اصدارات - 2023.05.12

كتاب "الجندر والمرأة في القيادة" للباحث، محجوب السميراني

كتاب "الجندر والمرأة في القيادة"  للباحث، محجوب السميراني

"الجندر والمرأة في القيادة" عنوان كتاب، صادر عن دار الشنفرى للنشر والتوزيع، تونس،  في أفريل 2023، ويتكوَّن من 483 صفحة من الحجم المتوسط. تناول هذا الكتاب موضوعا مهمًّا قلَّأن يتناوله غيره من الباحثين في تونس ولا يمكن تجاهله  باعتبار المرأة نصف المجتمع وتشكِّل مع  أخيها الرجل ركنيْ المجتمع. يُعتبر الكتاب إضافة نوعيَّة  للدراسات  الخاصة بالجندر والمرأة في القيادة بشكل خاص، وإضافة مهمَّة لأدب الإدارة والقيادة وللمكتبة التونسية ومرجعا. تُعدُّ الكتابة في شأن المرأة والقيادة ظاهرة جديدة، بدأ البحث في شأنها في العالم بداية من سبعينات القرن الماضي، ويُحتِّم الخوَّض في هذا الموضوع على الكاتب اتِّباع أساليب خاصة في الكتابة.

ينْقسم الكتاب الذي نقدِّم له إلى مقدِّمة وإحدى وعشرين فصلا جاذبًا ومعبِّرا ومشوِّقا للقراءة.ذكر الكاتب في المقدِّمة أنَّ الكتاب تناول فكرتيْن أساسيتيْن تترجمان موضوع الجندر والمرأة في القيادة تجسَّمتا في الأسئلة  التي أراد  من خلالها أن  يُبْرز  إشكاليَّة الكتاب:(1)  ما هي العقبات التي تواجهها المرأة في وصولها  الى مناصب  القوَّة والسلطة وتمثيلها فيها؟ و(2) مسالة ما إذا كانت  المرأة تقود بشكل مختلف عن الرجل؟  وهل هناك اختلافات بين سمات قيادة الذكور وقيادة الإناث؟ والتحقُّق من أسلوب القيادة الذي تكون فيه المرأة اكثر نجاعة وفعالية(ص.19).

وللإجابة على هذين السؤالين، تناول الكاتب  في البداية الحواجز والقيود التي يتعيَّن على المرأة القائدة  في المناصب العليا مواجهتها للتدرُّج في الخطط العلْياالتي قد توصف بأنَّها  الجدار الخرساني، حواجز السقف الزجاجي، والمتاهة وغيرها إضافة إلى الحواجز الاجتماعية والاقتصادية والثقافية (التحيُّزالجنسي، والأعراف الأبوية....والقيود المجتمعية) التي تواجهها المرأة أو واجهتها في المنظَّمة، وكيف يمكن أن تتعامل معها. وبيَّن  أنَّ المساوة بين الجنسيْن هي الطريق الرئيسي  بالنسبة للنساء للتدرُّج في  المناصب القيادية ونجاحهن في مسيرتهن المهنية، وهذه المساواة من شأنها أن تقودهن إلى تولِّي أدوار قيادية على قدم المساوة مع زملائهن الرجال في عصر عُرِف بهيْمنة جندر الذكر.
يعتبر الكاتب النساء عوامل تغيير قويَّة في المجتمع، ويتمُّ الاعتراف بشكل متزايد بالفوائد البعيدة المدى للتنوُّع والمساواة الجندرية في القيادة وصنع القرار في جميع المجالات. تجْلب المرأة التنوّع للقيادة، وكذلك التنوّع بين النساء. وهذا ما تؤكِّده عالمة النفس فيرجينيا شين  Virginia Scheinالتي تذكر أنَّه على الرغم من أنَّ الأبحاث تُظهر اختلافات بين الذكور والإناث، فإنَّ الاختلافات بينهما أقلُّ ممَّا يُعتقد عمومًا، والاختلافات داخل كلّ جنس أكبر من الاختلافات بين الجنسيْن (الذكر والأنثى). ولذلك يعتبر  المؤلف أنَّ القيادة النسائية مهمَّة جدًّا لأنَّه لا يمكن في أيِّ حال من الأحوال الاستغناء عن الميزة الكاملة لنصف سكان البلاد من المواهب والقُدرات والإبداع والأفكار. فاليوم تستخدم تونس نصْف مواهبها وغالبْا ما يسمع الناس نصف القصَّة. علينا رواية القصَّة كاملة حتى يمكن للبلاد تأمين مسيرتها نحو التقدُّم والرقِّي.

