أقلّ ما يمكن أن تقدّمه تونس لفلسطين: برنامج دراسات فلسطينية في الجامعة التونسية (ألبوم صور)

بقلم نضال المكي. باحث في القانون الدولي - لا يختلف اثنان في تونس اليوم حول دعم الشعب الفلسطيني وقضيّته العادلة. ومن المهمّ التنويه أنّ موجة التضامن الشعبي مع فلسطين التي تعيشها تونس ترافقت ربّما للمرّة الأولى مع تضامن رسمي جدي وقع التعبير عنه بأقوال وأفعال لم يسبق لجهة رسميّة تونسية أن بادرت بها.

ورغم صعوبة الظرف الاقتصادي والاجتماعي الذي تمرّ به تونس فقد تعدّدت مظاهر التضامن التونسي وأشكاله من التصريحات الرسمية من أعلى هرم الدولة إلى تصريحات مسؤولين حكوميّين  في لقاءات إعلامية ودولية إلى طوفان الدعم الشعبي في مدن تونس من جنوبها لشمالها وهو العنوان الأهمّ في هذا التضامن. إذ فنّد مقولة انفضاض الشعوب العربية عامة والشعب التونسي خاصة عن القضية الفلسطينية وبرهن أنّ قضيّة فلسطين والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني لا تزال في صميم وجداننا والحجر الأساس في وعينا الجمعي. كما برهنت انتفاضة الغضب التونسية عن وعي التونسيين الراسخ أن القضية الفلسطينية ومقاومة الاستعمار هي شرط أي نهضة حضارية وسياسية واقتصادية وثقافية عربية.

ولا ريب أن الشعب التونسي لا يزال يتطلّع إلى تقديم مزيد من الدعم للشعب الفلسطيني ولا شكّ أنّ تونس الرسمية بالرغم من كل الضغوطات الخارجية ستكون في صف شعبها والشعب الفلسطيني في هذه اللحظة ضدّ العدوان البغيض.

ومع تثمين كلّ أشكال الدعم والتضامن المقدّمين فإنّنا نرى أن الدعم يجب أن يأخذ إضافة إلى ذلك شكلا مؤسّساتيا يتوفّر على خاصيّتي الدوام والرؤية الإستراتيجية.  ومن أهمّ أشكال الدعم التي تتوفّر على هاتين الخاصيّتين دعم التعاون العلمي مع فلسطين. إذ يمكن أوّلا وبالتنسيق مع السلطة الفلسطينية الترفيع في عدد الطلبة الفلسطينيين بتونس ولم لا تمكينهم من منح تيسّر لهم الدراسة بتونس. كما يمكن خاصة بعث برنامج جامعي يعنى بالدراسات الفلسطينية والعربية ويعالج قضايا الاستعمار الجديد والقضية الفلسطينية من منظور القانون الدولي وحماية حقوق الفلسطينيين ويمتد للمسألة الحقوقية والمسألة الديمقراطية  في كامل الوطن العربي ويعالج قضايا الاندماج الاقتصادي والتضامن السياسي بين الدول العربية.

إنّ برنامجا كهذا سيكون مفيدا للفلسطينيّين إذ سيساهم في تكوين دفعات من الجامعيّين  في قضايا مفصليّة برؤية عصرية ومناهج حديثة بعيدا عن آلة الحرب الإسرائيليّة ولكنّه سيمكّن خاصّة من التشبيك بين الطلبة التونسيّين والفلسطينيّين بما يخلق نخبا لها وعي بمركزيّة القضيّة الفلسطينيّة وطابعها المصيري لكلّ الشعوب العربية. وسيجعل قضية فلسطين حاضرة في الوجدان الجمعي للتونسيّين جيلا بعد جيل.

كما أنّ عدم اقتصار برنامج كهذا على الجانب القانوني وشموله للأبعاد التاريخية والسياسية والاجتماعية بل وحتى الفلسفية سيشكّل دفعا للتدريس والبحث العلمي في جامعاتنا من خلال تكريس مقاربة  الاختصاصات المتقاطعة (l’approche interdisciplinaire)   التي لا تزال محدودة الانتشار في تونس. كما سيخلق روابط بين مختلف كليات العلوم الإنسانية والاجتماعية في تونس من أجل مقاربة أكثر شمولا لقضايا مجتمعاتنا.

إنّ برنامجا من هذا النوع لن يكون بدعة وفي تونس بالذات. إذ يوجد ومنذ ما يقارب العقدين برنامج لدراسة قانون المجموعة الأوروبية في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس. وهو برنامج على غاية الأهمية إذ مكّن من تكوين دفعات عديدة من الباحثين لا فقط في الجوانب التقنية من  قانون المجموعة الأوروبية بل خاصّة فيما يتعلق بفهم فلسفة الإتحاد الإقليمي وأسسه الفكرية ومن بيان أهمية الاندماج الاقتصادي والقانوني قبل أي مشروع اندماج سياسي. وإنّنا نرى أنّه من باب أولى وأحرى أن نرسي برنامجا في جامعاتنا لدراسة قضايا مجتمعاتنا العربية وفق رؤية تونسية مستلهمة لأفكار الحداثة تشعّ من تونس على كلّ الدول العربية وتسهم في عودة الروح لمسار نهضة العرب.

نضال المكي
باحث في القانون الدولي