه وعلى ناديــه، مسخرا كل طاقاتـــــــــه، وخبرته، وعلاقاته. ولقد حقق بمعية فريق الإعداد لهذه الحفلة الخالدة نجاحا باهرا منقطع النظير، بشهادة الجميع وفي مقدمتهم الصحفيين الحاضرين الذين نوّهوا وعبروا عن سعادتهم على أعمدة الصحافة بالمستوى الرّفيع والحضاري لتعامل رئيس الجمعية، سي فتحي، مع الحضور واستحسانهم ورضاهم بهذه الحفلة. وقد نشر الصحفي محمد الكامل يوم 1 أفريل 2010 مقالا على أعمدة جريدة الحرّية بمناسبة الذكرى 33 لرحيل المطرب عبد الحليم حافظ نوّه فيه بنجاح حفل الخمسينية.
كأس رئيس الجمهورية لموسم 1971/1970
في مناسبة تاريخية فارقة، ولأول مرة بعد 43 سنة من تأسيسه شارك النادي الرّياضي الصفاقسي(1) يوم 13 جوان 1971 في الدور النهائي لكاس رئيس الجمهورية. هذا النّادي العريق الذي دعـّمه وعاضد طيلة مسيرته الوطنية -سنوات الجمر وأيّام الاستعمار الغاشم-المناضل الشهيد الهادي شاكر. تداول على تسييره وإدارة شؤونه بعد مقتل المناضل شاكر وطنيون رياضيون أمثال: زهير العيادي - قادر الجمل -الصادق القرمازي – أحمد علولو – الحبيب شيخ روحه – أحمد العكـروت وغيرهم.
اختار الممرن الأجنبي للنادي الصّـفاقسي "بوباديش" التشكيلة التالية:
ڤرّيــــش (حارس سابق للملعب الرياضي الصّفاقسي)- الجربــــي – المليتـــي – عبد الوهاب الطرابلسي – رؤوف النجــــــار – بن غازي – الساســــي – بركة – الحبيب الطرابلسي – المنجي دلهــوم – حمادي العقربــي(2) .
واختار ممرن الترجي الرياضي عبد الرحمان بن عز الدين تشكيلة الفريق من اللاعبين: عبد العزيز الكامل – الكشباطي – المؤدب – لعبيدي – عبد المجيد بن مراد – تميم – مشوش – الترخاني(3) ولاعبون آخرون.
مباراة النادي الصفاقسي والترجي الرّياضي
كان الوزير الأول الهادي نويـرة حاضرا أثناء المقابلة بمعية أعضاء الحكومة لتسليم الكأس للفريق الفائز نيابة عن الرئيس الحبيب بورقيبة الذي كان في الخارج للتداوي . يقول السيد الطاهر بالخوجة وزير الشباب والرياضة في ذلك الوقت: ..."وكالعادة أثارت المقابلة العواطف الجهوية والحساسيات المحلية، وكان أنصار كل من الفريقين متحمسين لدرجة عدوانية. وجاء خلاف في التحكيم على حساب الترجي، فاندلعت المعركة وتحوّل غضب أنصاره ضد المنصة الرّسمية، حيث كنت حاضرا إلى جانب الوزير الأول. فاخذوا يصيحون ويقذفوننا بالحجارة وشقف القوارير، إذ أوشكت أن تصيب وجه الوزير الأوّل، وجرحت يد أحد الحرّاس. فهاج وماج الملعب وعمّت الفوضى. فلذنا بالفرار تحت حماية رجال الأمن. واندفع الشبان الخارجون من الملعب واخذوا يخربون كل شيء في جنون. وإثر ذلك تم حل الترجي الرياضي الذي كان يرأسه علي الزواوي صديق نويرة الحميم(4)".
حلّ فرع الترجّي الرّياضي وجامعة كرة القدم
صدرت التعليمات لحلّ فرع كرة القدم للترجي الرّياضي التونسي.... والجامعة التونسية لكرة القدم...
