"قطرغيت" أم "البرلمان الأوروبي غيت"؟
بقلم محمد إبراهيم الحصايري - أمران يدعوان إلى الاستغراب في هذه الفضيحة التي تم الكشف عنها يوم الجمعة 9 ديسمبر 2022، والتي تتعلق بارتشاء مجموعة من الأشخاص العاملين في البرلمان الأوروبي.
الأمر الأول هو أن الأوروبيين على عادتهم في مثل هذه الحالات، اختاروا لهذه الفضيحة التي تزامن إخراجها إلى العلن مع الاقتراب من موعد اختتام "كأس العالم لكرة القدم" التي نجحت قطر في احتضانها باقتدار جدير بالإعجاب، اسمَ "قطر غيت" (Qatar gate) في محاولة منهم لإلصاق "عارها" بالآخر، في حين أن العار الأكبر هو العار الذي لحق بالبرلمان الأوروبي، وقد كان من المفترض أن تسمى الفضيحة باسمه أي "البرلمان الأوروبي غيت" (European Parliament gate).
والأمر الثاني أن المتورّطين الأربعة في هذه الفضيحة هم من "التقدميين" ونشطاء الأحزاب الاشتراكية والجمعيات الحقوقية. فالمتورّطة الأولى هي اليونانية Eva Kaili وهي إحدى نواب رئيسة البرلمان الأوروبي الأربعة عشر، وعضو في التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (S&D) في هذا البرلمان، كما إنها عضو في الحركة الاشتراكية اليونانية باسوك/ Pasok.
أما المتورّط الثاني Pier Antonio Panzeri فهو إيطالي وهو عضو سابق في البرلمان الأوروبي، من 2004 الى 2019 وكان ينتمي إلى نفس التحالف الذي تنتمي إليه المتورّطة الأولى، هذا إلى جانب أنه عضو في الحركة الديمقراطية والتقدمية الإيطالية "المادة الأولى" (Articolo Uno) المنشقة سنة 2017 عن الحزب الديمقراطي، ورئيس المنظمة غير الحكومية "مكافحة الإفلات من العقاب" (Fight Impunity) التي "تناضل ضد الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية".
وأما المتورّط الثالث فهو Francesco Giorgi وهو "خليل" Eva Kaili، ويعمل مساعدا برلمانيا لعضو البرلمان الأوروبي الإيطالي Andrea Cozzolino الذي ينتمي بدوره إلى التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (S&D)، وهو يرأس "مندوبية العلاقات مع دول المغرب العربي واتحاد المغرب العربي"، كما إنه عضو في اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، وكان من قبلُ مساعدا لـ Pier Antonio Panzeriالذي أسس معه منظمة "مكافحة الإفلات من العقاب".
وأما المتورّط الرابع Niccolo Figa-Talamanca فهو الأمين العام لمنظمة "لا سلام بدون عدالة" (NPWJ)، التي تشترك مع منظمة "مكافحة الإفلات من العقاب" في نفس العنوان، والتي تعمل على حماية وتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الدولية، وطبقا لما جاء في سيرته الذاتية فإنه قبل أن يصبح الأمين العام للمنظمة كان قدم استشارات "للعديد من الحكومات والمؤسسات بشأن إنشاء ومنهجية عمل مؤسسات العدالة الجنائية الدولية وعمليات المساءلة الأخرى".
إن هؤلاء جميعا من أولئك الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على قيم التقدم والحريات وحقوق البشر، والذين يسمحون لأنفسهم باعتبارهم من العالم الأول بانتقاد بلدان العالم الثالث والتشنيع عليها بدعوى عدم احترامها لحقوق الانسان والازراء بمقتضيات الشفافية والنزاهة.
والغريب وفقا لما تقوله "منظمة الشفافية الدولية" غير الحكومية أن هذه الفضيحة ليست الأولى من نوعها وهي ليست حالة معزولة، ولكنها، على ما يبدو، تشكّل حالة الفساد الأكثر فظاعة منذ سنوات عديدة.
وتضيف المنظمة أنها كثيرا ما حثت المؤسسات الأوروبية على "اتخاذ تدابير عاجلة لإجراء إصلاح عميق لأخلاقيات أنظمتها ونزاهتها"، كما تؤكد أن البرلمان الأوروبي بالذات سمح، على مدى عدة عقود، بتطور ثقافة الإفلات من العقاب، حيث أنه اعتاد على ممارسة الرقابة المالية المتساهلة في غياب تام للرقابة الأخلاقية المستقلة.
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق