مذكرات محمّد المأمون العبّاسي: الصحافي، حامل الأسرار
أفصح عن الكثير وكتم الأكثر، ولعلّ في ذلك من شيم أهل الوفاء.نشر محمد المأمون العبّاسي، مذكراته تحت عنوان "مسيرة صحافي في وكالة تونس افريقيا للأنباء وفي جامعة الدول العربية" (عن دار برق للنشر والتوزيع)، متناولا عشقه منذ الصغر لمهنة البحث عن المتاعب، وقد درس أصولها بمعهدي الصحافة بتونس وباريس (الصربون) وتفانى في خدمة "جلالتها"، وتألق في آدء مهامها، سواء ضمن وكالة الأنباء أو، في امتداد لذلك، بجامعة الدول العربية، في مكتب أمينها العام الأستاذ الشاذلي القليبي.
وبقدر ما حرص المؤلف على استعراض تاريخ وكالة الأنباء، وأهمّ الأحداث التي عاشتها وتلك التي واكبتها، وذكّر بعديد المشرفين على إدارتها، وأبرز فِرقها التحريرية، في توثيق مفيد جدّا، بقدر ما اكتفى بالنسبة لبيت العرب، بما تسمح الظروف بنشره الآن.
لقد عمل محمد المأمون العباسي في قلب الأحداث العربية المتعاقبة في أواخر السبعينات وطوال الثمانينات، مواكبا أنشطة الأمين العام الأستاذ الشاذلي القليبي، حاضرا في الكواليس، عارفا بالأجواء، منتبها لما يدور في المحادثات والاجتماعات والقمم، متوفّرا على كنز من المعلومات، لكنّه أبى إلاّ أن يتحفّظ عن فتح خزينة الأسرار، محتفظا بالكثير والكثير مما شاهده وسمعه واطّلع عليه، ربما أرجأ ذلك لإصدار قادم...بقي محمد المأمون العباسي وفيّا لجذوره العميقة الضاربة في أعماق منطقة البئر الأحمر من ولاية تطاوين، بوابة الصحراء، مستلهما منها نبيل القيم. وتوالت خطاه في مدارس جزيرة جربة ومعاهد صفاقس قبل ولوج الجامعة التونسية بالعاصمة ثم الدراسة بالصربون. واستوعب من هذه المسيرة الثرية مناهل العلم والمعرفة ونجح في مناظرة الدخول إلى وكالة الأنباء فانطلق في عالم جديد سَبِر أغواره واكتسب فيه محبة زملائه وتقدير رؤسائه، واسترسل في مذكراته في استعراض معالم المشهد الاتصالي وشخوصه ولكنه تعفّف عن احتلال الصدارة والتباهي بالبطولات وبقي في تواضعه المعهود، مكتفيا بالكلمة الطيبة تجاه الجميع.ولعلّ هذا الكتاب هو في الواقع أوّل جزء من مسيرة طويلة، لا تخلو من المعاناة، ولا من النجاحات أيضا، عاش محمد المأمون العباسي بعمق كل منعطفاتها، مستعذبا حلوها ومرّها، معوّلا على نفسه دائما، منخرطا في العمل بكل مهنية وإخلاص، وبقي على خُلق كبير، طيّبا، ودودا، يبذل الأقصى ولا يبتغي شيئا، محافظا على الصداقة والوفاء.
كتاب جيّد، تحلو مطالعته باسترسال ويجعل القارئ يلتهم سطوره ويتلهف لمعرفة ما لم يفصح عنه المؤلف، حامل الأسرار.
- اكتب تعليق
- تعليق