وأعلن السّيد الطاهر بالخوجة وزير الشباب والرياضة هذا القرار إثر ندوة صحفية عقدها يوم 15 جوان 1971 بثتها الإذاعة والتلفزة بحضور وسائل الإعلام المكتوبة(5). معللا القرار بالأسباب التي أدت إلى الوضع المتردي للرّياضة التونسية، ومسؤولية الهيئة المديرة للترجي، والجامعة التونسية لكرة القدم في كل ما جرى من تسيّب وتخريب. كما أعلن إثرها حلّ الجامعة التونسيــة لكرة القدم التي كان يرأسها أحمد زويتن وتعيين لجنة وقتية يرأسها فتحي زهير، متكونة من علي الشريف، والصادق السـّوسي، والدكتــــــور إبراهيم الغربي، والهادي بوزيان.... في انتظار ترتيب البيت والتحضير لعقد جلسة عامّة.
خلفت أحداث هذه المقابلة والقرارات التي اتخذت بعدها ردود فعل وحساسيات متفاوتة تجاوزت أحباء الترجي وطالت أعضاء الحكومة إلى درجة "أن الوزير الأول السيد الهادي نويرة كان مقتنعا بأنّ وزيــر الدّاخلية أحمد المستيري قد أهمل عمدا اتخاذ الاحتياط اللازم. وتمت القطيعة بين الرّجلين على حساب البلاد(6)".
دخلت البلاد في أجواء مشحونة بصراعات أجنحة الحزب الحاكم بعد تجربة التعاضد... وسجن الوزير أحمد بن صالح... وهروبه.
وزاد الوضع الاجتماعي تأزما وتعقيدا بعد أحداث مقابلة الترجي والنادي الصفاقسي وقرار حلّ الترجي الرياضي... ودخل جمهور الترجي في حالة من الهستيريا...والإحباط... والتململ... والاحتقان.
"الترجي يا بورقيبة" " الترجي يا بورقيبة"
عاد الرئيس الحبيب بورقيبة إلي أرض الوطن يوم السبت 19 جوان 1971بعد غيبة قضّاها في سويسرا للتداوي. فاستقبله جمهور الترجي بالهتاف على طول الطريق التي سلكها مردّدا: "الترجّي يا بورقيبة" "الترجّي يا بورقيبة". كان بورقيبة يرتدي بدلة بيضاء عليها شعار الترجي...وهي نقطة جلبت الاهتمام...وخصّته الصحافة بتعاليق طريفة في عدة مقالات.
كان من الضروري إيجاد مخرج للازمة... فكثرت التدخلات... وكثر الضغط على اللّجنة المؤقتة الرّاعية لحظوظ كرة القدم. فلم يكن خيار آخر لرئيسها الذي انتمى إلى الترجي ولعب في صفوفه ولازالت له مكانة في قلبه... كان لزاما على فتحي زهير تلبية نداء الواجب ويجتهد لإيجاد حلّ لمعضلة الترجي... والترجيين بصفة خاصة... والرياضة التونسية بصفة عامة... ووضع حد للاحتقان....
فهل يمكن أن يتصور الرّياضي المتيّم بكرة القدم بطولة أو كأسا دون مشاركة الترجي الرياضي؟
وهل يمكن أن تكون لرياضة كرة القدم نكهة وطعم دون مشاركة فريق باب سويقة العتيد؟
بورقيبــــة... هو الحـــلّ
يقول الدكتور إبراهيم الغربي: "...عقد سي فتحي العزم على ملاقاة الرئيس الحبيب بورقيبة، الرئيس الشرفي للترجي... ليلتمس منه العفو عن الترجي ولإقناعه عن العدول عن قرار حلّ هذا الفريق العتيد. وطلب مني مرافقته، إلا أني رفضت ذلك... كنت أخاف غضب بورقيبة... ولكن بعد إلحاحه وافقت... ورافقنا القاضي الهادي بوزيــان....
استقبلنا الرئيس بحفاوة يوم 22 جوان 1971... وفاتحه الأستاذ فتحي زهير في الموضوع بلباقته وكياسته ودبلوماسيته المعهودة، قائلا له بأنه الأب الرّوحي لكل التونسيين... وأب الترجي الرّياضي التونسي بصفة خاصـّة... وذكرّه بأنّه رئيسه الشّرفي. وبلطف أبوّته... وطلب عفوه وصفحه على أبنائه....