عرَف الكفاح من أجل حقوق المرأة منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 منعرجًا جديدًا أحْدث تحوُّلات اجتماعية كبرى في البلاد، فحقَّقت المرأة التونسية مكاسبًا مثيرة للإعجاب في التعليم ومكان العمل على مدار العقود الستَّة الماضية. وتُظهر الإحصائيات التي نشرها المركز الوطني للإحصاء أنَّ الإناث في تونس تفُوق بشكل هامشي عدد السكان الذكور بنسبة1,4% ، كما أن نسبة الإناث  المتحصِّلات على شهادة الباكلوريا سنويًّا تقدَّر بنسبة60% وبنفس  القدر تقريبا في الجامعات التونسية، إذْ أنَّ هناك حقيقة بائنة للعيان هو أنَّ المزيد من النساء يُكْملن دراستهن الجامعية ويدْخَلْن سوق العمل، ومع ذلك لا تزال القيادات النسائية ضئيلة في الإدارة  والمؤسَّسات والشركات، إذْ ما زال حتى اليوم عدد الرجال يفوق عدد النساء بشكل كبير في مناصب القيادة، لا سيما العليا منها، ولا تزال المرأة ممثَّلة تمثيلا ناقصا إلى حدٍّ كبير في مواقع صنع القرار في السياسة والأعمال والمجتمع بصفة عامة. ويمكن القول أنَّ القيادة ما زالت تُفهم في المقام الأوَّل في العديد من المؤسَّسات الوطنية  أنَّها مجال ذكوري، وأنَّ ممارستها يُهيمن عليها حتى اليوم الذكور والذكورة وتحْمل آثار التحيُّز الجندري.

ومازال المجتمع التونسي اليوم كغيره من المجتمعات الأخرى ينظر إلى الرجال على أنَّهم قادة أفضل من النساء في مختلف الجوانب على الرغم من أوجه التشابه الملحوظة في تنفيذ المهام الموكلة إليهم. إذْ بيَّنت الأبحاث: (1) أنَّ النساء والرجال يتمتَّعون بنفس القدرة على قيادة المرؤوسين وتنفيذ التغيير والتحويل الذي يتطلَّبه تحقيق الأهداف والغايات التنظيمية، و(2) أنَّ الجزء الأكبر من الأدلَّة المتعلِّقة بالاختلافات بين الجنسين في سلوك القيادة يعود  إلى وجود اختلافات نمطية، وأنَّ  التأثير  الكبير للصور النمطية على تصورات وأحكام المرأة في المناصب القيادية، أو كفاءتها لشغلها لها أهمِّية كبيرة في تدِّني عدد النساء في المناصب القيادية العليا.

خصَّص الكتاب الفصل الأول  لمناقشة الأهمية التي تكتسيها القيادة النسائية في بلادنا إذْ أنَّها تمثِّل  الميزة الكاملة لنصف سكان البلاد من المواهب والقدرات والإبداع والأفكار والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها. فالمرأة هي نصف المجتمع التونسي، وتونس تحتاج  إلى النصفين ليقوداها نحو النموِّ  والتقدُّم والازدهار.

