رحيل كبير المعلّمين وأحد رموز التربية والتعليم بتونس رشيد المراكشي 1927 ــ 2023

في الثالث عشر من أفريل من سنة 2023  فقدت جهة صفاقس أحد كبار معلّميها الأوفياء ، وواحدا من أبرز رموز تونس في حقل التربية والتعليم ، ومناضلا وطنيّا كرّس حياته في خدمة الوطن من دون منّ أو حساب هو المربّي الفاضل " رشيد المرّاكشي".

مسيرته التربوية

لقد ترقى المرحوم رشيد المراكشي في مدارج العلم والمعرفة بفضل الأصل العائلي الذي انحدر منه إذ هو يرجع إلى عائلة اشتهرت بشغفها بالتربية والتعليم، وبفضل ما كان يتحلّى به الفقيد من خصال الحرص على الكسب العلمي والتحصيل المعرفي. تابع تعلّمه الأوّلي بصفاقس بنجاح انتقل إثره إلى المدرسة الصادقيّة وخرج من هذه المرحلة بشهادة ختم التعليم العربي المسمّى Brevet Arabe وذلك سنة 1943 وهو يحذق اللسانين العربي والفرنسي.

مسيرته المهنيّة

بدأ المرحوم رشيد المراكشي حياته المهنية كمترجم محلّف بالمحكمة الابتدائية الفرنسية بصفاقس في أواخر الأربعينيّات ليغادر هذه المحكمة بعد مشادّات مع قضاة فرنسيين أثناء محاكمة مناضلين تونسيين و ليتخذ وجهة مهنيّة أخرى هي مهنة التربية والتعليمحيث  قضىبها المرحوم ما يربو عن خمسة وثلاثين عاما. و توزّع نشاطه خلال هذه الفترة بين المساهمة في بناء المضامين التربويّة ذات الجودة العالية منذ فجر الاستقلال ،والتدريس في الأقسام حيث كان يرعى التلاميذ الرعاية القريبة والجادّة ، والإدارة المدرسيّة يؤدّيها بكفاءة واقتدار يعترف له بهما كلّ من عرفه من قريب أو بعيد من أهل التربية أو من الأولياء الذين كان له معهم تعامل مخصوص أساسه الإفهام والإقناع والنصح والإرشاد.

كانت بداية هذه المسيرة التربوية باحتراف مهنة التدريس سنة 1951 بمدرسة " الفلاح"، ثم بمدرسة " ألكسندر دوماس" (Alexandre Dumas) ثمّ بمدرسة "البنات" بطريق العين بصفاقس لينقطع في بقية حياته إلى الإدارة المدرسيّة فاضطلع بمهمّة مدير مدرسة "التحرير" الابتدائيّة إلى حد بلوغ سن التقاعد في جوان 1985.

نشاطه المدني والسياسي

كان الفقيد صاحب نظرة متقدّمة للتربية والتعليم، فلم يكن يرى التربية مقصورة على القسم والمدرسة وحدهما، بل كان يخرج بالتربية إلى المجتمع الواسع، لذلك وسّع دائرة نشاطه فانخرط في المنظمات الكشفيّة، ونشط في الجمعيّات الرياضيّة وفي التنظيمات الحزبية ومن آيات أياديه البيضاء على النشاط المدني والرياضي والسياسي أنّه:

• انخرط في جمعيّة "الثقافة" منذ تأسيسها وهي جمعيّة كانت تقدم للتلاميذ أنشطة مختلفة و تؤمن دروس تدارك مجانية و تمنح فضاء لممارسة رياضات مختلفة ككرة السلة.

• انضمّ إلى جمعيّة رياضيّة لكرة السلّة، وكان ناجحا فيها حتّى ارتقى إلى رتبة حكم في هذه اللعبة ثمّ مدرّب فيها نال بها شهادة دوليّة في التدريب في سبتمبر سنة 1958. وجميع هذا النجاح أهّله ليرأس رابطة كرة السلة للجنوب، و ليحصل في سنة 2006 على شهادة شرف من الجامعة التونسية لكرة السلة تتويجا لمجهوداته في تطوير هذه الرياضة بتونس.

وعلى المستوى المحلي تم انتخاب الفقيد رشيد المراكشي مستشارا بلديا في صفاقس من 1970 إلى 1975. وكان الفقيد خلال هذه الفترة النيابية المحلية رمزا للنشاط النموذجي إذ كان يسخّر جهوده من أجل تونس حديثة و من أجل مجتمع متحرر في نكران الذات وبعيدا عن كلّ غاية نفعيّة.

وبالإضافة إلى أنشطته المهنية و الجمعياتية و الرياضية تميّز المرحوم رشيد المراكشي بنشاطه السياسي إذ انخرط في الحزب الدستوري سنة 1951 وشارك في عدّة مظاهرات و إضرابات أيّام الحركة التحريرية من أجل الاستقلال واضطلع بعدّة مهامّ حزبيّة منها تكفّله بجمع الأموال لفائدة عائلات السجناء السياسيين. كما كان عضوا في قسم الشباب الدستوري في صفاقس مكلّفا بالرياضة .و كان آخر منصب للفقيد في هذا السياق هو رئيس الخلية الدستورية بطريق العين سنة 1989.

رحل المرحوم رشيد المراكشي، ولم نعد نراه لكنّه سيظلّ حاضرا  لدى أبنائه و بناته و أحفاده و حفيداته  و بيننا جميعا بمبادئه وقيم الوطنيّة وأخلاقه المهنيّة والاجتماعيّة وبما ربّى عليه أجيالا من تلاميذه من حبّ العمل و الكدّ والجدّية والوفاء للوطن وللإنسانيّة عامّة.

رحم الله المعلّم الفذّ رشيد المراكشي