أخبار - 2023.03.20

"قبيلة" العرض الراقص شعريا توقا للتحرر

"قبيلة" العرض الراقص شعريا توقا للتحرر

بقلم كاهنة عباس - يتميز العرض بعنوان "قبيلة" الذي نظم بقاعة المسرح الرابع بشارع باريس بتونس العاصمة، يوم السبت الماضي، الثامن عشر من شهر مارس ألفين وثلاثة وعشرون،من تصور صابرين غنودي وإنتاج التياترو و"سيدة الكلمات " Notre dame des mots وهو المشروع الفني  المنبعث في شهر 2015، بعدة خصائص أهمها صعوبة تصنيفه، إذا كان ينتمي إلى الفن المسرحي أم "للكوريغرافيا" أي" تصميم الرقص"  "chorégraphie.

إذ يبدأ ببروز عدة نساء يرتدين فساتين من قماش "الساتان" اللامع ذات ألوان المتنوعة أغلبها زاهية، ويشرعن في الرقص لكي تقرأ أحداهن من حين إلى آخر نصا شعريا أو نثريا.

لم يدر العرض حول أحداث معينة، لتبنيه طريقة خاصة في الكتابة "الركحية "، تمنح الجسد أولية التعبير عن نفسه بواسطة الرقص والحركة مع الالتجاء من حين إلى آخر إلى الشعر أو إلى نص نثري لا يخلو من الشاعرية.

وبين الحركة الرقص والشعر، تتالت مشاهد العرض مع تعدد اللغات المستعملة من اللغة العربية الفصحى إلى اللغة الفرنسية إلى اللهجة العامية التونسية إلى اللغة الإيرانية إلى اللغة الاسبانية، بتعدد النصوص والقراءات والراقصات، واعتمدت  سينوغرافيا العرض على عناصر متعددة منها الإضاءة، لباس الراقصات والموسيقى ،لخلو الفضاء الركحي من أي تأثيث.

أما الهدف من تلك المراوحة بين الرقص والشعر، فكانت تكثيف المعاني التي تزخر بها المشاهد لدفع الرقصات إلى كسر جميع القيود التي تكبلهن فتمنعهن عن التعبير عن معاناتهن، مشاعرهن، حكايتهن  المؤلمة إلى حد الدراما أحيانا،إذ لم يبق لهن من وسيلة للعصيان والتحرر سوى اللجوء تارة إلى الرقص وطورا إلى الشعر.

كذلك اختارت صاحبة العرض  صابرين غنودي، أن تكون الشخصيات الأساسية (إن أمكن لنا الحديث عن شخصيات في مثل هذه العروض) الجسد أولا والشعر ثانيا، فتارة كان الرقص هو المتحدث وطورا كان الشعر.

و يمكن للمتمعن في المشاهد، أن يستنتج أن اختيار الرقص والشعر لم يكن وليد الصدفة بل لقدرتهما على تجاوز كل سلطة، لما يحتويانه من شحنة وجدانية، لها قدرة التعبير عن معاناة النساء.

مما لا شك فيه ،تأثر صاحبة العرض صابرين غنودي بالمخرجة الألمانية ذات الشهرة العالمية Pina Bausch من خلال لباس الراقصات وطريقة الرقص وحضورهن على الركح ، خاصة من خلال خلق سردية راقصة، أو ما يسمى "الكتابة المسرحية للرقص"théâtralisation de la danse، والتي قطعت مع جمالية الرقص الكلاسيكي بأن حولت الرقص إلى لغة تتكون من حركات ينطق بها الجسد للتعبير عما يختلج به  من أحاسيس مؤلمة أو مفرحة.

إلا أن السردية الراقصة لم تكن كافية لقول ما يجب قوله، فكان لا بد من محطات شعرية تقطع بين مشاهد الرقص كما أشرنا سابقا، بمعنى كان لا بد للغة أن تتدخل أن تتجاوز ما ينطق به الجسد من حركة من خلال الرقص لخلق تشابك مستمر بين التعبير الجسدي والتعبير اللغوي.

يمكن القول، أن عرض "قبيلة" تشكل من خلال ثنائية لغوية هي لغة الرقص / لغة المتكلمة، المكتوبة في محاولة لكسر قيود السلطة الأبوية، وهو ما يفسر لنا عنوانه " قبيلة" الذي يحيلنا معناه التاريخي والثقافي إلى تنظيم اجتماعي استطاع الرجال من خلاله فرض سلطتهم على النساء، فإذا بالعرض يطرح علينا معنى جديد للقبيلة، تتكون من عدة نساء لكل منهن صوتها رؤيتها وتطلعاتها، أي انطلاقا من تنظيم مغاير يتعارض مع مفهومها الأصلي بما يعنيه من تكتل ووحدة وعصبية ،لذلك كان عنوان العرض مستمد من عبارة نكرة فاقدة للتعريف وهي قبيلة ،للقطع مع أي انتماء.

أما عن اختيار الشعر واللغة الشاعرية عموما ،فمرده تجاوز اللغة في معناها الاجتماعي باعتبارها مرجعا للتواصل يتميز باتحاد المعنى والمغزى، خلافا للشعر الذي يفترض استعمال المجاز والخيال والرمز وغيرها من الأدوات، لتجاوز ما تنقله اللغة من المعاني المتداولة والمألوفة بين الناس.

هل أدت تعددية اللغات والنصوص والأدوات الفنية المستعملة إلى جو من التشتت؟

نظرا لخصائص هذه المغامرة الفنية الجريئة التي كانت تطمح إلى بلوغ بعد إنساني عالمي يتجاوز البعد المحلي دون التنكر له، تمحورت كل المشاهد والنصوص حول موضوع واحد هو معاناة النساء، بحيث استطاعت صاحبة صابرين غنودي بفضل ما بذلته من مجهود خاص ،أن تجعلها تدور حول محورها الرئيسي حتى لا تبدو مشتتة إلا في تعدديتها ورفضها الأحادية بكل ما تعنيه من تسلط وقمع.

كاهنة عباس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.