يؤكِّد الكاتب أنَّ موضوع القيادة النسائية اكتسب أكثر أهمِّية خلال العقدين الأوَّلين للقرن الحادي والعشرين. لذلك يبدو من المهمِّ فهْم الوضع الحالي للقيادات النسائية قبل الاستكشاف بعمْق أكبر حول كيفية النهوض بنظرية المرأة والقيادة، وفهم المحفِّزات الفردية للفتيات والنساء للقيادة، والتغلُّب على تحدٍّيات وعقبات القيادة القائمة على النوع الاجتماعي، وتطوير المزيد من القيادات النسائية. وذكر أنَّه بالرغم من تمكين المرأة  التونسية من المشاركة في الحياة العامة على قدم المساواة مع الرجل من أجل تنمية البلاد وتطويرها  بفضل التشريعات التي سنَّتها الدولة لتحميها  وتَضمن لها جميع الحقوق، إلاَّ أنَّها مازالت  تواجه  اليومحواجزًا تمنعها من تحقيق النجاح بالسرعة التي  يحقِّقها الرجال. يمكن القول أنَّ المرأة  التونسية  مازالت مثل أخواتها العربيات  معتبرة ليست مساوية للرجل في المخيال الشعبي الذي قدَّر قيمتها  في جميع الأحوال بنصف قيمة الرجل، لكنَّها تحتفظ بشخصيتها الفردية في الأسرة والمجتمع وتحتفظ بحقوقها المدنية التي خوَّلتها لها مجلة الأحوال الشخصية لسنة 1956 وكذلك دستور البلاد.

تحتفل تونس كغيرها من البلدان في العالم باليوم العالمي للمرأة ليس فقط لدور المرأة في المجتمع ولكن لِلَفْت الانتباه إلى قضايا النوع الاجتماعي أو التمييز بين الجنسين الذي ينْتشر ويؤثِّر بشكل مستمرٍّ على مجتمعنا الحديث. كما  تحتفل تونس سنويَّا  بصدور القرار  عدد 1325  الذي اتَّخذه مجلس الأمن الدولي  بشأن "المرأة والسلام والأمن". وهو من بين جملة القرارات الأممية التي  تسعى إلى التأكيد على تعميم مراعاة مفهومالجندرانطلاقا من الجمع بين قِيم كونيَّة: الحماية والمساواة والسلام من جهة، والتأكيد على المكانة الخاصة للنساء بصفة عامة.قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الثلاثاء 21 أوت 2021 في الاجتماع الذي يغطِّي القرار التاريخي عدد 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن: "اليوم، قيادة المرأة قضيَّة. غدًا، يجب أن يكون هذا هو المعيار"، وهذا اعتراف ضمني من أنَّ قضايا النوع الاجتماعي (الجندر) أو التمييز بين الجنسين ينْتشر ويؤثِّر بشكل مستمرّ على مجتمعنا الحديث.

يعتبر النوع الاجتماع (الجندر) أحد العوامل الأساسية التي تؤثِّر على الأخلاق والقيم والسياسات في أماكن العمل وأنَّ التمييز ضدَّ المديرات والقائدات يفسِّر انتشار عدم المساواة المؤسَّسية. وما يمكن ملاحظته  اليوم هو القدر الكبير من التمييز الصريح ضدَّ النساء اللاتي تقلَّدن أو يسعين لتولِّي مناصب قيادية. يعتبر الجندر والقيادة موضوعان هامان في أدبيات القيادة. ويمكن القول أنَّ الدراسات الجادة والبحث العلمي المتعلَّق بهما قد تمَّ تطويرها لأوَّل مرَّة في العالم في بداية السبعينيات من القرن العشرين.

