قراءة المعهد العربي لرؤساء المؤسسات حول مشروع التنقيح المتعلق بجرائم إصدار شيكات دون رصيد
يعتبر الصك من وسائل الدفع التي يقع اللجوء إليها بكثرة في المعاملات بين التجار تقليصا من اعتماد وسيلة الخلاص النقدي وضمانا لسرعة المعاملات وتدفق السلع. ولعل عنصر الثقة يلعب دورا هاما في كثرة اللجوء إلى الخلاص بواسطة الصكوك البنكية، على اعتبار أن الدائن يعلم منذ حصوله على الصك البنكي أن المدين سيكون مضطرا للخلاص حتى لا يقع تحت طائلة القانون الجزائي وتسلط عليه عقوبة سجنية وبالخطية في صورة ثبوت عدم توفر الرصيد وعجز الأخير عن تسوية وضعيته في الأجل القانوني، لكن الواقع العملي أثبت خلاف ذلك، فتكدست الأحكام الجزائية من أجل ارتكاب جريمة إصدار صك دون رصيد.
وقد تزامن تزايد اللجوء إلى الصكوك البنكية والبريدية مع ارتفاع عدد الأحكام القضائية وتضاعف عدد الموقوفين والمحكومين من أجل ارتكاب جريمة إصدار صك دون رصيد وهو ما دفع عديد المنظمات والجمعيات إلى المناداة بضرورة نزع التجريم عن ذلك الفعل وهو ما استجاب له السيد رئيس الجمهورية، الذي كلف السيدة وزيرة العدل بإعداد مشروع تنقيح المجلة التجارية في خصوص تلك الجريمة.
ويطرح نزع التجريم عن إصدار صك دون رصيد عديد الإشكاليات التي لا يجب السهو عنها عند النظر في إعداد مشروع القانون المذكور والتي تنقسم إلى 3 أفكار أساسية:
1- فكرة أولى: تتعلق بارتباط التنقيح بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان على اعتبار أن المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قد ورد بها أن الحق الوارد بالفصل 11 من نفس العهد والذي يمنع سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بإلزام تعاقدي من الحقوق غير القابلة للانتقاص. ويترتب عن ذلك نتيجتان أساسيتان: أولهما أن الحق في عدم التنفيذ على ذات المدين من الحقوق التي لا تقبل التقييد بمعنى أنه لا يمكن لأي قانون أن يحد من مجال الحق ولا من ممارسته ولو توفرت الضرورة المتعلقة بحماية الدفاع الوطني، أو الأمن العام، أو الصحة العامة ،أو حماية حقوق الغير.
وثانيهما، أن الحق لا يقبل التعليق خلال فترة الظروف الاستثنائية، بمعنى أنه لا يمكن للدولة أن تحتج بوجود ظروف استثنائية لتعليق الالتزام المحمول عليها باحترام الحق في عدم التنفيذ على ذات المدين.
2- فكرة ثانية: ضرورة الموازنة بين مصلحة المدين، بنزع التجريم عن إصدار الصكوك بدون رصيد، ومصلحة الدائن في استخلاص دينه بأيسر السبل وفي أقرب الآجال من خلال إيجاد حلول بديلة تتمثل في:
أ- تفعيل شركات الاستعلام الائتماني المنظمة بموجب المرسوم عدد2 لسنة 2022 المؤرخ في 04 جانفي 2022 التي تلعب دورا هاما في توفير المعلومة للمتعاملين الاقتصاديين بعد تقييم قدرة الأشخاص الطبيعيين والمعنويين على الوفاء بالتزاماتهم.
ب- تفعيل أحكام الفصل 42 من القانون عدد9 لسنة 2018 المؤرخ في 30 جانفي 2018 المنظم لمهنة العدول المنفذين المتعلق بالحق في الاسترشاد لدى الإدارات والمؤسسات العمومية أو الخاصة عن الذمة المالية للمنفذ عليه وتوعية تلك المؤسسات بضرورة الاستجابة لطلب العدل المنفذ ضمانا للحق في التنفيذ.
ج- تنقيح القانون تيسيرا لاستخلاص الديون في أقرب الآجال باعتبار أن كل تصرف يهدف من ورائه المدين إلى إفراغ ذمته المالية بعد إصدار صك مع علمه بعدم توفر الرصيد باطلا دون الحاجة إلى اللجوء لإجراءات الدعوى البليانية مناط الفصل 306 من مجلة الالتزامات والعقود وذلك استنساخا لفترة الريبة في إجراءات التفليس.
د- تنقيح أحكام مجلة الحقوق العينية ومجلة المرافعات المدنية والتجارية والمجلة التجارية المتعلقة بترتيب الدائنين واعتبار حامل الصك دائنا ممتازا في خصوص أصل الدين المضمن بالصك.
3- فكرة ثالثة: تنطلق من فكرة مسؤولية البنك كمحترف من خلال ضرورة التزامه بالعمل على تطوير منظومة الكترونية توفر المعلومة الحينية للحامل في خصوص مدى توفر الرصيد في حساب المدين، إضافة إلى ضرورة ربط تسليم الصك من قبل البنوك بالمبلغ الأقصى الذي يمكن للبنك تغطيته وتتجدد تلك العملية دوريا بعد اطلاع البنك على جذر الصكوك التي سلمها الحريف وتوفير المعلومة للحامل في علاقة بذلك بمجرد الاستظهار بمعرف الحساب وأصل الصك، كل ذلك مع احترام القانون المتعلق بالمعطيات الشخصية.
- اكتب تعليق
- تعليق