كان اللّقاء بالرئيس بورقيبة حميميا ودافئا، وخرجنا من مجلسه بانطباع مريح وشعرنا بالانتصار وبالغبطة للنتيجة السارة التي حققناها بعد موافقته ارجاع فريق الترجي إلى سالف نشاطه... وهذا يحسب لوطنية وغيرة سي فتحي على الرياضة كما تأكدنا من المكانة التي يحظى بها لدى الزعيم بورقيبة، علاوة على إمكانياته الفائقة في إدارته للأزمات(7).
والذي يجب ذكره أنّ السيدة وسيلة بورقيبة المتابعة للأمور والفاعلة في الشأن السياسي، قامت بدور كبير، وساهمت بكلّ ثقلها لإقناع بورقيبة بأنّ فريق العاصمة كان ضحية صراعات سياسية وجهوية. ولقد ألقى الرئيس بورقيبة خطابا بمناسبة عيد الجمهورية خصص فيه فقرة مطولة للحديث عن الترجي الرّياضي منوّها بالدور الوطني الذي لعبه عميد الأندية التونسية في إثبات الذاتية التونسية زمن الاستعمار وفي معركة التحرير وأعلن بالمناسبةرفع قرار حل فرع كرة القدم، ما أثلج الصدور. فأقيمت الحفلات بمنطقة باب سويقة وغيرها من الجهات. ويوم الثلاثاء 28 جويلية 1971 عقد فريق الترجي الرياضي جلسته العامة وتم الإجماع على اختيار السيد حسان بالخوجة رئيسا لهذا النادي.
كَانِـكْ تـــارزي... تَبّــعْ الغُــــرْزة
إنّ المتتبع لتسلسل الأحداث في قضية النادي الصفاقسي والترجي يستنتج ترابطها المتين بالشأن السياسي التونسي في ذلك الوقت. إذ أنّ صراعات الأجنحة التي مرّت بها تونس منذ التعاضد بقيادة بن صالحالى ليبرالية نويرة مرآة عكست بتأثيراتها على الرياضة، فاحتدّت النّعرة الجهوية، وبرزت التكتلات في أعلى هرم السلطة (السّاحل ومن يمثّله... والعاصمة ومن يمثلها)...
وازاء هذه الأحداث برهن فتحي زهير على تحلّيه بأخلاق رياضيّة عالية وحنكة فائقة في إدارة الأزمات وتذليلها...
سي فتحي... يُفضّل الروبة على كل المسؤوليات...
توصّل سي فتحي من وضع حد للتوتر الذي ساد الساحة الكروية وايجاد مخرج للأزمة. ورغم الاجماع الذي حصل حول شخصه، والحاح كل الفرق الرّياضية كي يواصل رئاسة الجامعة التونسية لكرة القدم، إلّا أنّه اعتذر بلباقته وكياسته المعهودة وفضّل الانسحاب...مخيّرا "الرّوبّة"...ومهنة المحاماةالنبيلة...
رحم الله سي فتحي
فاخـر الرويسي
1) تأسس النادي الرياضي الصفاقسي يوم 28 ماي 1927 وتداول على تسييره وإدارته زهير العيادي وقادر الجمل، واحمد علولو، والحبيب شيخ روحو، واحمد العكروت .......
2) الصباح بتاريخ 13 جوان 1971.
3) المصدر السابق.
4) الطاهر بالخوجة: الحبيب بورقيبة، سيرة زعيم ص 141.
5) الصباح بتاريخ 15جوان 1971 و "لاكسيون" بتاريخ 16 جوان 1971.
6) الطاهر بالخوجة: الحبيب بورقيبة، سيرة زعيم ص 141.
7) شهادة الدكتور إبراهيم الغربي خلال لقاء جمعنا بمقر الهلال الأحمر التونسي يوم 24 ماي 2011.
- اكتب تعليق
- تعليق