ذكر الكاتب في الفصل الخامس الذي خصَّصه لمفهوم الجندر، أن "الجنسsex" يشير من الناحية الفنيَّة إلى الفروق البيولوجية بين الرجال والنساء، بينما يشير "الجندر" إلى الاختلافات التي تنشأ اجتماعيَّا بينهما.  وفي هذا الاتِّجاه أدَّت الأدوار الاجتماعية إلى إسناد السمات والسلوكيات المتوقّعة بشكل طبيعي من النساء والرجال التي غالبًا ما تكون متميِّزة ومتنافرة عن بعضها البعض. عندما نتطرَّق إلى موضوع الجندر وعلاقته بالقيادة فكثيرا ما نحاول المقارنة بين الجنسيْن، الذكر والأنثى، وهو شيء جيِّدا وممْتعا، لكن علينا أن ندرك البُعد الذي يتعيَّن أخذه بعين الاعتبار وهو كيف يؤثِّر مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي على القادة. باختصار يشير الجندر إلى الأدوار والسلوكيات والأنشطة والسمات والفرص التي يعتبرها أيُّ مجتمع مناسبة للفتيان والفتيات والرجال والنساء. كمايشير أيضًا إلى العلاقات بين الناس ويمكن أن يعكس توزيع القوَّة داخل تلك العلاقات. يتطلَّب فهم الجندر إدراك العمليات الاجتماعية المعقَّدة التي يتمُّ من خلالها تعريف الناس وربطهم وكيف يتطوَّر ذلك بمرور الوقت.

وقد وضَّح الكاتب في الفصل الخامس أن مفهوم الجندر  مرتبط بالتنشئة الاجتماعية.  كما شرح  فكرة أدوار الجندر  أو أدوار الجنس، وذكر أنَّ لكلِّ فرد دور جندري مختلف يتوافق مع جنسه ويتأثَّر ببناء ثقافة مجتمعه، وأنَّالجندر بصفة عامة يشير إلى الأدوار والسلوكيات والأنشطة والسمات والفرص التي يعتبرها أي مجتمع مناسبة للفتيان والفتيات والرجال والنساء، وكذلك  إلى العلاقات بين الناس ويمكن أن يعكس توزيع القوَّة داخل تلك العلاقات.

تناول  الكتاب في فصله السابع مسألة الجندر والقيادة، وذكر الكاتب أنَّ أدب القيادة يفيدنا بأنَّ الأفكار حول الجندر تتشكَّل من خلال ملاحظات النساء والرجال في الأدوار التي يلعبونها عادة في الحياة اليومية. وذكر أنَّ نتائج البحوث بيَّنت أنَّ الاختلافات بين القادة الذكور والإناث تستند بشكل أساسي إلى الافتراضات والتوقُّعات التي يحدِّدها المجتمع للأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل. ويتفرع عن مسألة الجندر والقيادة: (1) مسألة الأدوار الاجتماعية، (الفصل الثامن)،التي تشرح أنَّ الرجال والنساء يتصرَّفون بشكل مختلف في المواقف الاجتماعية ويتبنُّون أدوارًا مختلفة، بسبب التوقُّعات المجتمعية لكيفية التصرُّف في المواقف المختلفة. (2) مسألة تطابق الأدوار (الفصل التاسع)، التي وُضِعت في التحيُّز تُجاه القيادات النسائية و(3) مسألة الرابط المزدوج، (الفصل الثاني عشر) الذي يمثِّل أحد الأسباب التي تعيق تقلُّد المرأة للمناصب  القيادية.

مازالت النساء في تونس وغيرها من البلدان يواجهن مجموعة من الحواجز والعقبات التي يصعب التغلُّب عليها وتُعيق بشكل كبير تقدُّمهن إلى أعلى المناصب القيادية. إنَّهن ضحيَّة العديد من القوالب النمطيَّة التي تترجم بعض المعتقدات التقليدية التي تَجِد جذورها العميقة في الثقافة الوطنية،مثل أن تكون المرأة لطيفة وحنونة وعطوفة، وأقلّ حزما وسيطرة من الرجل. فهُنَّ يَظهرن من حين لآخر  في مناصب قيادية  لكن في كثير من الأحيان أقلّ من الرجال رغم عددهن المتزايد في الالْتحاق بسوق العمل وبدْء حياتهن المهنية.

إضافة إلى القوالب النمطية لأدوار الجندر التي كانت دائما ومازالت حتى اليوم ذكوريَّة بشكل ملحوظ،وكذلك الصور النمطية عن القيادة التي تغلب عليها السمات الذكوريَّة النمطية أكثر من السمات الأنثوية النمطية والتي تعيق جميعها تدرج المرأة في التسلسل الهرمي للقيادة، ذكر الكاتبفي الفصل الرابع عشر عدَّة عوائق مجتمعية قائمة اليوم تحول دون حصول المرأة على مناصب قيادية.يتمُّ عادة فحص هذه العوائق من خلال استعارات مثل"الجدار الخرساني"، و"السقف الزجاجي"و"المصاعد الزجاجية" و"المنحدرات الزجاجية"، و"الأرضية اللاصقة"، فكِّر في الأزمة-فكِّر في الأنثى،ومشكلة خط الأنابيب المتسرِّب،  ومؤخَّراً "المتاهة". وجميعها يحول دون تنقُّل المرأة إلى أعلى موقع  في العمل. وتعتبر أغلبهذه العقبات خفيَّة وضمنيَّة وتسبُّبها المعتقدات الثقافية فيما يتعلَّق بالأدوار التي يجب أن يسنَّها الرجال والنساء.

تناول الكتاب أيضا في الفصل الخامس عشر، مسألة التمكين الهيكلي لروزابيث موس كانترRosabeth Moss Kanter-الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال والخبيرة في شؤون المرأة في القيادة- التي استكشفت فيها أدوار الرجال والنساء في مكان العمل حيث أوضحت العوائق الثقافية والهيكلية التي تواجهها النساء أثناء محاولتهن النجاح في المنظَّمة. وقرَّرت أن القوَّة وتراكم السلطة هو المفتاح لتأسيس منصب كقائد. ولذلك اعتبر الكثير من الباحثين أن النظرية التوكونية tokenism التي أنشأتها كانترهي أداة مفيدة بشكل خاص لفهم التجارب السلبيَّة التي لا تزال مُبْتلية بها العديد من النساء العاملات. تعتقد كانتر أن القادة الرجال والنساء لا يختلفون بشكل كبير في المهارات أو الممارسات، لكن المعتقدات الثقافية، ونقص التمثيل المتناسب في المناصب القيادية وما يترتَّب على ذلك من انعدام القوَّة داخل المنظَّمات، غالبًا ما يؤدِّي إلى تفضيل القادة الذكور.

انتقدت عالمة الاجتماع جوان أكير Joan Acker نظرية التمكين الهيكلي لكانتر ضمْن الفصل السادس عشر، مشيرة إلى القواعد والطقوس التي ورثتها المنظَّمة باعتبارها عوامل الحفاظ على التفاوت بين النساء والرجال بدلاً من الخصائص والهيكل داخل المنظمة، وتوسَّعت في رؤى كانتر المبكَّرة وحدَّدت التفاعل بين الهيكلوالجندر وهو الأمر الذي مهَّد لتطوير نظرية التنظيم المجندر.إذ أنَّها جادلت بأنَّ المنظَّمات ليست محايدة تجاه الجندر ويجب النظر إليها على أنَّها مواقع نُقِشَت في دستورها التمييز بين الذكر والأنثى، والمذكَّر والمؤنَّث، فيما يتعلَّق بمكوِّناتها الأساسية، أي الهيكل والأيديولوجيا والسياسة والممارسة والتفاعل والهوية.وبناء على ذلك، صاغت أكير سنة 1990 مفهوم المنظَّمات المجندرة genderedorganizations لتسليط الضوء على المزايا التي يجلبها العرف الذكوري لتوزيع القوَّة. وتوفِّر نظريتها للمنَّظمات القائمة على الجندر إطارًا نظريًّا مثمرًا لفهم استمرار عدم المساواة بين الجنسين في المنظَّمات وفشل مبادرات المساواة بين الجنسين في معالجة هذا الأمر.

تناول الكاتب في الفصل السابع عشر مفهوم الثقافة وتأثيرها في قيادة المرأة. وذكر أنَّ الثقافة تلعب دورًا مهمًّا في تشكيل طرقنا في الشعور والتفكير والتصرُّف. تؤثِّر الثقافة بشكل كبير على تقلُّد المرأة للأدوار القيادية مثل الرجل. ويدلُّ مؤشر عدم المساواة بين الجنسين على الفرص والتحدِّيات التي تواجهها المرأة في مكان العمل، إذْ هو يعكس وجهات النظر الثقافيَّة ذات الصلة في هذا  البلد أو ذاك خاصة عندما  يتعلَّق الأمر بالأدوار القيادية والتوقُّعات الجندرية.وتشكَّل الثقافة أفكارًا حول السلوكيات المقبولة للرجال والنساء وكذلك السلوكيات المناسبة بين الرجال والنساء. تشترك الهويَّة الجندرية والثقافة الجندريَّة في ارتباط قوي لأنَّها تؤثِّر على الحياة اليومية ليس فقط في المنزل والأسرة ولكن أيضًا في مكان العمل والمجتمع.

خصص الكاتب الفصل الثامن عشر لتناول أساليب قيادة الجندر بالتركيز على الأدب الذي لا يُظهر الفروق بين الجنسين في القيادة، والأدب الذي يرى أن هناك فروقا بين أساليب المرأة والرجل والذي وصِف بالشعبي. وذكر أنَّ  الدراسات الأكاديمية  أكَّدت أنَّه من المحتمل وجود فروق جندريةلكنَّها كانت أقلَّ وضوحًا في البيئات التنظيمية منها في الدراسات المختبرية أو التقييمية. وخصَّص المؤلفالفصل التاسع عشر لمناقشة مسألة الفروق بين النساء والرجال في أساليب القيادة، فتناول فيهأهمِّ النظريات التي تدَّعي بوجود نمط أنثوي للقيادة، ونقصد بذلك: (1) نظرية مرلين لودنMarlyn Loden التي ذكرت أن هناك أدلَّة متزايدة  تشير أنَّ للنساء أسلوبا مختلفا في الإدارة ومن المرجَّح أن يعْملْن بشكل مختلف نوعًا ما، ولكن بشكل فعَّال في الأدوار القيادية. (2) نظرية سالي هيلجسين SalyHelgensen التي قدَّمت تصوُّرا منهجيًّا لكيفية قيام النساء بإحضار نوع من القيادة يختلف اختلافًا واضحًا عن أنظمة القيادة الهرميَّة التقليديَّة والذكورية والعسكرية، أطلقت عليه اسم "شبكة الدمج ".و(3) نظرية جودي روزنرJudy Rosener حول القيادة التفاعلية، التي تؤكِّد فيها أنَّ النساء يعملن بنشاط لجعل تفاعلهن مع المرؤوسين إيجابيًّا لجميع المعنيين.

تناول الكاتب في الفصل عشرين مسألة التشابه في أساليب قيادة الرجال والنساء، فركَّز فيه على التحاليل التلويَّة التي قامت بها عالمة النفس الأمريكية أليس إيجلي Alice Eagly أشهر الباحثين في مجال الفروق بين الجنسيْن- وزملاؤها في تسعينات القرن الماضي وبداية القرن الحادي والعشرين  حول التشابه والتباعد بين أساليب القيادة الأنثوية والذكورية. وذكر أنَّه تبيَّن لهم أنَّ الرجال والنساء لا يختلفون في أسلوب القيادة. فهم ذكروا أنَّه لا توجد فروق بين النساء والرجال عند شغل مناصب قيادية، كما قلَّلوا من أهمِّية أيِّ اختلافات جندرية تمَّ تحديدها من قبل الباحثين، ونشروا نتائج بحثهم ضمن أربعة تحليلات تلوية بارزة تغطِّي موضوعات أسلوب القيادة، وظهور القادة، وتقييمات القادة،  وفعالية القادة.

أجمعت الأبحاث التي تناولت بالدرس مسألة القيادة النسائية أنَّ أسلوب القيادة الذي تكون فيه المرأة أكثر نجاعة وفعالية هو أسلوب القيادة التحويلية الذي طوَّره الكاتب بشيء من التفصيل في الفصل الثاني من الكتاب. تناول الكتاب في الفصل الحادي والعشرون  موضوع القيادة التحويلية للمرأة. ركَّز في هذا الفصل على التحليل التلوي الذي قامت به إيجلي وزميلتاها جوهانسنشميدت وفان إنجين سنة 2003، يقارنَّفيه الرجال والنساء في ثلاثة أنماط قيادة مختلفة: التبادلية، والتحويلية، وعدم التدخل، فوجدْن اختلافات طفيفة في أنماط القيادة لدى الرجال والنساء، مع ملاحظة أنَّ القيادات النسائية تُظهر، بشكل عام، سلوكيات قيادية تحويلية أكثر، وتوجيه أتباعهم وتمكينهم من المساهمة في المنظَّمة. تجادل  إيجلي وزميلتاها  بأنَّ تحليلهن التلوي يقودهن  للتأكيد  على أنَّ مفاهيم القيادة التحويلية والتبادلية هي بعض التطوُّرات المحتملة لمفاهيم قيادة الجندر،  وهما النظريتان اللتان  تولى الكاتب تطويرهما في هذا الفصل  من منظور أنثوي.

لا يُعزى اليوم في نظرالكاتب نقص تمثيل النساء في القيادة إلى تدنِّي الثقة أو عدم قدرتهن على القيادة، ولكن بسبب الصور النمطية التي تروَّج بأنَّ المرأة لا تستطيع أن تنتج قادة فعالين،والأحكام المسبقة على نطاق واسع وغياب الدعم، وكلُّ ذلك وغيره يعيق تقدُّم المرأة. ولذلك يجب على  النساء احتضان قوَّتهن والمُضي قدمًا لتحقيق أجنداتهن بطريقة إيجابية، والعمل مع الرجل من أجل حضور متوازن في مواقع القرار، وتكثيف أعمال  التوعية الرامية إلى تغيير النظرة العامة للمرأة في القيادة ومعاملة كلا الجنسين على قدم المساواة، وتشجيع الاستثمار في القيادة النسائية لما في ذلك من فائدة على المنظَّمة والمجتمع ككل.

يختم الكاتب كتابه بقوله أنه، رغم كل النتائج الايجابية التي حقَّقتها المرأة  التونسية في مجال الحقوق والحريات، والتقدُّم الذي أحرزته من أجل المساواة في العديد من النواحي المهمَّة منذ فجر الاستقلال، إلاَّ أنَّها لا تزال ممثَّلة تمثيلا ناقصا بشدَّة في المناصب القيادية في مجالي الإدارة والأعمال، وهذا يعني أنَّ العديد من فرص القيادة ما زالت محجوبة عن نصف القوَّة العاملة الوطنية.

تحتاج تونس اليوم  إلى المزيد من القيادات النسائية، فالمرأة  قادرة مثل الرجل على القيادة بل وتتميَّز عليه من حيث الفعالية وميولها للقيادة التحويلية كما بينت جلُّ الأبحاث التي تمَّ ذكرها في الكتاب. ولذلك يجب أن تكون المرأة قادرة على المشاركة بشكل كامل وعلى قدم المساواة في مجالات صنع القرار، لا سيما في المجالات التي تؤثِّر بشكل مباشر على النساء. ويجب أن لا يخفى على أحد، أن قضيَّة الجندر والمرأة ليست قضية نسائية أو رجالية بل هي قضية مجتمعية يجب معالجتها بكل حذر.

باختصار، على الرغم من النجاح الكبير الذي حقَّقته المرأة في التعليم والذي يجب أن يؤدِّي إلى تمثيل أقوى بكثير في الأدوار القيادية وفقًا لنظرية رأس المال البشري، وعلى الرغم من الوعي المتزايد والتغلُّب على متاهات القيادة وتأثيرات السقف الزجاجي أحيانا، هناك المزيد من العوامل التي يجب معالجتها والبحث عنها للتحسين المستمر لإطار عمل المرأة للحصول على فرص متكافئة للنجاح.كما يجب على المرأة انتزاع كلِّ الفرص التي تصادفها إذا ترى في نفسها القدرة على استغلالها. لذلك، يجب أن تتغيَّر المرأة، ويجب أن تتغير الثقافة، ويجب أن تتغير قواعد المنظَّمة وهيكلها، ويجب أن تتغير البيئة بأكملها من أجل توفير المزيد من الفرص للمرأة والنموَّ بشكل عام. وهذا يتطلب من المنظَّمات الاهتمام بمسألة القيادة وبرامج تطوير العنصر البشري، مع الأخذ في الاعتبار أن الناس -نساء ورجالا- هم بشر كاملون لهم حياة أسرية بالإضافة إلى حياة عمل. أنهى الكاتب  هذا الكتاب باستعارة  جيمس ماقريقر بيرنز واضع نظرية القيادة التحولية والتبادلية، والتي جاء فيها، "أنه عندما يتمُّ قبول النساء كقائدات "فإن الرجال سيغيِّرون أساليبهم القيادية". ويعتبر الكاتب أنهذه العبارة مفيدة لاستخدامها كنقطة انطلاق لبعض التصوُّرات الشخصية حول حاجتنا جميعًا إلى تغيير تفكيرنا حول الفروق بين الجنسين في أساليب القيادة.فعندما تكون المؤسَّسات قادرة على إشراك كلّ من الرجال والنساء على قدم المساواة على أساس الجدارة الفردية، فإنها ستكون أماكن أفضل للجميع.

أعرب الكاتب في الختام عن أمله فيأن يكون هذا الكتاب بمثابة دليل لأولئك المُلهمين أو المهتمِّين بفهْم القيادةوالجندر وكذلك لمن يشغلون مناصب قياديَّة في مختلف المؤسَّسات العامة والخاصة بمختلف أنشطتها بما يساعد على  توفير اتِّجاه جديد لبرامج إعداد القائدات في المستقبل.

اعتمد الكاتب لغة بسيطة ويسيرة ومناسبة، فأتى الكتاب في جملته مفيدا، مشوِّقاومُمْتعا ومهمًّا الاطلاع عليه بكافة أجزائه، ومناسبا لكافة القرَّاء  بمختلف مستوياتهم العلمية، وأخصُّ بالذكر منهم جُمهور القرَّاء من رؤساء الإدارات،والمؤسسات  والجمعيات بمختلف تخصصاتها والطلبة والمثقَّفين والباحثين المتخصِّصين وغير المتخصِّصين من عشَّاق  أدب القيادة والإدارة.

يُشار في الأخير أنَّالباحث والكاتب محجوب السميراني هو عميد متقاعد من الجيش الوطني، صدرت له عدَّة كتب: (1) العلم التونسي، التاريخ، الدلالة والاستعمال، (2) الجيش التونسي(1831-1881) رافد نهضة وإصلاح، (3)، الأعياد الشعبية التونسية، أوسُّو، النيروز، عاشوراء..، (4) الرنك التونسي، الجذور التاريخية والدلالة، و(5) الجندر والمرأة في القيادة.

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.